عبد اللطيف مجدوب
بأي حق نحن مسلمون؟!
الدواوين والأسفار والكتب والآثار التي تناولت حياة الرسول (ﷺ) هي؛ من الكثرة والتنوع والغنى؛ حيث لا يمكن حصرها وتعدادها بكل اللغات الحية، ولا يخطر بالبال وجود مكتبة شهيرة في العالم دون أن تخلو منها نسخة أو نسخ تتطرق إلى جانب من الجوانب الحية التي تثرى بها حياة هذا النبي الكريم (ﷺ)، ومازال الفكر الإنساني الفلسفي والديني؛ منه خاصة إلى اليوم؛ ينبش في سيرته العطرة، أو يعيد دراستها في ضوء خصوصيات التاريخ الحديث وما يعج به من أحداث وتلاطم وقائع.
ومن الأقلام من نحا أصحابها؛ في إعادة تدوين سيرته؛ جوانب موضوعية خاصة، بتحقيقها للأحاديث النبوية ومقابلتها بتطور الأحداث التاريخية التي يشهدها القرن الواحد والعشرون، بل هناك من ذهب أبعد من هذا، فتحاشى الوقوف عند المدارس والمذاهب الفقهية، احترازا للوقوع في التشيع أو الانتصار لهذا المذهب أو التيار دون غيره، علما أن السيرة النبوية لم تخل؛ عبر العصور؛ من وضّاعين ونحّالين، أغلبهم؛ إما كانوا موالين لبلاط الخلفاء والولاة، وإما دعاة للفرق الإسلامية التي اشتد عودها على إثر وفاة الرسول (ﷺ) ونشوب الصراع حول الخلافة.
صورة الإسلام بين النصوص والواقع
هناك دراسات؛ حاولت مقاربة الإسلام وتقييمه، منها ما انتهجت النظرة “الواقعية” مكتفية بالوقوف على واقع حال الدول العربية الإسلامية والأزمات التي تعصف بها، مستخلصة نظرة قاتمة على مفهوم الإسلام كمعيش يومي، فوصفته بأقذع النعوت مثل “الإسلام الراديكالي”؛ و”الإسلام الصوري” أو بمفهوم “الإسلاموفوبيا” الذي جرى تداوله في أعقاب ضربة 11 شتنبر والعمليات الإرهابية التي خيمت على بعض العواصم الأوروبية، ومنها (الدراسات) ما توجه إلى النصوص (القرآن والحديث) مستخلصة نبل رسالتها ونقاء مساعيها وتوجهاتها، لكن بين هاتين المقاربتين؛ في التعريف بالإسلام؛ برز حديثا تيار آخر، ركز في استقصائه على الأحاديث النبوية ومواقف الرسول (ﷺ) تجاه عدة قضايا، ليستشف منها عظمة الرسول (ﷺ) أولا، ونبل مغازي الرسالة الإسلامية ثانيا، بيد أن هذا التيار أو بالأحرى هذا المنحى تجاوز هذا المبحث ومخرجاته إلى طرح إشكالية مركزية: ولما كان مفهوم رسالة الإسلام بهذا النبل والتسامح والحقوق، فلماذا كان واقع الأنظمة العربية الإسلامية لا يعكس هذه المعالم ويشتط عنها؟!
هناك مؤشر تاريخاني “Historicalism” وهو “الربيع العربي” والذي أضحى مرجعية مفصلية للولوج إلى البحث في راهنية الواقع العربي، وما أعقبه من تصدعات سياسية؛ أتت على العديد من رموز السلطة في الأنظمة العربية الحاكمة، وأفضت؛ في النهاية؛ إلى ظهور ما بات يدعى بالإسلام السياسي “Political Islam” الذي تزعمته جماعات إسلاموية عديدة، معظمها سلفية في توجهاتها وأحكامها، فبالغت في ضرب الرقاب والتنكيل بـ”الخصوم”، هذا فضلا عن وجود واقع مجتمعات متخلفة، لم يكن إسلامها ليتجاوز “إعمار المساجد”، والتمظهر “بمسحة الإسلام الصورية”، ظهر جليا في معاملاتها ومواقفها، ونظرتها الدونية إلى المرأة والحقوق بصورة إجمالية.
إسلام الغرب هل هو إسلام العرب؟!
الشعوب الغربية؛ بنظرة إجمالية مقارباتية بالشعوب العربية؛ تعيش بالكاد في مناخ ديمقراطي ليبرالي، يكفل الحقوق والحريات للأفراد والجماعات؛ شق منها اهتدى إلى الإسلام أو بالأحرى اعتنق الإسلام عن دراسة وتمحيص لنصوصه التي استمد منها قناعته بوصفه عقيدة تجيب عن كثير من تساؤلاته وتستجيب لتطلعاته الآنية والمستقبلية، كما تفكه من عقال “الحيرة” ووطأة “المادية الجشعة”، فيرى في التعاليم الإسلامية والنبوية منها خاصة إكسيرا للحياة، يتناغم؛ إلى حد كبير؛ مع خصوصيات الديمقراطية الغربية وتوجهاتها الحضارية، في بناء الإنسان؛ فنجد المسلم في الغرب يعرف الإسلام جيدا أفضل بكثير من المسلم في الدول العربية، معرفة تستند إلى واقع المعاملات والنصوص معا، عكس المجتمعات العربية التي ظلت أنظمته السياسية تتأرجح بين الديكتاتورية وخنق الحقوق ورداءة الخدمات، فتولد عنها إنسان بازدواجية خرقاء؛ مسلم في غشيانه للمساجد ودور العبادة، لكنه ليس مسلما في المعاملات والحقوق والمواقف..!