دولة بلا عدل مثل النهر بلا ماء ..

admin
كتاب واراء
admin8 يناير 2022آخر تحديث : منذ 3 سنوات
دولة بلا عدل مثل النهر بلا ماء ..

 حسوني قدور بن موسى

في سنة 1996 حينما كان “جيم وولفنسون”رئيسا لمجموعة البنك الدولي أعلن أن سرطان الفساد يجب مكافحته بالقدر نفسه الذي نكافح به الفقر والجوع والمرض، ومع أن البحوث الجديدة تظهر أن ضعف المؤسسات العامة وتشوه السياسات الاقتصادية هما حاضنة ممارسات الفساد، فإن الكثيرين يشعرون أن الفساد ليس مشكلة اقتصادية بل سياسية، ومن الأفضل تركها للحكومات لا لخبراء التنمية، ولكن حجة رئيس مجموعة البنك الدولي كانت مقنعة وبسيطة للغاية، وأكد أنه يجب مكافحة الفساد لأنه يؤدي إلى تحويل الموارد من الفقراء إلى الأغنياء، ويزيد من تكاليف إدارة منشآت الأعمال، ويشوه النفقات العامة و يطرد المستثمرين الأجانب.

خطورة الفساد

وقد يتساءل البعض الناس الذين لا يفهمون معنى خطورة الفساد ومدى تأثيره السلبي الخطير على جميع مرافق الدولة ومؤسساتها، وخاصة القضاء الذي قيل عنه قديما: “القضاء أساس الملك”.
إن إقامة العدل هو وظيفة أساسية في دولة الحق والقانون، فالقضاة يتصرفون في حقوق وحريات المواطنين والجماعات وشرفهم وأمنهم ومصالحهم، وهذا الدور يعكس مدى خطورة منصب القاضي الذي قيل عنه قديما: “من ولى منصب القاضي فقد ذبح نفسه بدون سكين، وقيل عن القضاء أنه مقياس الخير في الأمم، وهو معيار العظمة فيها، وهو رأس مفاخر كل أمة حية وراشدة وقيل “فساد القضاء يفضي إلى نهاية الدولة “.
يجب على القاضي أن يكون مؤهلا ومتخصصا ودارسا لمبادئ القانون الذي يحكم به، وأن يكون مثقفا باحثا وعارفا بأحوال الناس وبجميع نواحي الحياة، واسع الصدر محيطا بكافة ملابسات القضية المعروضة عليه التي يجب عليه أن يحكم فيها بالعدل، وأن يكون محمود السيرة، معروف النسب، فلا يخشى أصحاب الجاه أوالمال أوالقوة والنفود السياسي، وأن لا يبالي بلوم الناس، وأن يقمع الظلم وينصر المظلوم ويعطي لكل ذي حق حقه، وأن لا يبيع ولا يشتري في عروض التجارة، وأن يحترم واجب التحفظ الذي يبعده عن الشبهات خاصة الجلوس مع المفسدين والسماسرة والمشبوه فيهم في المقاهي والأسواق والشوارع والأماكن غير اللائقة التي تثير شكوكا بشأن استقلاليته وتجرده وحياده، وأن يبتعد عن كل ما من شأنه المساس بسمعة القضاء، وفي المقابل لا يطال واجب التحفظ إبداء الرأي في الأمور السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقاضي هو حامي الحقوق والحريات، وفي هذا الصدد تضمن دستور 2011 العديد من المبادئ التي أوكل للقاضي فيها مهمة حمايتها المنصوص عليها في المادة 117 التي جاء فيها : “يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون”، فالقضاء لجميع الناس والقاضي ليس لواحد من الخصوم، و يقول المثل المأثور: “أعطني قضاء عادلا أعطك دولة” فبدون قضاء عادل لا يمكن تحقيق دولة الحق والقانون، وقال”تشرشل” رئيس الوزراء البريطاني: “إذا كان القضاء بخير، فإن بلدي بخير”، مقولة تتغنى بها الأمم، وقال عمر بن عبد العزيز: “إذا كان في القاضي خمس خصال فقد اكتمل: علم بما كان قبله ونزاهة عن الطمع وحلم على الخصم واقتداء بالأئمة ومشاورة أهل الرأي والعلم “.

