بقلم: *عبدالسلام العزوزي
ينتشي الساسة الأمريكيون وهم يكررون في كل مناسبة، أن المملكة المغربية هي البلد الأول في العالم الذي اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، والرئيس الأمريكي “جون بايدن”المنتخب منذ أقل من أسبوع، كان قد أعلنها مبتهجا عام 2014، وذلك في إطار قمة ريادة الأعمال بمراكش البهيجة،التي فاجأته بحفل عيد ميلاد رمزي،حيث كان يوم وصوله إلى مراكش هو يوم ميلاده.
ولأن اللحظة كانت جد حميمية وجد مؤثرة، اعتصر “بايدن ” بصفته نائبا للرئيس الأمريكي باراك أوباما الكلمات واختارها بعناية للمناسبة،فقال للمغاربة آنذاك؛ “الذي يجهله الكثيرون إن المغرب له مكانة خاصة في قلوب الأمريكيين”مردفا “لقد عشقنا بلدكم… فأنتم أول دولة اعترفت باستقلال أمريكا عام 1777…جئنا هنا لنقول لكم شكرا “.
ولأن فترة الرئيس “ترامب” المنتهية ولايته في العشرين من يناير من العام المقبل، كانت فترة ارتفع خلالها منسوب العلاقات بين البلدين إلى درجة الاقتراب من الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء، بعد إقرار إدارة البيت الأبيض على أن يطال الدعم الأمريكي الأقاليم الصحراوية، باعتبارها أقاليم ذات سيادة مغربية، وأيضا التقرير الأخير الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجلس الأمن توصي فيه بتمديد فترة المنورسو لعام كامل وتصويتها لصالح قرار مجلس الأمن 2548/2020، والذي امتنع عن التصويت عليه فقط دولتان هما روسيا وجنوب إفريقيا مقابل موافقة 13 دولة على القرار.
كل هذا الزخم المميز في العلاقات المغربية الأمريكية يطرح أمام الرئيس الجديد “بايدن” الخبير للعلاقات الخارجية بين البلدين خيارا وحيدا هو الدفع بهذا التميز في العلاقات، وبهذا الحب الذي يكنه الأمريكيون للمغاربة، كما عبر عن ذلك قبل ست سنوات، وأن يترجم شكر إدارة البيت الأبيض للمغرب بإعلانه عن فتح قنصلية للولايات المتحدة الأمريكية بالصحراء المغربية في الشهور الأولى من العام المقبل.
وبهذ القرار المنتظر، تكون إدارة البيت الأبيض قد وفت المملكة المغربية حقها فيما تعلن عنه من خطابات مناسباتية لم ترق بعد إلى الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين البلدين، وأيضا لم تترجم أهمية صياغتها للقرارات الأممية التي تجنح ضمنيا في تجاه مغربية الصحراء واعتبار المغرب بوابة إفريقيا الذي ينتظر أن ترفع الولايات المتحدة الأمريكية من منسوب علاقاتها الاقتصادية والاستثمارية في أقاليمنا الجنوبية، كما في باقي ربوع المملكة، في عهد الرئيس المنتخب “جون بايدن”، خصوصا وأن الصحراء المغربية تحولت الآن إلى منصة اقتصادية واستثمارية جاذبة للاستثمارات الكبرى بفضل توفر بنية تحتية جد متقدمة مع الربط الطرقي بين الأقاليم الصحراوية، وشق الطريق السريع الذي سيربط قريبا شمال المملكة بأقصى جنوبها في تجاه العمق الإفريقي..
وبفتح إدارة “بايدن” لقنصلية البيت الأبيض بالصحراء، ستكون قد عكست عمق العلاقات السياسية المميزة بين البلدين وعمق التعاون الأمني والعسكري، وأعطت الضوء الأخضر لباقي الدول الغربية والأسيوية لفتح مؤسساتها الدبلوماسية بهذه الأقاليم الصحراوية إسوة بباقي الدول الإفريقية والعربية التي ستتوالى فتح قنصلياتها في مقبل الأسابيع من العام الجاري.
إن الصحراء المغربية التي تعتبر ورشا مفتوحا متعدد المجالات والتخصصات وعلى شتى الأصعدة والمستويات المؤسساتية والدستورية والاقتصادية والسياحية والتجارية والفنية والثقافية والاجتماعية والرياضية والبنية التحتية المتقدمة، ستحول الصحراء التي كانت قبل أربعة عقود ونصف عبارة عن صحراء قاحلة، إلا من ساكنة موزعة عبر مناطق وخيم متنقلة بحسب توفر شروط عيش السكان، ومراكز للمستعمر الاسباني الذي لم يترك أثرا للمدَنِيَّة بهذه الربوع المغربية -ستحول الصحراء- إلى حواضر بكل المواصفات المدنية المعاصرة وإلى مساحات خضراء تنتج إضافة إلى واحات التمر المنتشرة عبر ربوع الصحراء، الخضر والفواكه ومختلف المنتوجات الزراعية من خلال توسيع المساحات المزروعة اعتمادا على السقي بالتنقيط واستغلال تحلية ماء البحر في المجال الزراعي وفق منهجية مخطط المغرب الأخضر وتوسيع مجال المنتوجات البحرية التي تمتد على مدى المحيط الأطلسي وتشييد موانئ فسيحة وجد متطورة، خصوصا ميناء مدينة الداخلة الأطلسي الذي سيكون رديفا لميناء طنجة المتوسط، ثاني أفضل منطقة اقتصادية في العالم بعد مركز دبي للسلع المتعددة بالإمارات العربية المتحدة.
وانطلاقا مما سبق الحديث عنه، ألا تستحق الصحراء المغربية أن تكون واجهة استثمارية جاذبة لكبريات المؤسسات الاستثمارية العالمية، خصوصا وأن العديد من كبار صناع القرار يؤكدون في كل المناسبات على أن العيون والداخلة تُعَدان منصتان اقتصاديتان واعدتان لولوج القارة السمراء؟ وأيضا، ألا يحق للمغرب أن يكون صريحا أكثر مع أصدقائه وأشقائه في أن يطرح عليهم سؤالا وجيها ،بالتوافق مع جرأة قرار مجلس الأمن الأخير وتدفق الدول التي فتحت بعثاتها الدبلوماسية بالعيون والداخلة، وذلك لطي هذا الملف المفتعل باستقبال مواطنينا الصحراويين المحتجزين بمخيمات الرابوني جنوب الجزائر،والسؤال هو: مَن مَع مغْربيَّة الصحْراء ومَن ضِدَّها؟.
صحافي ومحلل سياسي