الأستاذ عبداللطيف مجدوب يكتب: الصدقة و”تقنين” التبرع في زمن آيل إلى الشدائد..

admin
كتاب واراء
admin4 يونيو 2022آخر تحديث : منذ سنتين
الأستاذ عبداللطيف مجدوب يكتب: الصدقة و”تقنين” التبرع في زمن آيل إلى الشدائد..

عبد اللطيف مجدوب

امتهان التسول بصور مقرفة

منذ ثلاث سنوات ونيف؛ والعالم على أبواب الزائر كوفيد-19؛ كان التسول أبرز الظواهر التي يشهدها شارعنا المغربي، يستلفت الانتباه أنى ذهبت وحللت؛ عند مداخل المقاهي والمطاعم والعيادات ومحطات النقل.. بينما اليوم؛ ومن خلال المناخ السياسي الدولي المطبوع بالتوتر الاقتصادي، أصبحنا نعيش بعض تداعياته الأولية التي طالت مستويات العيش، جراء ارتفاع الأسعار وندرة المواد ما رفع من منسوب القلق واستشعار مستقبل أمن غذائي مظلم، قد تجتاحه المجاعة في كل وقت وحين.

هذا المناخ الحالك وجدته شريحة واسعة من المغاربة فرصة لامتهان وبشكل رسمي الاستعطاء ومد اليد، يخال المرء؛ وهو يشق طريقه بالشارع وسط هذه الجموع، وكأن الجميع فقراء ومساكين وناس “غلابا”، حتى ليحار المتصدق وذووا الأريحية في اليد التي “تستحق” الصدقة والإحسان إلى صاحبها، كما يقدم هذا المشهد للزائر أيا كان صورة بشعة، وكأن المغرب بلد المجاعة وانعدام فرص الشغل، صور دراماتيكية؛ امرأة تنشر فخذيها في الشارع محتضنة طفلاً أو طفلين، أو شخص يقف على ثلاثة أرجل! أو امرأة ببرقع حاملة بطاقة، ونكاد نلاحظ أن كل حارة مستقلة بمتسوليها؛ لدى بوابات العيادات أناس يشهرون في وجهك قطعة ورق “لإجراء تحليلات” أو ابتياع دواء، وآخر عند الشبابيك المصرفية..

الدولة تحاول “تقنين” الإحسان

في خطوة لافتة، ما زال الجدل قائما داخل البرلمان بخصوص مشروع القانون 18/18، المتعلق “بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية”، فمن خلال مسودته يتضح أن المشرع المغربي؛ وبهاجس التوجس؛ يرى في الإحسان العمومي والتبرعات منفذا للمس بأمن الدولة لدى بعض الأطراف، لذا وجب قطع الطريق عليها بتقنين الإحسان والتبرعات الخيرية وتأطيرها بقنوات إدارية، وقد تكون هذه الخطوة بمثابة رشاش موجه لسرب الطيور التي تحاول بناء أعشاشها هناك، فالمحسن المغربي؛ عند إقدامه على عمل خيري إحساني ما؛ ووجد أمامه هذه “الحواجز الإدارية” قطعا سيعْدل عن عمله الخيري، طالما كانت الدولة طرفا فيه، وهذا ما يسوغ لنا القول بأن التبرع لفائدة “بيت القدس” تراجع إقبال المحسنين عليه كلما انتابهم شك في أن هذه التبرعات ستتآكل كلما طالتها يد “المخزن”.

فكان حريا بالمشرع المغربي أن يبسّط مسطرة التبرع والإحسان الخيري في اتجاه حمل الناس على الإقبال عليه وترسيخ ثقافة التكافل الاجتماعي لا قطع دابر الإحسان إلى الآخر بجميع صوره؛ نقدا أو أداء خدمة كالتمريض والأدوية أو منح أضاحي العيد.

لمن “الصدقة” وسط حشود من المتسولين؟!

يحار المواطن أحيانا؛ وهو يهم بدفع صدقة؛ لمن سيدفعها وسط غابة من الأيادي الممدودة، ألهذه المرأة الثكلى أم لهذا الرجل المقعّد أم لهذه المرأة الملفعة بالسواد، أم لهذا الذي يخطب إحسان المارة “لبناء مسجد”، أم لهذا الذي يفترش الأرض “بوثائق بالية”؟! بعض المحسنين، وما أكثرهم، حينما يزمع على دفع صدقة لا يستحضر حالة السائل ما إن كان يستحقها أم لا، وبدلها يستحضر فقط “وجه الله”، بيد أن بعضا من هذا الجيش العرمرم من المتسولين، كما أكدت التحريات، أنهم يمتلكون عقارات وحسابات مصرفية ويجدون في (اسْعايا) أقرب وسائلهم إلى الاغتناء، ويجندون لهذه الغاية أشخاصا معطوبين أو أطفالا ما زالوا رضعا، تجد لهم حضورا ملفتا في مناطق عديدة، ومنهم من هو مواظب على “الهجرة” أينما كثرت التجمعات؛ في الأسواق وخلال المواسم وفي الشواطئ..

كما توجد (اسْعايا) دينية؛ تتمثل خصوصا في شهر رمضان وصلاة التراويح تحديدا، حيث تنتشر في المساجد أكياس بلاستيكية يسعون بها أشخاص بين صفوف المصلين فيحدثون جلبة ولغطا يمس بهذه الشعيرة الدينية، كما أثبتت هذه التحريات أيضا وجود من يتسول عبر الفضاء الأزرق، من خلال قصص مختلقة لاستعطاف المشاهدين.

بالأمس كان هناك ما يسمى “بخادمات أو مساعدات الدور” يتم جلبهن من الشارع العام (الموقف)، أينهن الآن؟ قلما تعثر لهن على أثر، وإذا وجدتهن طلبوا مبالغ خيالية لا يدركها حتى الموظفات الساميات، وأكثرهن وجدن في احتراف “التسول” راحة لهن.

منحة البطالة

حكومة السيد أخنوش تعيش على آمال عريضة ومديدة، منها على سبيل المثال تخصيص “منحة الشوماج”، ولا أحد يدري مفهومها للبطالة بعد بطاقة “الرميد”، كما أن الغموض ما زال يلف قدر هذه “المنحة” ولمن؟ أم هي مجرد فقاعات مائية لحمل المغاربة على مزيد من الصبر والانتظارية.

محاولة للحد من الظاهرة

كان معلوما في ما مضى لدى أغلبية المغاربة أن السلطات المحلية؛ تزامنا مع كل زيارة ملكية إلى هذه البلدة أو تلك؛ تقوم قبل حلول موعد الزيارة بيومين بتمشيط الأزقة والشوارع و”تطهيرها” من المتسولين والمتشردين، وأعدت لهذا المسعى عربات لتكديسها بهؤلاء وتفريغ حمولتها في الإصلاحيات والمؤسسات الخيرية ليكونوا نزلاء داخلها، بيد أن بعضهم “يفر” في نهاية المطاف لأنهم ألفوا الشوارع وحرية التنقل.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.