عبد اللطيف مجدوب
طفا إلى العلن، في الآونة الأخيرة، الحديث عن حقوق المرأة في التشريع الإسلامي، ما إن كان قد أنصفها أم لا؛ والواقع، كما تشهد به الأحداث والحوادث المتوالية، أنها تعتبر أحد المنافذ الرئيسة التي وجدت فيها عقيدة الإسلاموفوبيا مجالها الخصب في كيل الطعون والانتقادات المجانية للإسلام. ويتعلق الأمر هنا طبعا بقضية الميراث ونصيب الأنثى منه، ونسبة الذكر للأنثى.
سنحاول مقاربة الموضوع ووضعه في إطاره السوسيولوجي، وفي آن واحد، سننأى بنظرتنا إلى حين عن النصوص الدينية المؤطرة له. فواقعنا الاجتماعي، وبكل حمولته الاقتصادية، مازال يعيش في معظمه بقيم (الأبوسية) أو بالأحرى “الذكورية”، التي لها الهيمنة شبه المطلقة، بموجب رواسب دينية واجتماعية، على مسار الأحداث من أفراد الأسرة.
بيد أن تقنية التواصل الحديثة وغزوها كل المجتمعات والبيوت كان لها الصدى الكبير في البحث عن الانعتاق والتحرر والانفتاح، وفي آن الدعوة إلى “تحرر” المرأة وانعتاقها من أغلال “التقاليد البالية” التي ظلت مقيدة بها لقرون. وهكذا، وتبعا لكرونولوجيا حقوق المرأة، خرجت المرأة لتعانق الحياة جنبا إلى جنب مع الرجل، لها ما للرجل، في الواجبات والحقوق المدنية والاجتماعية، بل حتى جوانب هامة من الضوابط الشرعية الدينية التي كانت عالقة بالتشريع المغربي، ومنها قضايا الزواج والطلاق… التي داخلتها عناصر جديدة، منتصرة لحقوق المرأة، كحقها الاستشاري في الزواج والطلاق وصيانة نفقتها.
وفي محاولة عقد مقارنة بين نصيب المرأة في المجتمع الإسلامي وبين نصيبها في المجتمع المدني الحالي، جاز لنا القول إن التشريع الإسلامي ونصه على {حظ الذكر مثل حظ الأنثيين} انطلق أولا من الكفالة والعلاقة الدموية التي تجمع الأنثى بإخوانها الذكور، ما سيحول دون ضياع حق أختهم واضطرارها للخروج والبحث عن الإنفاق عليها، بخلاف راهنيتها اليوم، والتي منحتها امتيازات الشغل والتوظيف والتساوي في الحقوق المدنية مع الرجل. بيد أن اللحمة العائلية ضعفت عما كانت عليه، ولم يعد الأخ يكفل أخته إلا بنسبة جد ضعيفة، ما جعل الآباء مضطرين إلى تجاوز النص القرآني، ضمن حالات استثنائية آخذة في التكاثر والتعاظم في ركاب المجتمعات العربية الحالية، تقضي الواحدة منها بتدخل الأب، من خلال وصية مباشرة أو عدلية مكتوبة أو شفاهية، يخصص لابنته (بالمفرد أو الجمع) حصة ميراثية لا تساير المنصوص القرآني؛ وذلك لتأمين حاجياتها والحيلولة دون أن تمتد إليها أنياب العالة والفقر.. فمنهم من يخشى على مستقبل بناته أكثر من خشيته على مستقبل أبنائه، فيعمدون، في حياتهم، إلى تقسيم التركة، ومحاولة إجراء توافق بين الذكور والإناث، وأحيانا باتفاق وتراض يشمل كافة أفراد الأسرة، بمن فيها الأم إن كانت على قيد الحياة.
وبالتالي “فتأنيث الفقر” فيه مزايدة والضرب بعرض الحائط لقاعدة تشريعية هامة في المواريث، لا يجوز إقصاؤها، لكن وبدلا من ذلك يجوز للأب (رب الأسرة) تعديلها بتوافق وتراضي الجميع، أما إن كانت تعني هضم أو تهميش حقوق المرأة في الشغل فهي قضية ديموغرافية بالدرجة الأولى، وثقافة، ولو أنها آيلة إلى الانحسار.