عبد اللطيف مجدوب
كورونا يغادرنا ملوحا (اسبحوا في بحوركم)!
عاشت البشرية؛ منذ استهلال السنة الميلادية 2020 وما زالت حتى الآن؛ تحت رحمة عدو غادر، لا هو بأسراب طائرات مقنبلة فوق رؤوسنا، ولا هو بحمم بركانية ثائرة، بل هو جائحة تسير بين الناس؛ أيا وأينما كانوا، يفاجئهم في الهواء كما يفاجئهم في المحيطات والمدن والأسواق والتجمعات، ليست له ظلال ولا أذرع حتى يقطع الإنسان دابره.. بل هو عبارة عن فيروس خبيث بمخالب ورؤوس مدببة، يتشكل في هيئة أجسام تبعا لكل بيئة حل بها ليغزوها، ولا يُرى سوى تحت عدسات مجهرية إلكترونية عالية الدقة!
كانت لمفاجأته الإنسان تداعيات كارثية، سواء في شل حركة الاقتصاد العالمي أو تعطيل حركية الإنسان عموما، في البر كما في الجو والبحر.. لم يكن أمام الإنسان بد من أن يفر من أمام غزواته القاتلة، ويلوذ بالحجر الصحي، ويدع جانبا كل مصالحه وحساباته وارتباطاته بالآخرين.
مغادرة الحجر الصحي ولكن!
كانت منظمة الصحة العالمية WHO قد أوصت؛ من ضمن جملة التدابير الاحترازية للوقاية من الفيروس؛ بالالتزام بالحجر الصحي وملازمة الدور والمنازل والمخابئ إلى حين.. إلا أن هذا الحجر الصحي؛ من جانبه الخفي المظلم؛ ولّد بين الأسر والأقارب والجيران.. ضغوطات نفسية وكشف عن ظواهر سلوكية مرضية، كما فجر داخل النفوس عدوانية مقيتة، كثيرا ما تحولت إلى عنف صريح بشكليه المادي والمعنوي، هذا عدا صور الانكشافات والافتضاحات الصادرة من الآباء والأمهات والأبناء. ولا غرو أن الحجر الصحي بهذه الخلفية؛ لن يمر بسلام دون أن تعقبه مساءلات ومطارحات وحسابات وانتقامات.
أما بالنسبة للمرافق والمؤسسات العمومية فستعيد نظرها حتما في كل صلاتها بالمواطنين، إما بإعادة جدولة الديون أو المطالبة بالتعويض عن الخسائر التي لحقتها جراء الجائحة الكورونية.
كما سيكون على أرباب المعامل إعادة بناء هيكلاتهم من جديد وتخلصهم من اليد العاملة والبحث عن سيولة مالية جديدة إلى حين استعادة عافيتهم.
أما قطاع التعليم فستظل استراتيجيته المعتمدة في “التعلم عن بعد” غير ذات جدوى، إن لم تبادر الوزارة إلى تجديد أطرها وإخضاعها لتكوينات خاصة بالأوقات والظروف الطارئة، كالمرض وتعذر وجود قاعات الدرس أو الأطر التربوية.
أوروبا وأمريكا وآسيا بعد زمن كورونا
حري بنا التوقف عند الأرقام المهولة التي حصدها العدو الكوروني الغاشم؛ منذ أربعة أشهر بالتقريب وتبعا لآخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية، والتي بلغت عدد حالات المصابين المؤكدة ما يناهز 2,500,000 المليونين ونصف المليون شخص، أما الوفيات فقد قاربت رقم 150,000 شخص، كما أن الوباء تركزت ضحاياه بصورة ملفتة في كل من أوروبا وأمريكا، ربما لعاملين أساسين: التأخر في الحجر الصحي وعامل الشيخوخة. هذه الأرقام لا يمكن نسيانها فستظل صورها البعبع المخيف المهيمنة على العقل البشري في توقعاته ومخططاته المستقبلية، كما سترفع من منسوب أداء مؤسسات وشركات التأمين الصحي.
وقد شرعت أمريكا بتوجيه أصابع الاتهام للمنظمة الصحية بالتقصير في القيام بمهامها، محملة إياها مسؤولية هذه الإبادة البشرية المرعبة، وكأنها جريمة في حق الإنسانية لا تغتفر. وكانت من أولى ردود فعلها تجاه أرقام الضحايا الأمريكيين سحب تمويلها المالي للمنظمة والذي يناهز 30% من ميزانيتها العامة.
كما أن الأمم المتحدة؛ وعلى لسان أمينها العام؛ بدأت تلوح بإجراء تحقيق عن مصدر الوباء وكيف تم تفشيه حتى عم كل بلدان العالم، علما أن الصين ـ وحتى الآن ـ ما زال موقفها لم يبارح التشكيك في جهات ذات صلة بوكالة المخابرات المركزية CIA التي كانت وراء تركيب غاز السار Sarre في أحد المختبرات السرية تحت أرضية بأفغانستان.
لكن؛ في ما يبدو وعلى ضوء سياسة العلاقات الدولية التي ينتهجها حاليا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بلجوئه إلى سياسة الضغوطات وفرض العقوبات الاقتصادية؛ ستكون دول الخليج العربي المنتجة للبترول هي الضحية الأولى والبقرة الحلوب لتدفع فواتير الخسارات الاقتصادية التي منيت بها أكبر الشركات ومؤسسات الطاقة والمال في العالم.