عبد اللطيف مجدوب
تداعيات ضربة 9/11
منذ ضربة 9/11 والإطاحة بزعيم القاعدة أسامة بن لادن؛ والفيالق الأمريكية تتعقب؛ ليل نهار، سرا وعلانية؛ كل خلية تشتم فيها رائحة الانتماء إلى تنظيم إسلامي، تعلق الأمر بداخل أفغانستان أو جارتها باكستان، بل قامت بتعطيل العلاقات الاقتصادية بين العديد من الدول في آسيا والشرق الأوسط، وجعلتها مشروطة بتولي الحرب بالنيابة ضد أي كيان إسلامي سياسوي؛ والذي رأت فيه وما زالت؛ تهديدا حقيقيا لمصالحها ومحاولة لشل وجودها. بيد أن الفكر الاستراتيجي الغربي؛ ووصولا إلى تطهير العالم من الفكر الإسلاموي؛ قام باستنبات الخلية الأولى لتنظيم داعش، وجعلها آلية عسكرية لمواجهة التنظيمات السياسية المناوئة له، كالشيعة والسنية والسلفية والوهابية..
هكذا، ومذ عقدين أو بالأحرى منذ ضربة 11/9/2001 وحتى الآن، ما زالت الحركات الإسلامية تتعاظم حينا بعد آخر، وكان لسقوط أفغانستان المدوي بيد حركة طالبان أكبر مؤشر على فشل الاستراتيجية الأمريكية في قمعها للحركات الإسلامية، واندحارها أمام توسع رقعة الإسلام السياسي. فأي سر وراء هذا الإخفاق غير المتوقع؟!
أعمال البر والإحسان ممر إلى امتلاك القلوب
كانت أعمال البر والإحسان الخلية الأولى التي قام عليها الصرح الإسلامي في مستهل الدعوة الإسلامية، كانت كل حركة أو تنظيم إسلامي ومن خلال شبكة تواصلها مع الآخرين لا تنفك عن تقديم الدعم والمساعدة لهم؛ على تواضعها؛ لتأصيل وحدتها وتقويتها وحشد مزيد من المناصرين لها، وهي نفس الاستراتيجية الي شهدتها نهضة الإسلام في ربوع الجزيرة العربية: الأخذ بيد الضعفاء من ذوي الطبقات الفقيرة (والتي كانت تشكل الأغلبية الديمغرافية من المجتمع الإسلامي الأول من المهاجرين والأنصار)، وهو لم يألفه نظام المعاملات الذي كان يحكم علاقات القبائل العربية قبل ظهور الإسلام، والذي خضع دوما لإبرام العقود وتحرير الذمة وحضور الشهود..
لكن الفكر الغربي لم يول كبير اهتمام لسؤال ظهور التنظيمات والحركات الإسلامية واتساع رقعتها، بل توجه رأسا إلى رؤوسها والعقول المدبرة لها لتصفيتها؛ كما لاحظناه في تعقب الإسلام السياسي في كل من إيران والعراق ولبنان وسوريا.. على أن هذه الاستراتيجية “في امتلاك القلوب” لا يمكن اعتبارها خلية أصيلة في قيام كل حركة إسلامية الآن، بل وجدنا لها نقيضا في أعقاب ثورات الربيع العربي وما أفرزته؛ في حينه؛ من تنظيمات إسلاموية متعطشة للسلطة، ظلت حتى الآن محل نزاعات وأحيانا اقتتالات دموية في العديد من مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أطراف مناوئة على صلة بهذه الحركات
دشنت أمريكا؛ في أعقاب ضربة 9/11؛ سلاحا فتاكا لمقاومة “الإسلام الإرهابي”، كما تطلق عليه أحيانا، تمثل في خلق نواة لحركة إرهابية مضادة من جنس المناطق محل التجاذبات السياسية والعسكرية، فتنظيم الدولة داعش؛ على سبيل المثال؛ كان ولا يزال يعمل لحساب إسرائيل وأمريكا في المنطقة، وهو أصلا وجد كجزء من استراتيجيته للحد من طموحات تنظيم القاعدة وأداة للتسلح وتأجيج الصراعات الإقليمية. ويمكن القول مطلقا إن قضية تمويل هذه الحركات والتنظيمات الإسلاموية هي المحرك الأساس في توسيع رقعتها الجغرافية واستقطاب المزيد من عناصرها، فكلما كانت متاحة وسلسة، كلما امتدت أنشطتها واحتدّت شوكتها.
أفغانستان اليوم؛ وبعد سقوطها بأيدي حركة طالبان؛ ستتحول لا محالة؛ وتبعا لتخمينات استراتيجيين عسكريين أمريكيين؛ إلى مستنقع لحروب أهلية بين عدة مجموعات إثنية بعضها ذات توجهات انفصالية، ففرار عناصر حركة أحمد مسعود أمام نيران طالبان في الآونة الأخيرة ستجد فيها بعض الأطراف الدولية فرصة سانحة لتأجيج الصراعات بين قوى عسكرية موالية لهذا الطرف أو ذاك، وبالتالي تكريس حالة اللاأمن في أفغانستان وفتح قنوات تسليح عناصر جديدة.