… على خلفية قرار رقم 33/2019 للأمانة العامة لحزب العدالة و التنمية المغربي القاضي بحل الحزب بإقليم وجدة أي حل الكتابة الإقليمية و الكتابات المحلية بدائرة وجدة أنكاد ،و التشطيب على أعضاء الحزب المسجلين بإقليم وجدة ،مع استثناء أعضاء كل من الأمانة العامة و أعضاء الإدارة العامة للحزب وأعضاء الكتابة الجهوية و أعضاء مجلس الجهة الشرقية ..
وعلى اعتبار أن حزب العدالة و التنمية كحزب يرأس الحكومة المغربية منذ إقرار الدستور الحداثي الجديد لسنة 2011 كونه تصدر الانتخابات التشريعية ل2011 و لسنة 2015 .
وباعتبار أن لحزب العدالة و التنمية وجود تمثيلي قوي بإقليم وجدة وقد ظل يحتل الصدارة على مستوى الأصوات المحصل عليها خلال الانتخابات التشريعية و الجماعية حتى ما قبل الماضية .
وعلى اعتبار أن حزب العدالة و التنمية سجل تميزه الشبه المطلق على باقي الأحزاب الأخرى بتنظيمه الهيكلي المبني على الديمقراطية الداخلية و الإقرار و التداول على المسؤولية و الانسجام و التكامل بمختلف تنظيماته .
فمن هذه الاعتبارات ما جعلنا نقف ،، قبل التموقف ،، بين السلب و الإيجاب، وقبل إصدار أي حكم مبني على الفوقية ، أو تأييد أي طرف مبني على العاطفية، أن نقف،، عند مستند و منطلق القرار ، هذا إن علمنا أن هذا القرار في هذه المرحلة و هذا التوقيت بالذات ،وإبان بروز اختلافات في الواجهة بين قيادة هذا الحزب ،يمكن أن يساق في عدة قراءات سياسية – سلبية – كما يمكن أن يحمل عدة رؤى – تنازلية – مستقبلية وفق ما يعد لانتخابات 2021 .
ولهذا ، حاولنا تناول القرار من خلال حمولته الديمقراطية و الحقوقية التي يعتبرها أعضاء الحزب كأساس لتميزهم في المشهد الحزبي المغربي ، وكذا أحد مرتكزاته الدفاعية و التواجهية مع مختلف الفرقاء السياسيين .
وبالتالي فهل قرار الأمانة العامة لحزب العدالة و التنمية القاضي بحل الحزب بإقليم وجدة انكاد ،و التشطيب على جميع أعضائه باستثناء من هم أعضاء في هيئات عليا ، قرار مبني على أساس سليم من الناحية القانونية و الحقوقية أم لا ؟؟ ….فمن وجهة نظرنا المتواضعة ، نــــرى ::
إن منطلق قرار حل حزب العدالة و التنمية بوجدة استند على مادتين من القانون الأساسي للحزب و هما المادة 38 و المادة 104 و كذا على المادة 99 من النظام الداخلي للحزب وليس المادة 98 .
فالمادة 38 تحدد صلاحيات الأمانة العامة ( وفي النقطة ما قبل الأخيرة تعطي صلاحياتها في حل الحزب على المستوى الجهوي و الإقليمي و المحلي ).
و المادة 104 مكملة و مفسرة للمادة 38 و التي جعلت كـــ – استثناء – بإمكانية حل الحزب على المستوى الإقليمي و المحلي بقرار من الأمانة العامة ، ويترتب حل كل أجهزة الحزب كما يمكن تجميد عضوية الأعضاء المعنيين أو التشطيب عليهم من لوائح الحزب في هذا المستوى .
و المادة 99 من النظام الداخلي للحزب ألزمت الأمانة العامة بتعليل قرارها بحل الحزب على المستوى الإقليمي و تحديد اتخاذ هذا القرار إما بمبادرة من الأمانة العامة أو باقتراح من هيئة تنفيذي أدنى وذلك بالأغلبية المطلقة 50+1 ، مع تحديد الآثار فيما يخص العضوية، واعتبار القرار و أثاره غير قابل للطعن .
