لماذا تدفع الشعوب ثمن القطيعة الجزائرية المغربية؟

admin
كتاب واراء
admin4 مايو 2023آخر تحديث : منذ سنة واحدة
لماذا تدفع الشعوب ثمن القطيعة الجزائرية المغربية؟

نزار بولحية

أي ذنب اقترفته لتنال كل التنكيل والأذى الذي لحقها جراء استمرار قطيعة بين البلدين، تشبه إلى حد كبير حال من يفقأ عيني ابنه ظنا منه أنه يصيب بسهامه عيني جاره؟ لنتصور فقط ما الذي يمكن أن يرويه الشبان المغاربة الذين وصلوا الجمعة الماضي إلى قسنطينة للمشاركة في بطولة افريقيا للناشئين لكرة القدم 2 لأبنائهم أو أحفادهم بعد سنوات طويلة من الآن؟ هل سيقولون لهم مثلا إنهم ما زالوا يذكرون كيف أنهم وفي عام ألفين وثلاثة وعشرين، أي عندما كانت أعمارهم دون السابعة عشرة نزلوا بأرض مطار جزائري واستقبلوا بحفاوة وكرم بالغين وقدمت لهم باقات الورود وأطباق الحلوى؟ أم انهم سيبلغونهم أن الشيء الوحيد الذي بقي عالقا في ذاكرتهم من تلك الرحلة هو انهم كانوا مضطرين إلى ركوب طائرة رومانية من مطار عاصمتهم، حتى يصلوا جوا إلى جارتهم الشرقية بسبب حظر غريب على عبور الطائرات المغربية للأجواء الجزائرية؟
باستطاعة كل واحد أن يخمن أي ذكرى قبل الأخرى قد ترسخ بأذهانهم، غير أن الثابت هو أن الأجيال الشابة ستبقى شاهد عيان موثوقا على أسوأ المراحل التي عرفتها العلاقات بين البلدين المغاربيين، على امتداد تاريخهما المعاصر، مثلما أن من سبقوهم بعقود كانوا بدورهم منتصف التسعينيات شهودا على إغلاق الحدود البرية الجزائرية المغربية، وحرمان آلاف العائلات في الجانبين من التنقل بين الاتجاهين، والنتيجة هي أنه بدلا من أن تفلح الجهود ويعاد فتح تلك الحدود، فإنه تم فرض حظر إضافي في الجو هذه المرة على طيران الناقلات الجوية المغربية في سماء الجزائر. وربما كان مفهوما أن يتخذ مثل ذلك الإجراء لو أنه كان محصورا بجهة بعينها، أو أنه اقتصر مثلا على الطائرات العسكرية دون سواها، لأنها ربما قد تشكل خطرا ما. لكن أي خطورة قد تمثلها الطائرات المدنية التي تعبر السماء الجزائرية من المدن المغربية، إن كانت تابعة لشركات طيران محلية، ثم تنتفي تماما وتزول متى كانت هوية ذلك الناقل الجوي غير مغربية.

علاقات الحكومات متغيرة ومتقلبة لكن الروابط بين الشعوب لا يمكنها أن تتحول بموقف أو قرار

