عبد اللطيف مجدوب
كلما اقتربنا من موعد عيد النحر إلا وتحبل بيئتنا حضرية كانت أم قروية؛ بظواهر بشعة في صورها ومراميها؛ تأخذ في التكاثر حتى تغزو بالتقريب كل حي وحارة ومنزل وزقاق، كلها تشي للعابر؛ حتى ولو كان من أبناء عيسى أو موسى “عليهما السلام” بأن الموسم عيد، وأن كل هذه المفروشات التي تضيق بها الشوارع والطرقات هي في خدمة “الحولي”، من توابل وفحم وسكاكين وبرسيم وبخور وأواني وسفافيد… وترتدي دور الأبناك؛ هي الأخرى؛ حلة قشيبة؛ هي من الإغراء والترحيب؛ تقبل بدفع السلفات مقابل الإمساك بصاحبها رهينة الاختناق والضيق إلى أجل مسمى، أما المواطنون؛ خلال هذا الموسم؛ فتلك هي قصة أخرى؛ معظمهم تمتلكه حالة هستيرية فوق العادة، صخب وضجيح تساهم فيه الهواتف الذكية والبليدة، لا تخرج كلماتها المتداولة عن نطاق” كيف داير السوق… الحولي غالي.. ثمن البرطما!”.
وإذا سنحت الفرصة للقيام بجولة داخل هذه الفسيفساء الكبشية، سنلفي أنفسنا لا محالة أمام عملة “صعبة” هي السائدة في التداول؛ يقضي شعارها بـ”الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري”، وقد يعدو ضربا من المحال؛ في خضم البحث عن الكبش وتابعاته” العثور على “لجنة أو هيئة” لمراقبة المواد والأسعار.
ليلة العيد
هي محطة جد متقدمة تسيء في معظمها وبدرجة غير مسبوقة؛ إلى البيئة المحيطة وتحول أجواءها وأرجاءها إلى صدى بعبعة الأكباش والخراف والماعز، وأحيانا تختلط بخوار العجول، وقلما تغفو عين إنسان وسطها، أما إذا حل الصباح الموعود، وعقب صلاة العيد، تجرد السكاكين والسواطير من أغمادها، ويحج الناس إلى السطوح للوقوف على عمليات النحر بأساليب تقليدية باستهلاك مقادير مائية تنيف عن مائتين وخمسين مليون لتر مكعب في مجموع التراب الوطني، ناهيك عن تداعياتها البيئية، من اختناق قنوات صرف المياه، وتحويل الشوارع إلى مطارح للنفايات، وتلويث الأجواء العامة.
مسلخ افتراضي يفرض نفسه
بعض الدول الإسلامية؛ وعلى قلتها؛ قطعت نهائيا مع المسالخ التقليدية التي كانت تحتضنها في العادة المرافق السكنية، وأنشأت بديلا لها مسالخ نموذجية، على مستوى كل مقاطعة سكنية؛ مزودة بأحدث أجهزة الذبح والسلخ،م ع تواجد فريق من البياطرة، وبمرفق خاص برؤوس الأغنام قصد الاقتناء، إلى جانب حضور “إمام” يتولى قراءة التكبيرة، ولا يسمح بنقل الذبائح إلى مقرات أصحابها إلا بعد توقيع عقد مشروط بعدة وصايا؛ من بينها عدم الإساءة إلى البيئة العامة والجيرة والالتزام بشروط النظافة، ونبذ كل أشكال هرس اللحوم ليلا، وأن خرق بنود هذا العقد يعرض صاحبه إلى غرامة مالية تمتد إلى ألف وخمسمائة درهم. هذه البنود تعرض في يافطة تتصدر مدخل المسالخ، يمكن أن تنضاف إليها “شرعا؛ لا تكلف نفسك، ولا تؤذ جارك، وتصدق من أضحيتك…”.
مسلخة؛ على هذا الطراز وبهذه المواصفات؛ خليقة بأن تنأى عن قضايا بيئية عديدة وتقطع مع أساليب بالية؛ تمس بجوهر الإسلام وسننه وتعاليمه.