عبد اللطيف مجدوب*
مدخل عام
يتعرض قطاع التعليم؛ وعلى مدى عقود؛ إلى ارتجاجات عنيفة جراء سياسة ارتجالية وانتقائية حزبية ضيقة أسفرت عن مجموعة من الاختلالات البنيوية، دوما كانت تختزلها إشكالية الفوارق المهولة بين مدخلاته ومخرجاته، أو بالأحرى بين الميزانيات الضخمة التي ترصد له وبين ضحالة نتائجه على مستوى تعلمات وتكوينات الأطر المغربية عامة، والتي يشهد الواقع الميداني وكذا الملاحظة الأمبريقية على هزالة أدائها المهني وضعف مردوديتها، إلى حد أنها غير مؤهلة للتنافس داخل السوق الدولية للشغل.
وقد زادت أن اشتدت حلكة آفاقه في أعقاب تفشي وباء كوفيد ـ 19 وشل التعليم بالكاد من حيث تمدرس التلاميذ وانتظامهم داخل الحجرات الدراسية، وهكذا وجدنا منظومة التعليم في مفترق طرق وطرائق صعبة، بين الحضوري وشبه الحضوري وبين العن بعد وشبهه أو الحضور الدوري، ناهيك عن صيغ تعلماته وأدوات التواصل بها، علاوة على أطره ما إن كانت تلقت تكوينا في تمرير التعلمات والمهارات إلى التلاميذ في هذه الظروف الصعبة أم لا.
هل هناك تأهيل لأساتذة التعليم (بزمن كورونا)؟
كانت وما زالت الارتجالية هي الخطوات السائدة التي وسمت تدبير ملف التعليم على مستوى تأهيل أطره في التعامل مع المناهج الدراسية، في ظل التدابير الاحترازية التي تفرضها جائحة كورونا؛ كالتباعد بين التلاميذ في الحجرة الواحدة والتخفيف من سعة التلاميذ عموما داخل المؤسسة التعليمية.
وقد كان حريا بوزارة التربية الوطنية تنظيم أيام دراسية كخطوة أولى لإخضاع الأساتذة لتكوينات مبرمجة تنصب أهدافها أساسا؛ على تنفيذ “المقررات الدراسية” بصيغتين مختلفتين؛ الصيغة الحضورية (بتخفيف أعداد التلاميذ داخل الحجرة الواحدة)، ثم الصيغة البعدية (الأدوات والمعدات الإلكترونية التي يتوجب المرور عبرها إلى المتعلمين). فحتى الآن ما زالت هناك اضطرابات واختلالات تقنية تسود هذه الحصص الدراسية، ليكون التلاميذ في الموعد عبر شاشاتهم المنزلية الصغيرة لمواكبة التعلمات والمهارات التي يبثها الأساتذة إليهم… تظهر في شكل طنين إلكتروني وغوغاء وتقطع الأصوات ونداءات.. مما يحمل معظمهم على الشرود على هامش الحصص الدراسية، أو الالتفات إلى مصادر منبهة داخل منازلهم.
أما التعليم الخصوصي فكارثة أشد وطئا!
من الحقائق الدامغة التي لا يجب أن تعزب عن ذي بال، أن الأطر التعليمية العاملة بقطاع التعليم الخصوصي لا تخضع لا لتكوينات لا قبلية ولا بعدية ولا دورية، ومعظمها وفد من التعليم الثانوي أو ممن فشلوا منذ مدة في اجتياز امتحانات البكالوريا. كما أن أربابه والقائمين على معظم مؤسساته، ليس واردا أصلا في مناهجهم الدراسية التنصيص على تكوينات لفائدة أطرها، وتكاد مرتباتهم وأجورهم أن تكون على صلة بالأقدمية، وإن كانت تنحصر في عمومها بين 2000 ـ 3000 درهم/ش، قابلة لاقتطاعات وهمية تبعا للتغيبات، سواء كانت مبررة أو غير مبررة.
لكن الأمرّ من هذا؛ وحتى تتوضح نزعة الانتهازية والجشع التي تحرك أربابه؛ وجود تواطؤ مفضوح بينها وبين كبار المسؤولين المركزيين في الوزارة، فمعظمهم إن لم نقل كلهم “يمتلكون” مؤسسات تعليمية خاصة أو يشرفون عليها عن بعد، وهكذا وجد الآباء والأمهات ـ ممن ينتمي أبناؤهم إلى هذه المؤسسات ـ الأبواب موصدة أمامهم، كلما طالبوا بحقوقهم في تخفيض رسوم التمدرس التي تثقل كاهلهم، فلا الحكومة ولا الوزير بقادرين على التدخل لصالح شريحة واسعة من أولياء التلاميذ؛ حتى إن منح شهادة الانتقال أو الإشهاد بالنجاح؛ في مؤسسة تعليمية خاصة؛ تخضع؛ من جملة الشروط الإلزامية؛ إلى دفع كل “المستحقات” وحمل صك “تبرئة الذمة”!
لكن الأخطر؛ في خضم هذا التعليم؛ أن تكوين التلميذ جد ضعيف يغلب عليه الجانب الترويضي أكثر من التربوي، ونجاحه أو صعوده إلى المستوى الموالي ليس رهينا بالنقط الدراسية قدر ما هو خاضع لتسديد النفقات مدعمة بالبقشيش.
حقيقة صادمة !
ظل لفترة مديدة ترويج خطاب “المجانية” في التعليم، أعقبته نداءات خفية “بنزعها”، لكن واقع توظيف الأطر المغربية أفرز حقيقة صادمة، ليس في قطاع التعليم فحسب بل يكاد يسري مفعولها على كل القطاعات؛ الاقتصادية والخدماتية، ذلك أن الأسبقية في القبول بالتوظيف تمنح للوافدين من التعليم الخاص في الثانوي أو الجامعي، بغض الطرف عن درجات ومؤهلات المترشحين، فالمنتمون منهم للقطاع العمومي لا ينالهم سوى الفتات من مناصب التشغيل والتوظيف، أو بالأحرى النسب الشحيحة الفارقة بين مناصب الشغل الفارغة وما تبقى منها بعد عملية الكوطا “المجحفة”، ليتضح في الأخير وأْد المجانية في التعليم الوظيفي، ما دفع بمعظم الشرائح الاجتماعية المغربية إلى السباق المحموم من أجل ضمان مقعد دراسي لأبنائهم في حظيرة التعليم الخاص، واضطرارهم إلى الاقتراض وتضييق فسحة عيشهم في سبيل تمدرس أبنائهم، لكن؛ وعلى الرغم من مرارة هذا الواقع التعليمي؛ ما زالت دار لقمان على حالها، وما زال التعليم الخاص خاضعا في برامجه ومناهجه لأساليب تربوية عتيقة تنحصر في السبورة والطبشورة والكراسة والمعلم(ة) على الرغم من المداخيل المالية الضخمة التي يدرها على مسؤوليها.. حتى أضحى استثمارا ربحيا بحتا، وليس استثمارا تربويا في صالح فلذات أكبادنا، فهلا ارْعوت الحكومة لهذه الكارثة وأعادت النظر جذريا في فلسفة التعليم وهياكله ومناهجه وأطره ووسائطه؟!
*مفتش منسق تربوي بوزارة التربية الوطنية سابقا