عبد اللطيف مجدوب
فصول دموية غير مسبوقة
على مدى نحو أربعة أشهر؛ بأيامها ولياليها الحالكة؛ ونيران القصف والدمار تستعر بين أبنية وسكان غزة، حتى بات معلوما لدى القاصي والداني “ألا مكان آمن في غزة”، فكل من تحرك ولو لمسعى إنساني، كالطواقم الطبية وسيارات الإسعاف؛ يصبح هدفا مشروعا بأعين قوات الاحتلال الإسرائيلية.
وقد لاحظ العالم أجمع، وخبراء الحرب خاصة أن “جرح” إسرائيل العميق جراء ضربة 7 أكتوبر 2023 لم يندمل بعد، رغم آلاف الأطنان من القنابل التي ترمي بها قطاع غزة، وحدّة السعار الذي أصابها ويصيبها كلما سقط جندي أو ضابط لها بأسلحة المقاومة الفلسطينية، وتقدر تكلفة هذه الحرب بعشرات المليارات من الدولارات، إذا احتسبنا خسائرها الاقتصادية والبشرية والاجتماعية.. ولقد اتضح جليا؛ وأمام أنظار العالم؛ مدى تورط الإدارة الأمريكية في إدارة الحرب بالقطاع وانحدار أخلاقياتها يوم أن رفعت بمفردها ورقة الفيتو بالأمم المتحدة ضد مشروع وقف الحرب، وإصرارها؛ تحت يافطات عدة؛ على حظر جميع مقومات الحياة عن سكان غزة، وبذلك أضافت سلاحا فتاكا، تمثل في التعطيش والتجويع والتشريد والاستهداف والتنكيل..
مقتل جندي يعادل مجزرة جماعية!
غدا الموت الأسود مألوفا لدى سكان غزة، يتعايش معهم كل آونة أينما حلوا وارتحلوا، إما بقصف مأوى للنازحين أو تدمير مبنى سكني على رؤوس قاطنيه، وهو ما يتماشى مع عقيدة قوات الاحتلال التي يصدر عنها كل جندي إسرائيلي في ضغطه على زر الدمار والفتك، إذ يعتبر كل كائن يمشي أو يزحف على أرض القطاع “مقاومة” أو بالأحرى “حماسيا أو قساميا”، وبالتالي هدفا مشروعا، وكثيرا ما يتعلل؛ من وراء إبادته الجماعية هذه؛ بأن “المهربين” يتخذون من المدنيين أذرعا بشرية واقية، وهي السردية التي تنوي إسرائيل استخدامها أمام محكمة لاهاي بتهمة إبادتها الجماعية لسكان غزة، ويزعمون بأن هناك صعوبة في التمييز بين رجال المقاومة والمدنيين، ما داموا جميعهم يرتدون لباسا مدنيا، فيختبؤون ويقاتلون ويتحركون بألبسة مدنية لا تحمل أي شارة عما إن كان أصحابها ينتمون إلى القسام أو حماس.
ظروف إنسانية أدنى من الحيوانية!
لا شك في أن إسرائيل؛ وأمام هول خسائرها؛ أصبحت ماضية في إفناء سكان غزة بكل الأسلحة المتاحة، بهدف التطهير العرقي والإجلاء القسري.. وفي آن واحد استنزاف قدرات المقاومة، مهما كلفها ذلك حتى ولو أتت جرافاتها وقنابلها على مقتل كل رهائنها لدى كتائب حماس. وتراهن في حربها الإبادية هذه على اجتثاث المقاومة والتخلص من أسلحتها وتهديداتها، بيد أن عقيدة المقاومة تظل سارية في دم كل فلسطيني رأى بأم عينيه اغتصاب أرضه ومقتل آبائه وأجداده.
وحري بالإشارة إلى أن مستقبل القضية الفلسطينية برمتها أصبح dترنح بين بنادق المقاومة والمناورات لإسرائيلية، وقد تفضي في نهاية المطاف إلى استنساخها بوجه مقنع، تجمع سلطتها بين الضفة والقطاع، ولكن تحت إشراف وإدارة إسرائيلية متخفية، لا تسمح بتداول لفظ “المقاومة” في قاموس أهالي فلسطين!