الصحراء المغربية: أمن واستقرار شمال أفريقيا في كفّة المعادلات الجيوسياسية الأميركية..

admin
كتاب واراء
admin24 مارس 2021آخر تحديث : منذ 4 سنوات
الصحراء المغربية: أمن واستقرار شمال أفريقيا في كفّة المعادلات الجيوسياسية الأميركية..

لعل من أكثر الملفات التباساً على سياسة إدارة جو بايدن ملف الصحراء المغربية بالوضع الذي ورثه من سلفه الرئيس السابق ترامب. فالأخير الذي اعترف بسيادة المغرب على كافة أراضيه، بما فيها الصحراوية، كان قد اتخذ باعترافه ذاك قراراً استراتيجياً وليس آنياً، ولن يكون بإمكان حكومة بايدن أن تلغي هذا القرار لمجرد رغبتها في قلب الطاولة على القرارات التنفيذية كافة التي اتخذها الرئيس السابق لمجرد إثبات موقف الإدارة الجديدة من السابقة. وفي حالة هذا الملف تحديدا سيحتاج الرئيس بايدن إلى الكثير من التريّث لأن الأمر يتعلق مباشرة بالعلاقات الأميركية بعيدة المدى وحضورها السياسي والدبلوماسي في دول الشمال الأفريقي وبخاصة المملكة المغربية المعنية مباشرة بذاك قرار.

من المقلق بالفعل الحديث عن نية حكومة بايدن تغيير هذا المسار الاستراتيجي الأميركي الذي هو داعم رئيس للاستقرار والأمن في شمال أفريقيا انطلاقاً من المغرب والحرص على سيادته على أرضه كافة وتعميق العلاقات مع الرباط، وصولاً إلى الجزائر التي تحاول واشنطن تعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية مع حكومتها بعد أن برز التقدّم الروسي جلياً بين العاصمتين موسكو والجزائر على مختلف مستويات التعاون، الأمر الذي أثار الجدل في الأروقة السياسية الأميركية حول إمكانية ترك فراغ في دولة مفصلية من دول شمال أفريقيا سانحاً لإشغاله من طرف الخصم الروسي.

وقد جاءت مغادرة السفير الأميركي في الرباط  ديفيد فيشر في يوم 20 يناير 2021، أي في يوم تنصيب الرئيس بايدن، مفاجأة غير سارة كون السفير فيشر من أكبر الداعمين لسيادة المغرب على صحرائه. وأوضحت السفارة أن مغادرة فيشر “تماشياً مع الممارسة المعتادة لسفراء الولايات المتحدة المعينين سياسياً الذين ينهون مهامهم الدبلوماسية إثر قدوم إدارة جديدة إلى واشنطن”. وكان السفير فيشر قد أقام مراسم احتفالية  في السفارة الأميركية بالرباط، حيث قام بتوقيع خارطة جديدة للمغرب اعتمدتها بلاده، وأشار السفير إلى أنها خارطة تضم كامل أراضي الصحراء المتنازع عليها منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو. واستتبعت تلك الخطوة ذات الأبعاد السياسية الواضحة في حرص واشنطن على دعم حقوق المملكة المغربية كاملة في بسط سيادتها على كل أراضيها، بوصول أول مسؤول أميركي رفيع المستوى في زيارة رسمية للصحراء عقب اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب عليها، وهو مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دافيد شينكر، بصحبة السفير دفيد فيشر ووزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، للإشراف على حفل افتتاح القنصلية الأميركية في مدينة الداخلة. بالمناسبة أكد بوريطة على التعاون المغربي الأميركي لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وعلى الرؤية المنسجمة للبلدين حول عدد من القضايا الإقليمية والمواقف في العلاقات مع إيران والحالة في ليبيا.

وقد صدرت حديثاً عن “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” دراسة معمّقة حملت عنوان “فرص تعزيز التحالفات في شمال غرب أفريقيا: أفكار سياسية تجاه المغرب والجزائر وتونس” وقد كتبها خبيران مرموقان هما روبرت ساتلوف المدير الأسبق لمعهد واشنطن وسارة فوير الخبيرة في سياسات شمال أفريقيا، حثّا من خلالها إدارة بايدن على دعم الاعتراف الأميركي الذي أقرته إدارة ترامب بالسيادة غير المنقوصة للمغرب على أراضيه الصحراوية كاملة. وشددت الدراسة على أن هذا الاعتراف يخدم المصالح الجيواستراتيجية في المنطقة بما فيها تعزيز الاستقرار ومنع تمدد الحركات المتطرفة والانفصالية وتجفيف الحواضن التي تفرّخ المزيد من الإرهابيين بما يعزز الأمن عبر البحر المتوسط، ناهيك عن تحجيم نفوذ روسيا والصين في الشمال الأفريقي.

أما على صعيد الحلول فقد شددت الدراسة على ضرورة أن يدعم البيت الأبيض وساطة الأمم المتحدة المقترحة لحفظ الأمن وتعزيز السلام في الصحراء المغربية، كما نفت وجود أي تناقض بين الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه كاملة وبين دعم تعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة في المنصب الشاغر منذ سنة ونيف لبعثتها في مهمة حفظ السلام (مينورسو). ونصحت الدراسة إدارة بايدن بأن تستفيد من الوجود الدبلوماسي والمالي والأمني للمغرب في جميع أنحاء غرب أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، وأن المملكة المغربية قادرة على أن تشكّل عامل استقرار إقليمي داعم لمصالح الولايات المتحدة في السنوات المقبلة وفي مقدمتها القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم).

وخلصت الدراسة إلى أن اعتراف بايدن بسيادة المملكة المغربية على صحرائها أسوة بسلفه ترامب والذي سيترافق مع عملية سياسية ذات مصداقية في دعم الحكم الذاتي للصحراء المغربية سيكون عاملاً مساعداً على الحد من فرص لجوء جبهة البوليساريو إلى أعمال العنف، وكذلك تجفيف مشاعر التعاطف معها وهي تستجرها من هنا وهناك لتعزيز دورها المدمر والمبدد لإمكانية نشر الأمن وظروف الاستقرار في المنطقة.

فصل المقال يكمن في أهمية أن تدرك الولايات المتحدة والدول صاحبة الصوت المرجّح في مجلس الأمن أن الاستقرار لا يمكن أن يزدهر منعزلاً عن الاعتراف الكامل بسيادة الأمم، بل ودون الامتناع عن تمكين الحركات الانفصالية مهما جاءت مزيّنة بنكهة التحرر من الاستعمار أو الانعتاق من التبعية، فالسيادة الوطنية تتناسب طرداً مع قدرة الدول في الحفاظ على أرضها وضمان أمن حدودها، وكل من يغذي الانقسام عن الأرض الأم والانفلات من السيادة الوطنية إنما هو يغذي دمار الدول وشعوبها في آن واحد.

مرح البقاعي

كاتبة سورية أميركية

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.