شرعية القاضي

يستمد القاضي شرعيته من القانون الذي يفترض فيه أن يكون مستقلا ومحايدا، إذ أن هذين المبدأين مفروضان على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وقد يؤدي تجاهلهما إلى المساس بثقة الجمهور.
إن القاضي النزيه والعادل جدير بالنظر في المسائل الخاصة بممارسة الأفراد لحقوقهم المدنية والسياسية وهو ملزم أكثر من غيره بالصدق والاستقامة والأمانة، كما يجب على القاضي تطبيق القانون بفضل معرفته الواسعة وإلمامه بالنصوص وبمبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا، والتي يتشبث المغرب بها في ديباجة دستوره، وكذلك حرص القاضي الدائم على عدم الكف عن حماية الحريات الفردية والجماعية التي يعتبر حارسها والساهر على حمايتها من الاعتداءات والانتهاكات، وعلى القاضي أن يرى بحسه السليم وفطنته وذكائه نداء الحق، فالحق لا يتمثل في القواعد القانونية، وإنما بما تقرره هذه القواعد وتجعل من هذا الحق قوة يمكن الوصول إليها عن طري حكم القضاء العادل النزيه، وتوجد بين القانون والحق علاقة ترابط واتصال تجعل الحق قوة عندما يقر ذلك القانون الذي يهدف إلى تحديد الحقوق وبيان مداها وكيفية اكتسابها وانقضائها، ويمكن القول إن الحق ثمرة القانون والقانون هو أداة لتثبيت الحقوق وبيانها، فهناك علاقة متبادلة بينهما إذا ضاع أحدهما ضاع الآخر.

التوازن بين الحق والقانون

والقاضي هو الساهر بعلمه وتجربته على الحفاظ على هذا التوازن بين الحق والقانون ويجب عليه الامتناع عن إقامة أي علاقة مشبوهة مع ممثلي السلطتين التشريعية والتنفيذية كما يجب أن يظهر القاضي في عيون المواطنين بمظهر الإنسان المثقف العادل الذي يحترم حقوق وحريات المواطنين.
ومن الملاحظ أن حركة انتقال القضاة من منطقة إلى أخرى يتيح حماية ضد إقامة علاقات وثيقة مع مختلف الشخصيات المحلية، كما يجب أن يحافظ قضاة المحاكم وأعضاء النيابة العامة على استقلال بعضهم عن البعض على الرغم من انتمائهم للهيئة نفسها، ويمثل مبدأ الحياد – وهو حق مضمون للمتقاضين بموجب الدستور ومبادئ حقوق الإنسان – واجبا مطلقا مفروضا على القاضي الذي هو عنصر أساسي من عناصر ثقة الجمهور، وينطوي الحياد عند ممارسة الوظائف القضائية على الغياب الجلي للآراء المسبقة، وأن يكون قادرا على تلقي جميع وجهات النظر التي نوقشت أمامه وأخذها بعين الاعتبار.
في الواقع، فإن الحديث عن الفساد القضائي في بلادنا يثير انتباه منظمات حقوق الإنسان داخل المغرب وخارجه، وفي هذا الصدد، أعاد التقرير الصادر عن مجلس أوروبا، الذي أقر بتورط قضاة المغرب في قضايا الرشوة، الحديث مرة أخرى على واقع الفساد في أوساط السلطة القضائية.
يظهر أن القانون المغربي لا يمنع القضاة من تلقي الهدايا والعطايا ورغم الشكايات المتعددة ضد القضاة الذين ارتكبوا أخطاء قضائية خطيرة ألحقت أضرارا مادية ومعنوية جسيمة بالمواطنين فإنهم لا زالوا جاثمين في منصات الحكم لسنوات عديدة بل أكثر من ذلك تمدد مهماتهم لسنوات أخرى، في الوقت الذي يوجد فيه شخصيات قانونية مثقفة نزيهة عاطلة عن العمل، كل هذه الخروقات والفضائح تتم في غياب التفتيش وانعدام مراقبة المحاكم وبقاء القضاة المشبوه فيهم في مناصبهم دون تأديب، وهكذا يوجد في محاكمنا قضاة يظلمون الناس ويحبون المال، كان القاضي في بني إسرائيل اذا اختصم له خصمان رفع أحدهما الرشوة في كمه فأراها للقاضي فلا يسمع إلا قوله . فنزلت الآية : “سماعون للكذب أكالون للسحت” والظلم في أي مكان تهديد للأمن والسلم، والقاضي النزيه العادل لا يبطل حقا و لا يحق باطلا و لن تكون عادلا ما لم تكن إنسانا، ودولة بلا عدل مثل النهر بلا ماء.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.