فهذه المواد مجتمعة و مكملة بالمادة الفريدة 99 من النظام الداخلي لحزب العدالة و التنمية تناقض المواد المؤطرة لحل فروع الحزب بالقانون الأساسي و النظام الداخلي لحزب العدالة و التنمية مع الفلسفة القانونية من جهة اولى ، وكذا تناقض مع التوجهات الكبرى للدستور لسنة 2011 و كذا القانون المتعلق بالأحزاب السياسية من جهة ثانية ، إذ أن وضع الإطار التشريعي للأحزاب السياسية جعل ليستمد منه الحزب السياسي شرعيته القانونية من مشروعيته الديمقراطية ، وذلك من خلال :
أولا : من حيث مسألة تناقض تعليل قرار الحل مع عدم إمكانية الطعن فيه :
– إن المادة 99 من النظام الداخلي لحزب العدالة و التنمية تلزم الأمانة العامة بتعليل قرارها القاضي بحل الحزب على المستوى الإقليمي و المحلي دون إلزامها بتعليل قرارها عند الحل على المستوى الجهوي .
ومادام أن التعليل هو الإفصاح الكتابي عن الاعتبارات الواقعية و المحصلة القانونية التي كانت وراء إصدار هذا القرار لغاية الحفاظ على ضمانتين : – ضمان رقابة بعدية على هذا القرار ، و- ضمان حق الدفاع لتجنب الارتجالية و التعسف و الانحراف عن المبادئ الحزبية و توجهاته من جهة أولى , وعن مبادئ أحكام القانون من جهة ثانية .
وبذلك فالتعليل يهدف إلى اطلاع المعني بالأمر مباشرة على أسباب القرار حتى يرتب على ضوئه أوضاعه الجديدة وذلك إما بقبوله وإما بالطعن فيه .
و لما كانت نفس المادة بفقرتها الأولى تنص على تعليل القرار من قبل الأمانة العامة ، فالمفاجئ أنها في فقرتها الأخيرة تنص : أنه : لا يقبل قرار الحل و الآثار المترتبة عليه اي طعن ، مما يجعلنا نتساءل عن ما فائدة التنصيص على التعليل إن لم يكن يعطي إمكانية الطعن في هذا القرار ؟؟
وبذلك ، فعدم إتاحة فرصة الطعن في قرار الحل لهيئة تنفيذية أخرى كهيئة التحكيم ، يجعل هذه المواد تتناقض فيما بينها و تتناقض فيما أقرته المبادئ الحقوقية خاصة خرق لمبدأ التقاضي على درجتين ،و بالتالي خرق القانون .
ثانيا : من حيث مسألة تناقض قرار الحل و أثاره مع الدستور و القانون المتعلق بالأحزاب السياسية :
من جهة أولى : إن قرار الأمانة لحزب العدالة و التنمية الصادر بحل الحزب بوجدة و بالتشطيب على أعضائه يبقى قرارا مخالفا
– بالإضافة – إلى ما جاء في الفقرة الأولى من تصدير دستور المملكة والذي اعتبر أن ما جاء في التصدير جزءا لا يتجزأ من الدستور، فهو مخالف لمفهوم المادة 7 من الدستور و التي تقر بصراحة على :
(( تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام……….
كما تحث على تعزيز الانخراط كذلك الفقرة الثانية من المادة 2 من القانون المتعلق بالأحزاب السياسية 11/29 .
وبذلك فمسألة تعزيز الانخراط في الأحزاب السياسية التي نص عليها الدستور و كذا القانون المتعلق بالأحزاب تتناقض جملة وتفصيلا مع إقرار أحادي بحل كتابة إقليمية و كتابات محلية و جميع الأجهزة التابعة للحزب بالإقليم مع التشطيب على أعضاء الحزب بالإقليم و فقد العضوية بالحزب باستثناء .
ومن جهة ثانية : إن قرار الحل بهذه الكيفية جاء مخالف للفصل 7 من الدستور الذي منع تأسيس الأحزاب على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان ، في حين اعتبرت المادة 4 من القانون المتعلق بالأحزاب السياسية أنه يعتبر باطلا كل حزب يرتكز على أساس من التمييز أو مخالف لحقوق الإنسان ، كما أضافت نفس المادة أنه يعتبر باطلا كل تأسيس لحزب يهدف إلى المساس بالمبادئ الدستورية أو الأسس الديمقراطية .
وبالرجوع إلى قرار الأمانة العامة لحزب العدالة و التنمية القاضي بحل الحزب بوجدة ،نجده قد قرر التشطيب على أعضاء الحزب المسجلين بإقليم وجدة أنكاد من لوائح العضوية و استثنى أعضاء الأمانة العامة و أعضاء الإدارة العامة و أعضاء الكتابة الجهوية و أعضاء مجلس الجهة الشرقية ،وأعضاء لجنة الإشراف على عمل الحزب بإقليم وجدة انجاد المنصوص على تكوينها بعده .
