عبد اللطيف مجدوب
حضور لافت في الثقافة الشعبية
تزخر العديد من وسائل الميديا، تتوسطها منصات التواصل الاجتماعي، بما فيها الحكايا والأحاديث المروجة بين الأفراد، بقصص لوقائع وأحداث ينقلب فيها الخير نقمة على فاعله؛ سواء تعلق الأمر بنجدة شخص وقع تحت حادث سير أو بمنح سلفة لصديق أو إغاثة غارق على حافة الهلاك.
ويلاحظ أن تداول هذا المثل الشعبي يزداد حدة كلما استوطن الإنسان التجمعات الأكثر كثافة؛ سيان بين أن يكون اليسار حاضرا أو غائبا، وبغض النظر عن مستوى “الوعي” لدى الطرفين؛ فاعل الخير والمتنكر له؛ كانا من الجنس الخشن أو الناعم. لكن؛ وأمام حدة حضور هذا المثل؛ هناك استثناءات تظل ضئيلة، تهم الصدقات العابرة لدى المتسولين أو الاكتتابات المادية في دعم مشروع خيري؛ كبناء دور العبادة واقتناء أضاحي العيد، ولو أن هذه الأخيرة “بناء المساجد” أصبحت مؤطرة بمساطر إدارية ومالية معقدة.
هل عنصر الخير أصبح مقننا؟!
غني عن البيان أن قيم الإسلام السمحة كانت في ما مضى الإطار الأساس في كل المعاملات (الدين المعاملة)، كانت صور الإحسان وأعمال البر الأكثر بروزا، إلى جانب حضور عامل الثقة بين كل الأطراف {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [3: 92]، لكن مع تغول القيم المادية وارتهان الجانب الاقتصادي في الحياة، وقع التنكر لهذه الشيم؛ من إسداء عون وفعل خير.. تحت ذريعة تداعياتها الخطيرة أحيانا، وما تجلبه لصاحبها من حالات النقمة والوقوع في المكروه، وهي ظاهرة تشي؛ في عمومها؛ إلى التوجس واللاثقة والتشاؤم واتقاء الشر..
اتق شر من أحسنت إليه
علاوة على هذا؛ نجد القاموس العربي حافلا بأمثال تكرس لهذا التوجس والحيطة والحذر من المتلقي للخير، منها على سبيل المثال: “إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم تمردا”، يقابله في الثقافة الأنجلوساكسونية قول: Beware the man who has receipted charity from you “؛ احذر من أحسنت إليه، “charity is injurious unless it helps the recipient to become independent of it”؛ الصدقة ضارة ما لم تحمل المتلقي على أن يصبح مستغنيا عنها.
وكلها تروم وجوب الحذر والحيطة من كل صنيع خير؛ يريد الشخص الإقدام عليه، ولنا أمثلة حتى في تقديم الإسعافات الأولية من طرف شخص تجاه آخر مصاب جراء حوادث المرور؛ كحوادث السير التي تجبر السائق؛ في حالة مصادفته لحادثة؛ تحاشي الوقوف عندها ليلا يتعرض لمكروه، لكن مع ضرورة إبلاغ أقرب مركز للشرطة.
الجزائر أبرز مثال سياسي!
مثل “اتق شر من أحسنت إليه” يجري في واقعنا بخلفيات متنوعة؛ في معظمها بين الأفراد، كما أنه ينطبق على المجموعات أو بالأحرى بين دولتين مجاورتين، كالمغرب في علاقته بالجزائر، فالتاريخ القريب والبعيد يشهد على أيادي بيضاء أسداها المغرب للجزائر في عدة محن، نكتفي ببعضها في المحطات التالية:
* معركة إيسلي 1844 والتي خاضها المغرب ضد القوى الاستعمارية تضامنا مع الجزائر ومع ثورة الأمير عبد القادر؛
* مساهمة جيش التحرير المغربي في استقلال الجزائر بتقديمه لكافة أشكال الدعم إلى جبهة التحرير الجزائرية؛
* زلزال الأصنام (الشلف حالياً) الذي ضرب الجزائر سنة 1980، فسارع المغرب إلى إعلان تضامنه ومشاركة الشعب الجزائري آلام نكبته بمقاطعة ذبح أضاحي العيد.
لكن وأمام هذه الأيادي البيضاء، وتنكرا لكل علاقات الجوار والتاريخ… أقدم حكام الجزائر على خطوة حقودة وصاغرة وأمام الرأي العام الدولي وفي أيام عيد الأضحى؛ تمثلت في “المسيرة الكحلا”؛ كما يسمونها كرد فعل على المسيرة الخضراء المغربية لاسترداد أقاليمه الصحراوية؛ وهي عملية تهجير قسري وطرد جماعي شملت 350.000 مغربي من أصول مغربية جزائرية؛ تم فصلهم عن ذويهم.