في الجزائر، وسائل الإعلام والتواصل، والتي حِبْرُها من دَوَاة القيادة العسكرية الجزائرية، أصابتها حالة من الضّيق ومن التَّلعثُم من مُجرد ذكر اسم فريق الجيش الملكي لكرة القدم، قبل مباراة الذهاب وبعدها، في الجزائر، التي جَمعت الفريق المغربي مع فريق اتحاد العاصمة، والذي يُعرف أيضا باسم “السوسطارة” حتى أن الإعلان عن مباراة 23 أبريل يصلُح لأن يرافقه سؤال: اتحاد العاصمة سيتبارى مع من؟ مع وعد بمُكافأة مالية مُجْزية للشّاطر الذي يتوصل إلى الإجابة الصحيحة.
الإعلان كان يقول “اتحاد العاصمة ضد ج رق م م”.. واحدة من وسائل الإعلام تلك ستكتب، مساء الأحد الماضي، بعد مباراة الإيّاب بين الفريقين، في الرباط، “اتحاد العاصمة يُبْعد الجيش الملكي المغربي ويتأهل”.
وكما هو واضح، هو عنوانٌ حربي وليس رياضيا، هكذا حَذفت الجريدة كلمات من نوع، الفريق وكرة القدم والمباراة الرياضية، كان من المفروض أن يكون لها موقع في العنوان، لتُعبّر عن انتشاء مرضي، بإبعاد “الجيش الملكي المغربي”، ليس في تبارٍ رياضي، وليس كفريق كرة القدم، بل في حالة استعاضة نفسية، يُطمئنها التحقّق الوهمي لتفجر عقدة مرضية.
هي طَلقات لمكبوتات نفسية في فضاء “لغوي”. والمكبوتات لدى ذلك الإعلام المعبِّر عن تلك القيادة العسكرية، هي العُقَد المُزمنة تجاه المغرب، الملك، الجيش الملكي، وكل التأزيم القيادي الجزائري لعلاقاته مع المغرب تكمُن هنا. ولها تَلْفيقٌ سياسي فقط بالعلاقة مع تلك العقد، ومن بوابة كرة القدم أو فضاءاتها.
حَلَّل الإعلام الجزائري إياه، وبارك “انتصار” الجزائر على السيد فوزي لقجع، وصمودها ضد “مناوراته”، حين فرضت عليه “الصلابَة السيّادية” الجزائرية نقْل المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة إلى قسنطينة، مباشرة من الرباط، ولكن بطائرة رومانية مُعارَة من الفيفا، للمشاركة في البطولة الأفريقية لتلك الفئة العمرية. ونِعم الانتصار ونِعم الصّمود.
إنه، مرة أخرى، الجوع وليس مُجرد الشّوق، لأيّ انتصار ضد المغرب، حتى ولو لم يكن انتصارا فِعليا وجديرا بتسميته انتصارا. يبدو الأمر مضحكا للعقلاء من عالمَيْ الرياضة والسياسة، إذ هو أشبه بِمُمَاحكات الأطفال ومُشادّاتهم، لأنه مُجرّد من كل مُؤَشّرات الجِدّية والنضج النفسيين قبل التعقُّل والتبصّر السياسيين. والأنكى والأمرّ أن وراء تلك السلوكيات والمُفاخرات المُتَصابية، “دولة عظمى”، بقيادات عسكرية من درجة جنرالات، ولها مظاهر الدولة “المحترمة”، ومن بينها وجود رئيس لها. نفس الرئيس الذي يحرص على إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية مع المغرب، كما تباهى بذلك وهو يتحدث في “مَكْلَمَته” مع الجزيرة، مُدّعيا بأن “الباب الذي تهب إليك منه الريح.. أغلقه”.
وهو إنما أغلق الباب، كما أُمر أن يفعل، ولا يهمه منه شرّه ولا خيره؛ خيره هو يصله، كله وفي جميع الأحوال، أما الجزائر فقد قطع عنها فوائد من تبادل منافع مغربية معها في التحديات التنموية، لأن الأبواب المفتوحة مع المغرب هي أصلا مجرى منافع للجزائر، وجربتها في انتفاعها منها إبان كفاحها للتحرر من الاستعمار الفرنسي، وما تلاها، خلال سنوات محاولة النهوض الجزائري. ومن مُنْشئاتها أنبوب الغاز المغاربي – الأوروبي.. واللائحة طويلة. وما كان مُخطّطا له ومُتوقّعا من تبادل المنافع أطْول وأكْثر وأغْزر. لكن، مصالح جنرالات الحكم في الجزائر من استعداء المغرب أوقفت ما كان جاريا من أعمال وما كان مخططا له من آمال.