وبعد أن تناولنا سابقا المواد التي استندت عليها الأمانة العامة لحزب العدالة في إقرار قرار حل الحزب بوجدة ، لم تتضمن أي مادة أي استثناء أو حتى تشير إليه ، مما يعتبر أن قرار التشطيب على عضو دون عضو آخر ليس له ما يبرره في تعليل القرار بحد ذاته ،باعتبار مسؤولية الاختلالات التنظيمية و الاشكالات المتراكمة يتحمل مسؤوليتها جميع الأعضاء ، بل بالمنطق التحليلي الواقعي تكون مسؤولية عضو اعلي درجة في الاختلالات أكثر من مسؤولية العضو أدنى درجة .
، مما يكون القرار قد بني على التمييز
وقد أعتبر المشرع المغربي في الفصل 431-1 من القانون الجنائي أن التفرقة بين الأشخاص في ما يخص الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو بسبب الانتماء أو عدم الانتماء الحقيقي يعتبر تمييزا .
وما جعل السياسة الجنائية تتدخل لتجريم التمييز لما يشكل مدمرا للكرامة الإنسانية و عائقا أمام تحقيق المساواة و المواطنة الكاملة و لما له من أثار وخيمة على البناء الاجتماعي و السياسي للمجتمع و الدولة .
وبدون الدخول في مناقشة أن الكتابات الجهوية أو المحلية للأحزاب تكتسب الشخصية المعنوية منذ تأسيسها أو تجديد مكتبها و تصبح في نظر القانون مؤسسة قائمة الذات و الوجود وتبقى سلطتها أكبر من سلطة أهواء شخصية .
ولو افترضنا جدلا ، أن جميع الأحزاب تتخذ نفس المنوال فسنصبح أمام وضع شاذ و سيزيد من تأزم الوضع الحزبي و يقوي ظاهرة العزوف الانتخابي ،لكوننا سنؤسس لظاهرة تكون الفروع الجهوية و الإقليمية للأحزاب فاقدة للراي و حرية التعبير و للتصرف ،و ستصبح تسير وفق اهواء شخص أمناء الأحزاب ، وفي حالة النزاع أو عند اقتراب المؤتمر أو عدم التصويت لهذا الأمين أو ذاك … سيكون القرار فوريا بحل الفرع والتشطيب على الأعضاء،وربما سنصل إلى التشطيب على أحد مرشحي الأمانة العامة كما فعل ذلك فعلا الأمين العام لحزب الإصلاح و التنمية قرر طرد منافسيه بعد أن وضعا ترشيحاتهما .!.
و على سبيل الختم ،،فان تناولنا حسب نظرتنا لهذا القرار أتى بدافع الاعتبارات المذكورة في بداية مقالنا ،خاصة أن حزب العدالة و التنمية أصبح يجعل ما اعتبره استثناء في قوانينه هو الأصل كونه سبقت للأمانة العامة أن قررت حل الحزب في مديونة و في المحمدية ، وأن هذا الاتجاه سيفقد للمؤسسة الحزبية الهدف الذي أناطها بها المشرع و بما تحمله من مسؤولية اتجاه المواطن و الوطن .
كما أصبح يتبين من خلال الممارسة الحزبية ضعف الترسانة القانونية المؤطرة للأحزاب و قصور هذه الأخيرة على تحقيق الهدف العام من تأسيسها ، مما يفرض أكثر من أي وقت مضى تعديل القانون المتعلق بالأحزاب السياسية بما يتلاءم و مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان بالدرجة الأولى ، من أجل تحقيق الاستقامة السياسية لتعزيز الانخراط بالاحزاب و لضمان انتخابات حرة ونزيهة في إطار أحزاب قوية بأفكارها وبغيرتها على ثوابت الأمة، ذات برامج وقدرة اقتراحيه فاعلة ، تنتج نخب كفوءة وذات أخلاق عالية وغيرة وطنية وتتعهد في بروز كتل سياسية راقية في تعاملها مع بعضها البعض ،من المواطنين وقريبة من المواطنين ،وتكون هذه الأحزاب شغلها الشاغل رفع نسبة المشاركة وإعمال مبدأ التداول على السلطة بكل شفافية وتشاركية وحل النزاعات بالاحتواء و ليس بالحل ،،،
وبذلك نرقى إلى فعل سياسي راقي يتوافق و روح الدستور الحداثي الجديد ومتطلبات المرحلة .
* محفوظ كيطوني
محام
فاعل حقوقي و جمعوي
mahfoud.guitouni@gmail.com