د. فريدة بن سليم/ الجزائر
أثار إعلان انضمام إحدى فنانات الراي الجزائري إلى طاقم قناة تلفزيونية خاصة لتقديم برنامج فني ، استياء بين أوساط رواد مواقع التواصل الاجتماعي عامة و خريجي الإعلام و الصحافة خاصة. مع أن هذه الخطوة لم تكن الأولى من نوعها على مستوى القنوات الخاصة التي عرفت استقطابا واسعا لمشاهير الفن، الرياضة و مواقع التواصل الاجتماعي. فقد سمح الانفتاح الإعلامي في الجزائر ببروز بعض الفئات الانتهازية التي استغلت ذلك و ركبت موجة الانفتاح لتحقيق مكاسب مادية ، ليرتبط المشهد الإعلامي بالاستثمار الفج من خلال دخول العديد من المستثمرين و زيادة عدد الفضائيات، أقصد المستثمر الذي لا يعرف أي مقاييس للعمل الإعلامي ولا ضوابطه و لا أخلاقياته ، وكل علاقته أنه صاحب قناة أو رأسمال. و هذه القناة ما هي إلا مشروعا تجاريا يعتمد على نسبة المشاهدة ، مما يفسر اعتماد البرامج على الموديل و مدونات الأنستغرام في الموضة و الجمال كمقدمات برامج ، و تركيز القنوات الخاصة على هذه الشخصيات يفتح المجال لظهور دخلاء على المهنة أولئك الذين استعجلوا الثراء و الشهرة الفارغة على حساب المعلومة و الذوق و المبادئ و القيم ، ليصبح الإعلام مهنة من لا مهنة له ، وهذا ما يٌحدث اختلالا في منظومة القيم ،و عدم احترام للمهنة و العلم و أهل الاختصاص. وهذه –القيم- قد تُضرب بعرض الحائط وقد يتم الإلتفاف عليها من قبل المستثمر أو المنتج مادام المقدم مؤثرا و يحظى بقاعدة جماهيرية، و حتى إن لم يكن من أهل الاختصاص فهو ورقة رابحة و بيع البرنامج يتم باسمه. و ليصبح الإنتاج الإعلامي في الجزائر مشروعا اقتصاديا يرصد له ميزانيات مالية ضخمة، وهدفه تجاري بحت لمستثمرين أدركوا أهمية ذلك القطاع الحيوي الذي يدرّ الأرباح. وحتى المرأة كمقدمة تم التعامل معها مثل أية سلعة يبيعونها، من خلال الجسد للترويج لسلعتهم ، و يتجلى هذا من خلال المرأة المثيرة ومدونات الجمال …الخ. وعلى هذا الأساس يتم اختيار أزياء الكادر الإعلامي . ليكون ذلك متاجرة بالبشر من خلال اعتبار الجمال و عرض الموديل و الفنانات بغض النظر عن المستوى التعليمي أو الثقافة أو حتى علاقتها بمجال الإعلام .وفي المقابل يتم تصوير الحياة المترفة لهؤلاء المقدمين ،-من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ، -الأشبه بلوحة فنية براقة لتدغدغ مشاعر المشاهد ،ـ وخاصة خريجي الإعلام الذي يعد هذا مجال تخصصه تمّ التعدي عليه مما يولد سخطا على الواقع خاصة مع التهميش الحكومي لأصحاب التخصص. كما سيخلق هذا نوعا من الصراع الداخلي للفرد ، و تصبح قيمة الاجتهاد و المثابرة و تقديم محتوى هادف لا قيمة له مقابل سيطرة المكسب السريع و الرغبة في الشهرة ،و كأن ثمار الجهد لا قيمة لها مقابل الشطارة و تسطيح الفكر و تقديم كل ما هو مبتذل، فالمضمون لا قيمة له و الأهم من يدفع أكثر. و ليصبح البرنامج سلعة بالمفهوم الاقتصادي الدقيق للكلمة ،و يخضع تسويقها لقوانين العرض و الطلب، و بالتالي لم تعد تلك البرامج ولا المضامين الإعلامية مجالا ليحقق من خلالها مقدميها أحلامهم بالمدينة الفاضلة ، و يوصلون عبرها خطابهم الإنساني المنافح عن العدالة الاجتماعية و ترسيخ القيم الثقافية . وسمح الاستثمار وولوج المجال الإعلامي بظهور طفرة الأثرياء الجدد ،أولئك الذين يعتمدون على سياسة العلاقات و المصالح الخاصة، مما جعل الصناعة الإعلامية تشهد تفسخا واضحا خاصة أن الصناعة الإعلامية في الجزائر لا تحكمها قوانين قوية مع غياب أية رقابة ،ذلك أن مهمة الجهاز الرسمي كوزارة الاتصال و سلطة ضبط السمعي البصري انحصرت في الإشراف الشكلي ،كما أن رقابة الدولة في إطار ما يعرف بسوق الأفكار الحرة ما هي إلا خرق لحرية التعبير و العمل الإعلامي. ولعل عدم وجود متابعة نقدية و تقويمية لمسيرة تلك المضامين جعل المجال الإعلامي ينحرف عن مساره نتيجة تغليب المكاسب التجارية على حساب القيم الإخبارية و الثقافية. و لم تعد تلك الصناعة تحركها هموم الناس و مشاكل المواطن و المجتمع التي بدورها تم المتاجرة بها ، خاصة مع تداخل مصالح بعض النقاد التي تربطهم علاقات قوية مع المنتجين و غيرهم و مع تدجين بعض الصحفيين و فسادهم، لتصبح السلطة الرابعة في الجزائر بعيدة نوعا ما عن قضايا الناس،و إن عالجتها تاجرت بها ،و للأسف تحولت الكثير من القنوات إلى سوق ، ينتج ما يروق للبعض ليبحثوا عن السهل المستساغ المثير ، وباتت الكاميرا تصور كل ما هو قبيح و سوقي و مبتذل ، البرامج تحولت إلى ثرثرة كلامية.و بدل فضح كل ماهو متردي .أصبحت هذه القنوات تُكرّس التعتيم و التجهيل والتسطيح وحتى اشعار آخر..