عبد اللطيف مجدوب
مقتل الشاب
تشهد بعض الشوارع الفرنسية، وانطلاقا من نانتير كمركز لها، موجات احتجاجات غاضبة، وأحيانا مصحوبة بأعمال شغب وعنف، وإضرام نيران.. جاءت كرد فعل مباشر لمقتل الشاب ناهيل NAHEL على يد شرطي فرنسي؛ اختلفت الروايات بشأن إطلاق الرصاص عليه في إحدى نقاط اشارات المرور، بعد “أن لم يمتثل لأوامر الشرطي..”.
وقد خلف الحادث ردود أفعال رسمية متناغمة مع الاستنكارات الشعبية؛ على رأسها تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون؛ وكعادته أمام لهيب غضب الشارع؛ قال “لا يمكن تفسير ما حدث”.. “ولا يغتفر” مضيفا بأن القضية “حركت الأمة بأكملها..”، أما وزيره في الداخلية فقد أكد أن عمل الشرطة “غير مقبول”، كما كان للاعب الدولي الفرنسي مبابي موقفا مشاطرا لآلام أسرة الضحية “أنا أتألم من أجل فرنسا، وضع غير مقبول، كل أفكاري تذهب إلى عائلة ناهيل وأحبائهم.. هذا الملاك الصغير ذهب في وقت قريب جدا..”.
ولنا في هذه الجموع التي اجتاحت الشوارع الفرنسية، وبهذا الحجم (عشرات الآلاف من المتظاهرين) مؤشر على عمق الحدث وأنه لم يكن ليقف فحسب عند مقتل الشاب ناهيل من ذوي الأصول العربية، بل امتد ليعبر عن غضبه الشديد حول مقتل آخرين من قبل، كما وثقته بعض الوسائط الرقمية، حيث تجاوز العدد مقتل 13 شخصا على يد الشرطة الفرنسية، وبالأسلوب نفسه، ما يطرح تساؤلات عديدة حول منظومة الأمن الفرنسي نفسها، والصلاحيات التي خولها لها القانون، والحالات التي يسمح فيها للشرطي استعمال سلاحه الوظيفي.
وكما يعلم الرأي العام الفرنسي أن حوادث إرهابية عديدة؛ كانت فرنسا مسرحا لها على امتداد السبع سنوات الأخيرة، أعقبتها أو خالطتها أحيانا مظاهرات ذوي الوزرات الصفر، ثم اقترنت لاحقا بموجة عارمة من الاحتجاجات حول رفض تمديد سن التقاعد إلى 64 سنة.
كراهية الدخيل!
هذه الضغوطات الاجتماعية ؛ وبالنظر إلى أبعادها الأمنية الخطيرة؛ دفعت بالسلطات الفرنسية إلى تقوية أجهزتها الأمنية ومنحها مزيدا من الصلاحيات؛ قد لا يكون الشارع الفرنسي على علم بها، هذا فضلا عن تعاظم شوكة جناح اليمين المتطرف بأوروبا وخاصة في فرنسا، الذي يضع من أولوياته تصفية “الجنس الدخيل”، أو بالأحرى طرده من الديار الفرنسية، والشرطي أو رجل الأمن الفرنسي عموما، وسط هذا المناخ السياسي الاجتماعي الملتهب؛ والذي ذهب ضحيته رجال أمن عديدون؛ بدأ الشعور بالكراهية والحس العدواني يدب إلى كيانه، ويستشعره أكثر فأكثر كلما لمح؛ عن قرب أو في عمله الميداني؛ سحنة شخص ضاربة إلى الألوان المشرقية أو الإفريقية، فلا يتردد ساعتها في إشهار سلاحه الوظيفي، فالخلل متعدد الواجهات، أوروبا كثقافة وما تحتضنها من جاليات وثقافات متعددة الجذور، ناهيك عن منظومتيها الأمنية والسياسية معا.