ذلك “الرئيس”، الذي يبدو كان يتابع فصول وقائع كيفية وصول المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 17 سنة، وأدار “صمود” الدولة “العظمى” ضد “ضغوط”! المغرب والفيفا، هو نفسه الذي رأس اجتماعا لمجلس الوزراء، الأحد 30 أبريل، مليئا بغرائب القرارات، وهي لوحدها تعكس “النُّضج” السياسي للدولة ولرئيسها. واحد فقط، من تلك القرارات، لا أعرف ما إذا كان سيفرح من يطّلع عليه أو يبكيه، وهو القرار المتعلق بالمصادقة على “قانون لمحاربة تزوير شواهد الإقامة”.
المنطقُ يفرض أنّ التزوير مجرّم قانونا، بكل حالاته، ومنذ عقود، أما أن يحتاج تزوير شواهد الإقامة لقانون خاص بها، وحتى هذا اليوم، ويُتداول الأمر في مجلس للوزراء، فاللّهم نسألك اللطف في قضائك.
أما بقية القرارات الصادرة عن “مجلس الوزراء”، فلا تقل، عن المشار إليه، لا غرابة ولا إِسْفافا. وتؤكد، لمن يحتاج إلى تأكيد، بأن دولة الجزائر، وبسبب، تبايُن مصالحها مع مصالح المهيمنين، من الجنرالات، عليها، هي دولة قيْد التأسيس، قيْد التشكيل، قيْد التقنين. ولعل تضييعها لمُسْتلزمات التأسيس، لأمواله، لقوانينه، لتصوراته، لمخططاته، لقراراته ولهدْرها للعشرات من السنوات، كان يفترض أن تخصص له، سَبَبُه انشغال جنرالات القيادة بمصالحهم الخاصة، وبسبب نسجهم لمظلة مشتركة لحماية انتفاعهم هي العداوة للمغرب.
عداوة المغرب هي ما يُدْمن عليه جنرالات قيادة الجزائر، تلك العداوة تشغلهم، وتؤرقهم، من التسلّح إلى الدبلوماسية، إلى الحدود وإلى كرة القدم، وتغلب منافعهم الفردية على المنفعة العامة الجزائرية. وها هو تضارب المنافع الفردية ينخر نسيج القيادة نفسها، عبر التدافع بين الرؤوس المكونة له. ويوما بعد يوم يحتدُّ الصّراع، وحركيته تقترب من “لفظ” الفريق أول سعيد شنقريحة، لفائدة جنرالات الجيل الجديد، ولعل الأوفر حظا فيهم لاستلام قيادة الجيش هو قائد الدرك الوطني الجنرال “الشاب” يحيى علي أولحاج، لتجد القيادة نفسها مشلولة أو عاجزة عن توجيه دفّة “إبحار” الجزائر الوجهة الصحيحة والسليمة في محيط التحولات الدولية المتحركة والفائرة.
تلك القيادة الفاقدة للبوصلة الإستراتيجية تُغلّب أهواءها ومصالحها على حقائق الوضع الدولي الجديد أو قيد التجدد، ومن ملامحه ومُعطياته أن المغرب فيه قوة فاعلة، اقتصاديا وأمنيا، عربيا وأفريقيا وأوروبيا. لأن في المغرب ملكا، قائدا تاريخيا، يقود دولة بحمولة وبتطلعات تاريخية، ولديه قابلية وجاهزية وإمكانات للتعاطي الفاعل مع التحولات الدولية الجارية، بحيث أمّن لنفسه تقاطعات، صلبة، مع كل التحالفات الجديدة التي ستفرزها مخاضات صراعات الوضع الدولي.
ذلك ما سيُبقي كل أسلحة عداء القيادة العسكرية الجزائرية له، عديمة الأثر وفاقدة للصلاحية. ومن أهمها “سلاح” الحركة الانفصالية؛ استعمالها المفرط ودون مراعاة لتقلّبات المِزاج الدولي، وفقط لإرضاء “النّزوات” القيادية الجزائرية، تفِرّ منها أطراف مهمة في علاقاتها الخارجية. مثل حالة إسبانيا، التي “تشتكي” من “صِبْيانِيات” القيادة الجزائرية، لثنْيها عن اختياراتها المغربية.
وها هي اليوم تلك الحركة الانفصالية عِبْء ثقيل الحمل على القيادة الجزائرية لوحدها. وتلك القيادة منشغلة بذاتها وتقلباتها وأوجاعها عن تلك الحركة، والعالم منشغل بتحولاته عن توسُّلات جنرالات الجزائر. ولا يبقى لأولئك غير ملاعب كرة القدم، يحمّلونها أوهامهم ويفتعلون فيها مُنجزات محدودة المفْعول ومعارك الانتصارات فيها غير قابلة للتحول من الملاعب إلى.. ألاعيب.
طالع السعود الأطلسي