ما الذي ستفعله البوليساريو غدا؟

admin
كتاب واراء
admin24 أبريل 2025آخر تحديث : منذ 3 أيام
ما الذي ستفعله البوليساريو غدا؟
  • نزار بولحية

هل ستضطر للقبول بالحكم الذاتي للصحراء؟ أم أنها ستتمسك بسياسة «الكل أو لا شيء»، ولن تتراجع وتحت أي ظرف عن المطالبة بإقامة كيان صحراوي منفصل عن المغرب؟ من الواضح أن الاهتمام الأخير بالملف الصحراوي، جعل كثيرا من الأنظار تتجه نحوها. فهل تفكر الجبهة التي حملت السلاح قبل خمسين عاما وقاتلت الإسبان ثم المغاربة، في مستقبلها؟ وهل يحمل قادتها الذين ينتسب معظمهم إلى أجيال عاصرت حقبة الحرب الباردة والصراع بين الشرق والغرب، تصورا واضحا ودقيقا عن المرحلة المقبلة؟ وهل يملكون خططا تجعلهم قادرين على مواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية والتعامل معها بالشكل المناسب والمطلوب؟ ربما تظل الطريقة التي سيجابهون بها التحديات التي تنتظرهم في غضون الشهور الثلاثة المقبلة، وسط كل تلك الأسئلة أكبر علامة استفهام.
الجمعة الماضية ظهر ما قد يبدو بعض ملامح الجواب عن بعضها، على الأقل، من خلال ما بدت وكأنها ردة فعل أولية من جانب البوليساريو، على التسريبات التي نشرت مؤخرا حول الإحاطة، التي قدمها الاثنين قبل الماضي المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء في مجلس الأمن الدولي، وتوقف فيها عند زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في الثامن من الشهر الجاري إلى أمريكا، ولقائه مع نظيره ماركو روبيو، الذي جدد التأكيد في ذلك الاجتماع على دعم واشنطن لفكرة الحكم الذاتي للصحراء، واعتبرها مقترحا جادا، مشددا على أن الحل يجب أن يكون متوافقا عليه، ومؤكدا التزام الإدارة الأمريكية بالانخراط الفعال لتسيير التوصل إلى اتفاق نهائي.

