ذ.عبد اللطيف مجدوب يكتب : مدنية المدينة.. بأي معنى؟

admin
كتاب واراء
admin2 سبتمبر 2024آخر تحديث : منذ 3 أسابيع
ذ.عبد اللطيف مجدوب يكتب : مدنية المدينة.. بأي معنى؟

عبد اللطيف مجدوب

جاء في مقدمة ابن خلدون أن “الإنسان اجتماعي بطبعه”، ما يعني أنه فطر على أن يعيش وسط الناس لا بعيدا عنهم. يمكن حمل هذه المقولة على صعيد النسبية، وليست المطلقة، فقد تنسحب على فئة بشرية، تصدر في قيمها وعاداتها وتقاليدها عن قناعات مشتركة، وللتدليل على هذا الانتماء الجماعي تكفي الإشارة إلى القبائل المغربية المتجاورة، والتي غالبا ما يجمعها هذا الانتماء في صور اللغة والعقيدة والموروث القبلي عموما، وهي تميل في تواصلها مع الآخر؛ كلما كان هذا الآخر متبنيا لنظم قيمها وعاداتها وحاضنا لها.

لكن نزوح القروي إلى المدينة، ومحاولة استيطانه بها لم يكن بالأمر الهين لاصطدامه بنظام وعادات وتقاليد؛ لم يألفها في قريته، فيضطر بحكم “غريزة البقاء” للتكيف مع أجوائها وأناسها، ما يحتم عليه امتلاكه لعدة أدوات، في مقدمتها اللغة الشفاهية، واستحضاره لعاداتها. كانت هذه الضرورة الاندماجية تشكل فارقا بين ثقافتين متنافرتين؛ ثقافة بسيطة مغلفة؛ في عمومها؛ بموروث شعبي قبلي، وثقافة مركبة مؤطرة بقوانين وأعراف؛ ومنفتحة على وسائل الحضارة والتمدن، فكان على الشخص القروي الوافد على المدينة؛ في بداية الستينيات؛ المكوث أربع إلى خمس سنوات ليتشرب عادات المدينة ومدنيتها، وقد ظلت “الهجرة القروية” خاضعة لهذه العملية السوسيولوجية الاندماجية مدة تنيف عن عشرين سنة، إلا أنها تفككت أوصالها، ولم تعد مرتبطة بالنموذج “المدني” الذي أخذ في الاندثار ويحل محلها النموذج القروي الذي طغى على جميع مرافق الحياة وحولها إلى شعبوية فجة، كما حول اللغة السائدة أو بالأحرى لغة التواصل اليومي إلى عامية هجينة؛ تستقي معظم تراكيبها وأمثالها ومرادفاتها من لغة مولّدة، جلها متداول داخل السجون وبين عتاة القوم، فيتوضح إذن أن السلوكيات العامة وأساليب التواصل الاجتماعي عموما بالكاد خالية من القيم التي تروج لها المناهج التعليمية والثقافة الأكاديمية، فنجد أستاذا؛ على سبيل المثال؛ يتبنى في تواصله العام أسلوب المخاتلة والانتهازية، والذي لا يمت بصلة إلى مؤهلاته المعرفية والأكاديمية.

نموذج لثقافة بدوية طاغية

نحاول؛ في ما يلي؛ استبيان فوارق شاسعة بين الثقافتين القروية والمدنية، يمكن التأشير عليها في المداخل التالية:

– السياقة في مفهومها لدى العامة احتيال وليست مجموعة قوانين وضوابط، ولا أدل على هذا من الاستهتار بالعلامات الطرقية؛

– ليست هناك حرمة متبقية لحقوق الجار، فلهذا الأخير أن يركض أو يدق أو يصخب، ولو في جوف الليل غير عابئ بالآخر!

– في الشواطئ، بسهولة يتضح السلوك المنافي للمدني، حينما لا يعي هذا الشخص أن الاستحمام واستعمال الشاطئ هو مرفق مشترك؛

– داخل المرافق العمومية؛ سواء داخل مقهى أو على متن قطار، أو في الأسواق، يصبح هذا الفضاء ملوثا، كل يعربد بهاتفه كيف يشاء، جهارا وبلغة مثيرة للغثيان!

– داخل الإدارة، يجد المرء المنحدر من البداوة صعوبة في الوقوف بالطابور وانتظار دوره؛

– عند استعمال المراحيض، فالأغلب لا يحسن استعمالها، مهما توفرت أدوات النظافة.

الثقافة القروية/البدوية تجتاح أوروبا

هذه الظاهرة؛ “طغيان القروي على المدني” لم تبق محصورة داخل المدن، بل تجاوزتها إلى بلدان وراء البحار، وتحديدا في دول أوروبا الغربية، حيث نجد بالكاد مناطق سكنية “غيطوهات” يأويها العنصر العربي الوافد من دول شمال إفريقيا، وهي تعرف تكتلات لأنماط اجتماعية معينة؛ قروية في ثقافتها وعاداتها، بشكل يصعب معها الاندماج في ثقافة الدول الحاضنة؛ بالمفهوم الواسع للثقافة؛ إلا من خلال أداة اللغة التي يستمد منها المهاجر فقط أسلوب التواصل، والذي لا يعني تشربه لكل حمولاتها الثقافية والحضارية.

اليمين المتطرف وتشدده وظاهرة “الأوروبية Europeanism”

يمكن القول بأن هذا التيار كان؛ في نشوئه وتطوره؛ ثمرة كراهية الأجنبي أو الدخيل، والذي أصبح يراه قنبلة موقوتة؛ تهدد كيانه، وتسعى إلى تدجين ثقافته الأصيلة، ومن ثم دعوته جهارا؛ ضمن مطالبه السياسوية والانتخابية خاصة؛ إلى دحر الأجنبي الدخيل، والتخلص من كل الأقليات الإثنية التي تستوطن أرضه.

ظاهرة الأوروبية “Europeanism” تعني “نزعة أوروبية لتعزيز القارة الأوروبية سياسيا واقتصاديا وثقافيا”، لكنها انزاحت إلى تيار أشد تطرفا، حينما أصبحت تنادي بمعاداة الأجنبي والدخيل، وهو مرادف لكلمة “Xenophobia” والتي تتوافق كليا مع “العنصرية أو رُهاب الأجانب، وإضمار الكراهية للمهاجرين”، وهو خوف يتجذر في العديد من العوامل بما في ذلك المجهول والتنافس على الموارد والتغيير الذي قد يقود إلى الاستعمار المقنع.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.