لعل البعض سيقول إن القرار سيادي وإن الجزائر حرة في التصرف في أرضها وسمائها وبحرها كيفما تشاء، وإنه ليس مطلوبا منها أن تشرح أو توضح دواعي اي أجراء قد تأخذه في علاقة بدولة من الدول. ولا شك أن ذلك المنطق قد يكون سليما في الظاهر من الناحية القانونية على الأقل، لكن ماذا عن الناحية الإنسانية؟ أليس لها أي دخل أو كلمة أو اعتبار؟ وهل أن الغاية هي معاقبة المغاربة والجزائريين بالجملة؟ أم الرد فقط على ما تعتبرها السلطات الجزائرية تهديدات طالتها من جانب نظيرتها المغربية؟ إن الخلط بين الأمرين مفجع ويطرح عدة نقاط استفهام، فهو يخرج التوتر السياسي بين العاصمتين من نطاق الخلافات المحدودة بين الحكومتين إلى مدار التنكيل الشامل والواسع بالشعبين. وهذا هو أسوأ ما يمكن أن يحدث بين بلدين شقيقين، لطالما كانت الروابط والقواسم المشتركة بينهما واسعة ومتعددة وعميقة الجذور، وهما لحسن الظن يقران دائما بذلك.. فلا الجزائر قالت يوما ما أن لها مشكلا مع الشعب المغربي، ولا الرباط بدورها تحدثت عن أن لديها خلافا معينا مع الشعب الجزائري. وهذا أمر ينبغي عدم التقليل من أهميته أو الاستهانة به، بقدر ما يجب البناء عليه، حتى لو نظر له البعض على أنه نوع من الكلام الإنشائي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع. وهنا فإن على الجيران أن يلتقطوا ذلك الإقرار للدفع باتجاه تحييد وإبعاد الشعبين عن الخلافات التي ينبغي أن تظل محصورة فقط بين الحكومات. وقد يقول قائل كيف ذلك؟ وهل يمكن أن تبعد الشعوب عن نزاعات الدول؟ إن حالات كثيرة تدل على أن ذلك ممكن. غير أن الصمت على تلك الوضعية الشاذة والغريبة، قد يكون بدوره جريمة وشكلا من التواطؤ المجحف في حق الطرفين، حتى لو حاول أصحابه أن يظهروا نوعا من الحياد، بزعم أنهم لا يرغبون في التدخل في ما قد يعتبرونه شأنا جزائريا، فإن عليهم أن لا يغفلوا عن أن للشعبين الجزائري والمغربي، حقوقا لا يمكن لأحد أن يتجاهلها إرضاء لهذه الجهة أو لتلك. فعلاقات الحكومات متغيرة ومتقلبة، لكن الروابط بين الشعوب لا يمكنها أن تتحول بموقف أو قرار. وعلى فرض أن صمتهم كان بدافع المصلحة فعليهم أن ينظروا إلى المصالح البعيدة لا إلى تلك الضيقة والقريبة. فقد تكون بعض شركات طيرانهم مثلا تستفيد نسبيا من ذلك الحظر، وتقدم حلا عاجلا لكن مغشوشا للمشكل، غير أنهم سيكونون خاسرين ومن دون شك على المدى البعيد إن استمر الوضع على حاله بين الجارتين، ولم تخفف القيود على تنقل الشعبين لا برا ولا جوا. والمؤكد أن عواقب النظر إلى المشهد بشكل مجتزأ ومبتور ستكون كارثية. فقد لا يكون أكبر تحد تواجهه المنطقة المغاربية ويهدد استقرار دولها، هو فقط سباق التسلح المحتدم بقوة بين البلدين، أو التحالفات العسكرية والأمنية التي يعقدانها تحسبا ربما لهجوم أحدهما على الآخر، أو حتى صراعاتهما الدبلوماسية المفتوحة داخل أروقة المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية، بل توسع القطيعة بينهما وامتدادها إلى ساحات جديدة وانتقالها من مجال السياسة ومنابر الإعلام إلى ميدان الحياة اليومية للشعبين. وهنا من المفترض أن ينظر بجدية إلى بعض الإشارات، فقد كان من المؤلم مثلا أن تقول مطربة مغربية معروفة حين سئلت قبل أيام في برنامج تلفزيوني، إن كانت تقبل بالغناء في الجزائر، إنها ترفض ذلك في الوقت الحالي «لكن عندها أماني كبيرة بأن يصلح الله الحال» بين البلدين. فما الذي سيحصل إذا تبنى المثقفون والدعاة والفنانون والصحافيون والرياضيون ورجال الأعمال مثل ذلك الموقف ورفضوا أن يقطعوا خطوة باتجاه بعضهم بعضا ولم يجازفوا بالسفر من هذا البلد إلى ذاك متعللين بمبرر من المبررات؟ هل سينصلح الحال بعدها؟ وهل أن السماء ستمطر عليهم مصالحة جزائرية مغربية تامة تمحو ما قبلها وتعيد المياه إلى مجاريها بين العاصمتين برمشة عين، ليتداركوا بعدها أمرهم ويسارعوا للهتاف ورفع شعارات الأخوة والتضامن بينهم؟ إن كان ذلك ما قد يفكرون به حقا فإنهم سيكونون بكل تأكيد في الجانب المعاكس تماما للتاريخ. وبالمثل فإن أخطر ما قد يقوم به صنف آخر قد ينسب نفسه إلى النخب الفكرية والإعلامية المؤثرة هو أن يطلق أحكاما جاهزة ومسبقة على المستقبل من قبيل ما قد يقوله البعض على مواقع التواصل الاجتماعي من أنه لا حاجة للشعبين للمصالحة، وأن الأفضل لهما أن تستمر القطيعة، لأنه لا سبيل أبدا للم الشمل والالتقاء من جديد. ولا شك في أن الطريق نحو رفع العقاب الجماعي عن الشعبين، لن تكون مفروشة بالورود وهذا يتطلب من دعاة التصالح في البلدين أن تكون أصواتهم أقوى وأن يتحلوا بمزيد من الجرأة لكن أيضا بكثير من الصبر.
كاتب وصحافي من تونس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.