عبد اللطيف مجدوب
أمام تصميم المغرب على كسب رهان احتضان تظاهرتين رياضيتين كبيرتين، على المستوى القاري والعالمي، ينخرط حاليا في أوراش كبرى بمليارات الدراهم؛ تشتمل على تشييد القرى الرياضية الحاضنة والملاعب، وشبكة الطرق؛ السريعة منها والسككية، كما تمتد إلى تأهيل المرافق الاجتماعية والاقتصادية، في حرص اللجنة الوطنية العليا برئاسة السيد فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية؛ لتأخذ مواصفات أو بالأحرى معايير دولية.
وبموازاة مع هذه المشاريع الضخمة، اتجه اهتمام السلطات؛ في كل الجهات والأقاليم؛ بجمالية المدن والأزقة والأرصفة، فعمدت أخيرا إلى حظر ظاهرة “الفراشا” وأصحاب العربات من الباعة المتجولين، والحيلولة دون ازدحام الممرات بالسيارات والمشاة، وفي آن مكافحة الأبنية والمرافق العشوائية التي تزدان بها واجهات وأرصفة المقاهي والمطاعم والمتاجر، إلا أن التحدي الأكبر؛ إزاء كل هذه الأوراش الإنمائية والاقتصادية يكمن في العنصر البشري حاليا، ما إذا كانت عقليته وسلوكياته ستؤهله ليكون في مستوى فعاليات الأحداث المنتظرة.
وغني عن البيان أن هناك بونا شاسعا بين الثقافتين الإيبيرية والعربية (المغربية)؛ فالتظاهرات الرياضية التي تشهدها كل من اسبانيا والبرتغال؛ على مستوى الجماهير التي تحج إلى ميادينها؛ لا يمكن وجود تشابه بينها وبين ما يصحب مبارياتنا من عنف وشغب وأحيانا التخريب، وهي السمة التي تكاد تميزها وتلازمها، كما هو ملحوظ في دوري الفرق الرياضية، حتى إن العربات والحافلات تتحاشى الاقتراب من الملاعب الرياضية خشية أن يطالها الرشق بالحجارة أو إضرام النيران، على الرغم من الحزم الذي تبديه السلطات الأمنية لتأمين إجراء هذه المباريات. فالعنصر البشري؛ ومن خلال عدة مداخل، كالسياقة واستعمال المرافق العمومية؛ بات في حاجة ماسة إلى إعادة تأهيله التربوي وتخليق سلوكياته بصفة عامة، وإلا أضحت كل مساعي التهيئة والعمران لاحتضان فعاليات كبرى من حجم كأس افريقيا للأمم سنة 2025 ومونديال 2030 ضربا من العبث، إذا أبقينا على سلوكيات العنصر البشري كما هي الآن، والتي تتعامل بعدوانية مطلقة مع كل إصلاح.
وحتى نقرب القارئ من إدراك هذا التحدي الاجتماعي، نسوق في ما يلي أمثلة في شكل تساؤلات:
– هل بوسع مجتمعنا؛ في راهنيته وعلى ضفاف وأرصفة الطرقات؛ حسن استعمال أكشاك الشبابيك الأوتوماتيكية لأغراض سحب النقود أو إجراء مكالمة هاتفية، أو تقديم خدمة؟!
– نماذج السياقة بالمغرب تعكس؛ في أغلب الحالات؛ تهورا واستهتارا بقانون السير، فما العلاج؟
– مازالت رقمنة إدارتنا ومرافقنا محل تجاذبات، ولا يعقل أن نشاهد؛ منذ الآن ولغاية سنة 2030 طوابير تؤثث مرافقنا الإدارية والاجتماعية!
– مراقبة الأسعار والتشديد على عنصر الجودة مازالا لم يسلما بعد من “الشفاهي”!
– كيف يمكن لنا احتضان هذين الحدثين بالغي الأهمية، ونسبة كبيرة من الشعب %30 تعيش على الفتات؟!
ورقة اقتراحات
إسهاما في كسب هذا التحدي الرياضي/الاجتماعي؛ وعلى جميع الصعد؛ تجدر الإشارة إلى التركيز على العامل البشري، كرافعة للنهوض بكل الأوراش وإنمائها، وفي ما يلي مداخل لا بد من الوقوف عندها:
– التكثيف من مراكز التأهيل الاجتماعي، لصالح الأسر المغربية، لتلقي جرعات في التربية الأسرية؛
– إدماج مادة تعليمية في مناهجنا التربوية؛ داخل المدارس خاصة؛ تركز على حسن السلوك واحترام الآخرين، من خلال تقديم أشرطة فيديو هادفة؛
– تعزيز منظومة السير الطرقي بشبكة رادارات كآلية لرصد المخالفات في حينها، والقطع مع أسلوب ملاحقة وتجريد السائق من الوثائق؛
– رقمنة مرافقنا الإدارية والاجتماعية، بات أمرا ملحا، ولا يعقل أن يجد سائح نفسه عندنا داخل طابور انتظار أو “سير واجي؛
– مراقبة الأسواق والمسجلة منها خاصة، أصبحت ضرورة لا مندوحة عنها، من حيث عنصري الجودة والأسعار، حفاظا على القدرة الشرائية للمواطنين؛
– الترخيص لوجود أكشاك متنقلة أو قارة؛ وبمواصفات معينة؛ على الأرصفة وجنبات الطرقات والمنتزهات، لتقديم خدمات سريعة؛
– قضية الدعم المالي للأسر ذات الإمكانات المحدودة، من اللازم تفعيلها، وتخصيص منح للعاطلين، حتى لا تتحول شوارعنا مستقبلا إلى مرتع لقطاع الطرق والعتاة والمجرمين؛
– ظاهرة “الفراشا”، أو بالأحرى الاقتصاد غير المهيكل، فليس من التدبير السليم ولا من العدالة الاجتماعية مصادرة بضاعة الجوّالة والقذف بها إلى قارعة الطريق، فيجب؛ والحالة هذه؛ إيجاد أسواق “نموذجية” بمعايير وشروط صحية وأمنية، وعرضها أمام هؤلاء مقابل أداء رمزي مناسب؛
وسيكون المغرب مضطرا؛ على ضوء مناوشات الجار، وحرصا على استتباب الأمن؛ إلى تشكيل فرق أمنية متنقلة تحت اسم “الشرطة الأخلاقية” للتصدي لكل المواقف والسلوكيات التي من شأنها أن تعكر صفو مجريات الأحداث، داخل الميادين المحتضنة وخارجها.