وفي تلك الإحاطة ركز ستيفان دي مستورا، وعلى ذلك المستوى بالذات، على أن الرسائل الأمريكية الأخيرة حملت ثلاث إشارات رئيسية أولاها، أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية يجب أن تفصّل بشكل أكبر لتوضيح نطاق الصلاحيات، التي ستمنح للجهة المعنية بالحكم الذاتي، بينما أكدت الرسالة الثانية، أهمية التفاوض الفعلي بين الأطراف بما يستوجب توفير آلية موثوقة لتقرير المصير، وأشارت الرسالة الثالثة وهي الأكثر أهمية من وجهة نظره، إلى عزم الولايات المتحدة الأمريكية الانخراط المباشر لدفع الحل. وكما كان منتظرا لم تحمل ردة فعل البوليساريو على تلك الإحاطة أي جديد، ولم تصدر عنها بالتالي مواقف أو تصريحات توحي بحدوث تحول جذري في الخطاب، الذي ظلت الجبهة تردده على مدى عدة عقود. فقد اكتفى زعيمها إبراهيم غالي وفي كلمة ألقاها أمام أنصاره بالقول، «كل الحلول التي تحاول القفز» على ما وصفها بـ»حقوق الشعب الصحراوي غير القابلة للتصرف، أو التقادم في تقرير المصير والاستقلال، لن يكتب لها النجاح مهما كثرت المؤامرات والمغالطات التي ترافقها»، على حد تعبيره. وكان واضحا أن المقصود بذلك هو مقترح الحكم الذاتي الذي عرضه المغاربة منذ ما يقرب العشرين عاما، كحل نهائي وتوافقي لما ظلوا يصفونه بالنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، لكن هل يمكن اعتبار مثل ذلك الرد بمثابة الجواب القطعي والنهائي الذي لا رجعة فيه؟ أم أنه يمكن أن يكون، في الوقت الذي لم يبدأ فيه التفاوض حول ذلك المقترح بعد، نوعا من التشدد التكتيكي والظرفي، بهدف توفير فرص أكبر لنيل مكاسب، أو تنازلات من الطرف المقابل؟ وبشكل دقيق أكثر هل ترفض البوليساريو الحكم الذاتي للصحراء بالمطلق؟ أم أنها لا تقبل به الآن لأنها لا تعرف إن كان سيكون مفيدا لها أم لا، والأهم من ذلك ليست واثقة من الدور الذي قد تضطلع به في حال ما إذا تم تنفيذه على أرض الواقع؟ لكن من قال إن كل الصحراويين قد يوافقونها على ذلك الموقف، أو أنهم يمكن أن يهتموا بمصيرها ومصير قادتها في المرحلة المقبلة؟
لعل البعض يقول، إن الجبهة ما زالت تضع نصب عينيها هدفا واحدا وهو، ما تسميه الاستقلال، أي انفصال الصحراء عن المغرب، وإنها لو كانت ستقبل بحل آخر غير ذلك لما طال النزاع كل هذه المدة، وامتد لنصف قرن. لكن هل تملك البوليساريو حقا حرية التصرف في قرارها؟ وهل إنها يمكن أن تتحرك اليوم بمعزل عن التأثيرات والضغوطات التي قد تمارس عليها من أقرب حامية وراعية لها أي الجزائر؟ ليس سرا أن الأخيرة هي التي تمدها تقريبا بكل شيء من كسرة الخبز إلى المدفع الرشاش. ومع أنها دائما ما تقول إنها ليست طرفا في النزاع، وإنه لا أطماع لها في الصحراء، وإنها ستقبل حتما بما يقبل به الصحراويون حتى لو كان الحكم الذاتي، إلا أنه يبدو صعبا جدا على الجبهة أن تأخذ أي قرار، دون أن تتأكد من أنه سيكون منسجما تماما ومتوافقا مع التوجهات التي وضعتها القيادة الجزائرية. وفي هذه الحالة فإنه لا يمكن لأحد أن يتخيل أن قادة البوليساريو سوف يقدمون مثلا بشكل منفرد وبمحض إرادتهم، وبعيدا عن أي تدخل خارجي على الإعلان عن قبول التفاوض على مقترح الحكم الذاتي للصحراء، دون أن يحصلوا على ضوء أخضر من الجزائر بذلك.
ومن الواضح هنا أن المبعوث الأممي للصحراء كان يدرك ذلك جيدا، حين أشار في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، ولو ضمنا إلى ذلك الارتباط، واعتبر أن «تحسن العلاقات الجزائرية المغربية يعد شرطا ضروريا لتفادي خطر صراع إقليمي بالنظر إلى التوترات القائمة، وهو أمر وثيق الصلة بالبيئة السياسية والأمنية التي تحاول الأمم المتحدة أن تهيئها لدفع مسار التسوية». فليس هناك أدنى شك في أن هناك صلة قوية بين الأمرين وأن أي اتفاق بين المغرب والبوليساريو لا يمكنه أن يمر دون أن يكون مسبوقا باتفاق آخر مغربي جزائري. وإعلان مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون افريقيا والشرق الأوسط مسعد بولص في مقابلة تلفزيونية، بثت الجمعة الماضي على قناة «الحدث» عن اعتزامه القيام قريبا بزيارة إلى المغرب والجزائر لبحث المشكل الصحراوي، يدل على أن مفاتيح الحل النهائي للنزاع تبقى بيدي الرباط والجزائر، وبالتالي فإن البوليساريو ستجد نفسها مضطرة في الأخير للقبول بالنتيجة التي قد يفضي إليها أي حوار بين الطرفين حتى لو جاءت مخالفة لمواقفها المعروفة، لكن هل يمكن للجبهة أن تعرقل أي مسعى لحدوث توافق بين الجارتين المغاربيتين على ملف الصحراء؟ وهل من الوارد مثلا وفي حال نجاح الوساطة الأمريكية بينهما، أن تتمرد وتعلن عدم التزامها بما قد يتفق عليه المغاربة والجزائريون؟ بمنطق الإدارة الأمريكية الحالية فإن التسوية المقبلة هي صفقة قد تنهي نزاعا عمره نصف قرن، وتعيد العلاقات الجزائرية المغربية إلى طبيعتها وتكرس النفوذ الأمريكي في منطقة باتت تستقطب قوى إقليمية ودولية عديدة. فإن كسبها المغرب بحصوله على اعتراف أممي بمغربية الصحراء، وخرجت منها الجزائر بضمانات أمنية مهمة، وحازت مثلا منفذا على الأطلسي. فماذا بقى بعدها للبوليساريو؟ هذا ما ينبغي على قادتها التفكير فيه الآن بعمق.
*كاتب وصحافي من تونس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.