مريم مشتاوي
انتشرت في
الأيام الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي أغنية مغربية تحكي قصة شعب يتألم بل
قصة شعوب تتألم. فما من عربي يسمعها إلا وسيشعر، بطريقة أو بأخرى، أنها تلامس جرحه
أو جرح أوطان مجاورة.
إنها أغنية صدحت بها جماهير اتحاد طنجة بعد هزيمتهم أمام «الفتح» الرباطي، وكان
ذلك في دوري المحترفين قبل أسبوعين.
وحسب ما نقلته قناة «بي بي سي» عربي في برنامج «تريندينغ» فإن هذه الأغنية ليست
جديدة، وإنما انتشرت مؤخراً بشكل كبير، وقد أعدها فريق ألتراس هيركوليس، وهي جمعية
اتحاد طنجة في شهر مايو/ أيار الماضي، لتصبح رمزاً لهذا الفريق.
لقد لاقت هذه الأغنية رواجاً كبيراً بين الشباب، لأنها تنطق بلسان حالهم.
إنها قصة هجرة وعذاب وفراق. قصة بطالة وجوع وفساد وأزمات اقتصادية، بطلها شعب يحلم
بمستقبل أفضل، ولكن النهاية غالباً ما تأتي ملتحفة بالموت.
أما عن كلمات الأغنية فتقول:
بوركي هاد البلاد
هجروا منك الولاد
اللي وصلوا واللي مات
هادي العيشة نكره
هي أسباب الهجرة
مبروك لبلاد خوات
لا صحة لا تعليم
الرشوة والفساد
أي لمن هذه البلاد؟ لقد هجروا منها الأولاد. منهم من وصل ومنهم من مات. هذه العيشة
الكريهة هي سبب الهجرة. مبروك لبلاد خلت من شعبها. فلا صحة ولا تعليم إنما هناك
رشوة وفساد.
هكذا بعد خسارة اتحاد طنجة اهتزت المدرجات بجمهور يردد تلك الكلمات، التي تعكس
حقيقة الهجرة السرية، وذلك الكم من القهر، الذي تعتصر به القلوب الشابة وأجواء
الفساد التي تعبق بها المدن والحرمان الكبير الذي يعاني منه الكثيرون في المغرب.
وقد تحدثت «بي بي سي» مع أعضاء الألتراس لمعرفة المزيد حول هذه الأغنية فجاء الرد
على الشكل التالي: لقد ذاع صيت هذه الأغنية بسبب قوة كلماتها، التي توضح مشكلة
الفقر والحرمان والطفولة والبطالة والفساد في أجهزة الدولة ومختلف الأزمات
الاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي.
وأضافوا أن الإعلام المحلي لا يولي الاهتمام الكافي لهذه القضايا، وأنهم لا يرغبون
في الشهرة بقدر ما يهدفون لتوعية الجماهير بهذه الأزمات، التي تعاني منها مدينة
طنجة، منها مشكلة الانتشار الواسع والخطير للمخدرات وخاصة الهيروين.
ها هو جمهور طنجة يرفع بأغنيته المدرجات عالياً فيلامس وجعه السماء وتمطر كلماته
لآلئ ونوراً عبر القارات. فيشتعل الشباب العرب حول العالم حماساً مرددين تلك
الأغنية، رغم صعوبة اللهجة المغربية. ولكن اللهجات كلها تتوحد أمام الموت.
ولأنها كلمات صادقة وشفافة اهتزت لها القلوب على اختلاف جنسياتها.
متى نستريح؟ لقد أتعبتنا قصص الهجرة لما تحمله من عذاب، وأنهكتنا قصص الموت في
البحار. تعبنا. نعم تعبنا. وإذا استمر وضعنا البائس هل سيبقى في البلاد أحد سوى
حكامها؟
لبنان ينتظر ثورة الجوع
من قال إن الوضع في لبنان أفضل حالاً من الوضع في المغرب؟
لقد خرجت مؤخراً مظاهرات بالمئات من مناطق لبنانية عدة. كلها تحتج على الفساد والوضع المعيشي المزري.
وحسب ما نقلته الوكالة الوطنية للإعلام فإن مجموعات كبيرة من المتظاهرين سارت من ساحة «رياض الصلح» إلى جسر «الرينغ». حاول المعتصمون إشعال الدواليب احتجاجاً وغضباً، إلا أن عناصر من الجيش تدخلت ومنعتهم من ذلك.
لقد رفعت اليافطات في وسط العاصمة بيروت، حيث كان التجمع الأكبر للمواطنين، كلها تندد بالحالة التي وصل إليها البلد.
وتساءل المتظاهرون: «أين العهود فالشعب لا يراها».
وكما رددت المدارج الأغنية المغربية، ارتفعت في ساحة بيروت كلمات أغنية زكي نصيف «راجع راجع يتعمر راجع لبنان»، بشكل معكوس لتستحيل بفعل القهر والحرمان «راجع لورا راجع لبنان».
وجوه غاضبة وأخرى حزينة احتشدت لترفع أياديها عالياً وتصرخ: كفى استهتاراً بمصائر شعب لا مطالب له سوى حياة كريمة في بلد سوي.
في الحقيقة هذه ليست مطالب الشعب اللبناني فحسب، وإنما مطالب الشعوب العربية كلها! فالمظاهرات تنتقل من عاصمة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، وكلها تطالب بالحد من الفساد وتحسين مستوى المعيشة التي لا تطاق.
وكأن شعباً يلهم شعباً آخر. وكأن شعباً يمسك بأيادي شعب آخر لينهض من سباته فتكبر الدائرة وتتماسك بقوة. فتنتقل الشعلة من يد إلى أخرى لتنهض الشعوب مع بعضها البعض مرة واحدة.
هكذا بدأت المظاهرات في الخرطوم، مروراً بالجزائر فالقاهرة وصولاً إلى بيروت والعراق والحبل على الجرار.
لقد طفح الكيل، وما عدنا نحتمل الظلم والفقر والجوع والتشرد.
ولكن هل سيغير الزلزال المتمدد خريطة المنطقة الثائرة؟
وهل سيتعظ الحكام من مصائر من سبقوهم فيرضخوا لإرادة شعوبهم قبل فوات الأون؟
*كاتبة لبنانية
“القدس العربي “