أحمد عصيد
أصبح شيوع الصورة واختراقها كل الفضاءات بدون تحفظ موضع اهتمام متزايد في المجالس الخاصة وكذا في النقاش العمومي بالمغرب، فالتطور التكنولوجي الكبير للسنوات الأخيرة ـ خاصة في صناعة الهواتف الذكية ـ أفضى إلى واقع جعل كل المواطنين بمن فيهم الأطفال مصورين لمشاهد وموثقين لأحداث، وقد أدى هذا إلى صنع واقع جديد يتصف بـ :
1) انهدام الحواجز بين الحياة الخاصة والعامة، حيث لم يعد الناس قادرين على تحديد معنى الفضاء العام ومعنى الفضاء الخاص في كثير من الأحيان، بسبب تداخلهما في وسائل التواصل الحديثة.
2) تزايد الرغبة في تصيّد المشاهد المثيرة، إما بغرض انتقامي أو من أجل الابتزاز أو فقط لاستقطاب الاهتمام. وهكذا تمّ تحويل وظيفة الاختراع التكنولوجي من الانتفاع إلى إلحاق الأذى بالآخرين.
3) تراجع الحسّ الإنساني بسبب البحث عن الإثارة وعدم التفكير في الضحايا من المواطنين، إلى درجة أن تصوير مشهد انتحار أو عنف وحشي أو تصريح شخص في حالة سكر أصبح أمرا مطلوبا لذاته عوض التفكير في مصير الشخص.
وتعكس هذه الظاهرة صورة مجتمع يعاني من تأخر تاريخي، ويعيش على التستر على طابوهاته، حيث تصبح النزعة الفضائحية نوعا من استعراض المستور بوصفه عيوبا ومثالب خاصة بالآخرين . وهي طريقة تعويض نفسية تهدف من خلال تلطيخ سمعة الغير إلى ادعاء الطهرية والكمال، ولكن أيضا محاولة ردع أية إثارة للمحرّم والمسكوت عنه.
إضافة إلى ما ذكرناه تعكس ظاهرة العكوف على تصيّد المشاهد المثيرة وترويجها على أنها فضائح الآخرين، تعكس فراغا ثقافيا رهيبا أدى إليه شيوع ذهنية التنميط المضادة للمعرفة والشفافية والفكر الحي والنقدي، وكذا شيوع قيم المجتمع الاستهلاكي الليبرالي المتوحش، فعوض أن يبتّ المجتمع في عيوبه يجعل منها مناطق مسيّجة خارج متناول النقاش العمومي، ويفضل اعتماد المواقف السكيزوفرينية التي تنتهي بأن تشيع سلوكات النفاق الاجتماعي العائد أصلا إلى عدم الاعتراف بالفرد وبحقوقه وحرياته الأساسية. ونتيجة ذلك أن الناس لا يفهمون كيف تطورت الكثير من جوانب واقعهم، وكيف أنتجت ظواهر جديدة يعيشها الناس دون أن يفكروا فيها. حيث لا ينتبهون إلى أنّ في ما وراء القشرة الخارجية للواقع، تقع تحولات وطفرات لا يشعر بها إلا الباحثون والخبراء المتابعين للظواهر الاجتماعية، بينما لا يشعر بها معظم الناس.
لقد آن الأوان لطرح موضوع الصورة والحياة الخاصة على مشرحة النقاش العمومي والنقد المؤسس، خاصة بعد أن صارت الصورة في المجالس الخاصة تتسبب في متابعة قضائية للأفراد الذين لم يكن في نيتهم إخراج تفاصيل حياتهم الخاصة إلى المجتمع والفضاء العام، فنحن اليوم أمام متابعة فنان مغربي بسبب كلام تلفظ به في جلسة حميمية مع أصدقائه، بينما النهج الصحيح هو متابعة الشخص الذي قام بتصوريه وترويج كلامه الذي لا يمكن للفنان ذاته أن يقوله في الفضاء العام، لأنه يتعلق بقناعات شخصية ليس لا من حق السلطة ولا المجتمع التدخل فيها.
فمن الناحية القانونية يعتبر الدستور أن حماية الحياة الخاصة واجب الدولة، غير أن القانون الجنائي يهدم هذه القاعدة، ويبيح للسلطة نفسها حشر أنفها في الحياة الخاصة للأفراد حتى وهم في منازلهم، ما يعني أن علينا أن نبدأ بالترسانة القانونية أولا لتطهيرها من التناقضات، ثم العمل على التحسيس والتوعية بضرورة احترام الحياة الخاصة للأفراد، والتنصيص المفصل في القانون على تجريم استغلال وسائل التكنولوجيا الحديثة في الإيقاع بالناس أو إيذائهم.
لقد وقفنا جميعا ضدّ مشروع قانون 22.20 الذي ينتهك الحق في التعبير والتموقف، لكن هذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى مواجهة سلبيات وتجاوزات توظيف قنوات التواصل الاجتماعي، الذي يحولها من أداة للتعبير عن الرأي إلى وسيلة لانتهاك حقوق الغير أو لإشاعة الكراهية والعنف.