د .فؤاد بوعلي
كثيرون انتقدوا إقدام شكيب بنموسى على طرق أبواب السفارة الفرنسية من أجل تقديم تصور لجنته، الممولة من عرق المغاربة، للنموذج التنموي للمغرب إلى السيدة السفيرة ومن خلالها إلى الإيليزيه قبل أن يعرف عنه المغاربة حكومة وشعبا أي شيء إلا صورا تلتقط في دوار أو بادية أو في لقاء مع هيئات منتقاة، لتثبت اللجنة أنها تشتغل على قدم وساق.
لكن الواجب ألا نستغرب من الأمر مادام الأصل عليلا، فكيف تريد أن يكون المُخرَج؟ وكما قيل: منذ البدء كان الخطأ.
فلجنة بنموسى التي اختارت لعضويتها بعض الوجوه التي لا تربطها بالمغربي إلا الانتماء “بالصدفة” فهي لم تختر موقعها في الحالة المدنية، وبعضها الآخر لا يعرف عن المغرب إلا الصورة العجائبية التي يقدمها لسادته الفرنسيين من أجل الظهور في الإعلام ودور النشر الفرنكفونية وجل أعضائها لديهم جنسية مزدوجة كما قالت المنابر الإعلامية سابقا” تسعةٌ من أعضاء اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي (حوالي ثلث الأعضاء) لديهم جنسية مزدوجة. فهل يمكن لمثل هذه التركيبة البشرية أن تفكر في المغرب أو بالمغرب؟
سيخرج العديد من “فقهاء التبرير” ليشرعنوا اللقاء ويجعلوه محطة من محطات التواصل مع الهيئات الديبلوماسية التي لم نعرف عن زيارتها شيئا. فالأمر عادي لأنهم يقومون بوظيفتهم. لكن الأكيد أن ما قام به بنموسى وفريقه ليس إلا محطة من محطات انتهاك سيادة الدولة. فلو كنا في دولة تحترم نظامها واستقلالها وسيادتها لما تجرأ مسؤول على القيام بهذه الخطوة الكارثية.
لكن لا تحلموا كثيرا. فالسيادة الوطنية ليست شعارا يرفع في وجه الخصوم السياسيين أو تركيبا لغويا أدرج في النصوص المؤسسة بل هي فعل إجرائي تتمثله الدولة من خلال ممارساتها ومؤسساتها المختلفة. فقبل أيام آثر السيد العلمي وزير التجارة أن يخاطب المغاربة ويوجه نصائحه لكيفية التعامل مع كورونا بلغة موليير ليحدثهم في شأن مغربي خالص ويترك لرجال الإعلام الترجمة. بالطبع كلامه لم يهتم به ولم يول أي عناية من طرف الشعب سواء داخل آليات التواصل الاجتماعي أو حتى في النقاش العمومي لأنه كان يحدث المغاربة الذين يعرفهم هو وليس مغاربة هذه الرقعة الجغرافية.
ويكفي أن نتذكر في المقابل الدول التي تحترم سيادتها من خلال موقف وزير الخارجية الألماني السابق غيدو فيسترفيله في أحد المؤتمرات الصحافية عندما سأله مراسل هيئة الإذاعة البريطانية طالبا منه الإجابة باللغة الانجليزية فقال: “في بريطانيا العظمى يتحدثون الانجليزية وفي ألمانيا يتحدثون اللغة الألمانية…إنها ألمانيا هنا”.
فمن اللغة نفهم بوصلة الانتماء الحقيقي لمدبري الشأن العام. لكنه مع ما قام به السيد بنموسى أخذ الأمر ابعادا أعمق وأخطر وأكثر جرأة في الارتماء في أحضان السيد الفرنسي.
فبعد أن سُلم له الشأن التعليمي والثقافي ها هو بنموسى ولجنته يسلمان له الشأن الاجتماعي الاقتصادي في خطوة مستفزة ومبينة عن حقيقة المغرب الذي يرومون إيصالنا له. مغرب اللامغرب. حيث لا تنمية ولا تقدم وإنما سوق للبضائع والمشاريع الفرنسية. مغرب يمكن فيه للنخبة الفرنكفونية والشعب مجرد مستهلك للمواد والأفكار الفرنسية. المغرب الذي قاوم آباؤنا من أجل ألا نصل إليه فها نحن الآن نعيشه.
لكن ينبغي شكر السيد بنموسى أن زادنا اقتناعا بأننا فقدنا البوصلة…بل الشكر الواجب للسفيرة الفرنسية التي نبهتنا إلى حقيقتنا لأنها من عرفنا الخبر. فما يجري في الكواليس أسوأ مما يظهر.
ألم نقل لكم أن الفرنسة ليست إلا المقدمة. والبقية آتية.