عبد الله مشنون
عندما بدأت التلفزة المغربية “تتحرك” منذ ثلاثين سنة أو
يزيد وهي ترزح تحت وصاية وزارة الداخلية و الاعلام آنذاك ’كان تحركها البطيء لا
يخرج عن الاطار الرسمي وتوجيهات الوزير البصري وكان يميزها قلة ساعات البث
والتركيز على تطويل النشرات الإخبارية واعادة مضامينها وتهميش مشاكل الشعب وهمومه
.ولم تكن إطلالة الأخبار على العالم إلا من خلال صور الحرب العراقية الايرانية او
حرب لبنان او القضية الفلسطينية حتى يداوم المغاربة شكرهم على ما كانوا فيه من
نعمة الأمان والاستقرار.
وعلى الرغم من ذلك كانت هنالك بعض البرامج التي طبعت تلك المرحلة و أسهمت بنوع أو
بأخر في إحداث شيء من الترويح والفرجة و الاستمتاع, فمن ممن كان طفلا في ذلك الوقت
لم يستمتع ببرنامج “عمي ادريس” و “القناة الصغيرة ” او كان تلميذا ولم يشاهد
“الوقت الثالث «’»التلفزة المدرسية” ووثائقيات “الموسوعة البريطانية «’برامج على
قلة دقائقها ومرورها على حين غفلة من الايام ’كانت كل شيء بالنسبة للمواطن البسيط.
أما الترفيه فكانت تطلع علينا التلفزة بمثل ألعاب بلا حدود وبطولتي المانيا
وانجلترا لكرة القدم دون تشفير أو مدعين لحقوق البث ’ناهيك عن السهرة الفنية
الاسبوعية كل يوم سبت.
واليوم بعد توالي ظهور القنوات التلفزية آخرها تلك التي أشعلت النار بدل النور من
حولها الأخرى التي “يكرفس” فيها الصحفي ضيوفه في أوحال الابتذال وفي زمن تحرير
المشهد والهاكا والحكامة …اضطر الكثير من الناس لاستعمال القفل الابوي خوفا على
ابنائهم من بعض القنوات التلفزية “الوطنية” والتي تنتهج كما تدعي خطا تحريريا
حداثيا متفتحا ومفتوحا .
لقد كان التلفاز منبرا يجتمع حوله كل افراد العائلة و لا يجدون حرجا من الاشتراك
في متعة المشاهدة دونما ارتياب من ان تزل كلمة او لقطة خادشة للحياء او اشهار مخل
بالاداب العامة ’او برنامج مدفوع الاجر يستقدم فيه مغنو العلب الليلية ليقدموا على
انهم سلافة المجتمع ووجوهه وسفراءه.
لم نكن نعاني من هذا الكم الهائل من التفاهة والاسفاف والتهريج بدعوى الفرجة
والترويح على الناس.
لم نكن نشاهد في تلفزة تنازعت فيها اللغة العربية والفرنسية دقائقها وثوانيها هذه
المسلسلات والسلاسل الكيلومترية التركية والهندية و السندية والقمرية…التي لا
تعالج قضايانا ولا تعبر عن أمالنا وآلامنا حتى تلك المدبلجة بلغتنا.
لم نكن نشاهد في الاعلام الذي تموله جيوبنا ’التهافت على استضافة الشواذ
والمتحولين جنسيا والناقمين على دين واخلاق المجتمع بداع الانفتاح ومغرب
“الثقافات”.
ان جو الحرية العام وتحرير الاعلام هو مكسب لا ينبغي ان يكون مطية للسخرية من
هويتنا و مقدسا تناولا معولا لهدم اواصر الاعتبار و التقدير بين الناس ’بل ينبغي
ان يكون نافذة لبسط مشاكل المواطنين وتبيين مواطن الخلل في تسيير الشأن العام.
لو كان هذا الاعلام حاضرا ’متابعا وفاضحا للاختلالات والنواقص لما انتظرنا بين
الفينة والاخرى غضبات جلالة الملك لعدم اتمام المشاريع المدشنة.
لو كان هذا الاعلام معبرا عن الشعب لكان مراة لحراكه الاجتماعي’ففي الوقت الذي كان
الناس يتابعون فيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي لما يقع في الريف كانت القناة
الثانية مثلا في احد برامجها منشغلة بالحرب الضروس بين فنانتين ومحاولة إبرام
الخيط الابيض بينهما.
ولا يفهم من كل ما تقدم ان احدا يحن لزمن وصاية وزارة البصري (المباشر) على
الاعلام “انما هي مقارنة بين ما كانت تؤديه التلفزة في ذلك الوقت على بدائيتها
وقصر مدة بثها ’التي من قليلها كان الكثير ومن بعضها كان الكل وبين ما نطمح ان
تكون عليه اليوم وقد تحررت واتسعت طولا وعرضا.
واتمنى من اصحاب الاعلام المضيء فعلا ان يبسطوا النقاش في هذا الامرومن يدرى لعل
أحدهم يستضيف يوما (التلفزة المغربية ) في برنامج شائق ممتع قد يكون اسمه “كي
كونتي وكي وليتي” ديال بصح.
سمير الكيلانيمنذ 5 سنوات
الله يحفظكم أستاذ مشنون