عبد اللطيف مجدوب
تساؤلات مؤرقة
تساؤلات قديمة وحديثة ظلت تؤرق الباحثين في مجالات الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا العربية؛ لماذا تخلف العرب عن مسايرة الركب الحضاري؟ لماذا هم نزّاعون إلى الفوضى والانشقاقات والتشرذم، في مجتمعاتهم ومعتقداتهم، وفي كثير من الأحيان إلى العدائية الماحقة؟ Annihilating Hostile، ولماذا كانت أرقام الأمية والجهل والفقر ضاربة أطنابها داخل مجتمعاتهم رغم كل الخيرات التي تزخر بها بلدانهم، سواء على سطح الأرض أو في باطنها؟.
وقد اشتهر ابن خلدون بتطوافه بين عدة أقطار عربية، من مواقع مهنية اجتماعية جد حساسة، تارة كقاضي القضاة وفاصل في النوازل، وأخرى كعامل وكاتب في العديد من الدواوين والبلاطات الأميرية، ما جعله مطلعا ومتمرسا بالقضايا والخلافات ذات النزعة العربية والأعجمية؛ وبالنظر إلى الثقل المعرفي لكتابه الشهير “مقدمة ابن خلون” وقيمته السوسيولوجية، تبنته عديد من المعاهد الجامعية وبعض الدارسين والمستشرقين منهم خاصة، ومن ثم أجمعوا على اعتباره اللبنات الأولى لمبادئ علم “الاجتماع والعمران”، فضلا عن كونه أبرز الدراسات المتقدمة التي أماطت اللثام عن كثير من العادات والميولات الفكرية التي صاحبت الإنسان العربي منذ وقت مبكر، سواء على مستوى الأسرة كخلية اجتماعية أولى، أو على المستوى السياسي وعلاقته بالعمران، وقضية “العصبية” .
حضور الخلدونية في النظرة الغربية
وقوف ابن خلدون على تاريخ الأسر العربية الحاكمة والنزاعات الدموية التي صاحبت العديد من أحقابها وفصولها، من جهة، ودراسته بعض الأعراق التي ترعرعت في شبه الجزيرة العربية قبل وبعد ظهور الإسلام، كونت لديه نظرة فاحصة ومتبصرة إلى “الشخصية العربية”؛ من تكون؟ وما هي خصوصياتها؟ ومن ثم اهتداؤه إلى بناء “نظريته” حول نشوء العمران، وحظ الجنس العربي منها، وما ترسخ في جيناته من معاني “التخريب”، “والفوضى”، “والتسلط”، “واتفقوا على ألا يتفقوا”… وهي المعالم نفسها التي احتفظ لنا بها التاريخ السياسي العربي الحديث، حيث تتوالى محاولات الانقلابات العسكرية، وقيام النزعات الانفصالية، وأخيرا ظهور تنظيمات وحركات راديكالية متخفية وراء أصول إسلامية.
“العرب غير مؤهلين لنظم ديمقراطية” !
شكلت ثورات “الربيع العربي” مفصلا فارقا في التاريخ السياسي العربي الحدي ، تلقفه الغرب كمؤشر حيوي على تخلف النضج السياسي لدى المواطن العربي، ومن ثم نزوعه وميله إلى الفوضى والتخريب والنهب، كلما وجد إلى ذلك سبيلا، طالما أن أنظمته السياسية الحاكمة لم تقم مؤسساتها على أسس ديمقراطية سليمة، بقدر ما كانت موالية للنظام الحاكم وخادمة لمصالحه في الدرجة الأولى، بيد أن اختفاء راعيه فجأة من مسرح الأحداث يخلف هوة عميقة داخل مكونات المجتمع، وبالتالي تسارع قوى ظلامية متطرفة للإمساك بزمام السلطة، إذا لم تواجه بقمع من طرف المؤسسة العسكرية. كل هذه الخصوصيات وغيرها رسخت نظرة غربية تقزيمية ومتوجسة من الفعل العربي، حتى ولو كان متواجدا خارج بيئته الأصلية، كما رسخت لديه عدم الثقة، سواء في تعامله مع السلطة أو المال والتجارة، رغم وجود استثناء يكاد يكون ضعيفا إذا كان (هذا العنصر العربي) حاملا لمؤهلات علمية وترعرع في أحضان مناخ ديمقراطي غربي صرف؛ لذا وجدنا أن الأنظمة السياسية العربية، في معظمها، مخترقة تأتمر في شؤونها بإيعاز من أطراف قوى أجنبية، لاسيما التي كانت بالأمس مستعمِرة لها.