الملك محمد السادس، في خطاب افتتاح دورة البرلمان المغربي، منتصف أكتوبر الماضي، دعا مكونات الشعب المغربي، السياسية والمدنية، إلى التعبئة القصوى والمتجددة، من أجل صيانة المكاسب الدبلوماسية، التي تنامت انحيازا للحق الوطني المغربي في وحدته ونصرة لمغربية أقاليمه الجنوبية. مُلحّا على أنه “رغم كلِّ ما تحقق فإن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع المزيد من التعبئة واليقظة لمواصلة تعزيز موقف بلادنا، والتعريف بعدالة قضيتنا، والتصدي لمناورات الخصوم.”
غضب حكام الجزائر، من هزائمهم الدبلوماسية وكساد تجارتهم الانفصالية ضد المغرب، كان في حسبان ملك المغرب وأدرجه في توقعاته. لذلك ألحَّ على اليقظة الوطنية الشاملة والنوعية، ولم يتأخر السعار الجزائري في الإعلان عن نفسه. الجنرالات الحكام وجدوا أنفسهم في وضع المفلس في خسارة مقامرة، دامت نصف قرن، على الإضرار بالمغرب، ولم يتحصلوا إلا على الضرر المعنوي والملموس لأنفسهم. سعارهم اليوم في أعلى درجات قياسه.
في أسبوع واحدٍ، اعتقلوا الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، لأنه صرَّح بما يعرف من أنَّ فرنسا اقتطعت، لفائدة الجغرافية الجزائرية، الأراضي الشرقية المغربية، وضمنها إقليم تندوف. وقال أيضا بأنّ بوليساريو مجرد افتعالٍ وخرافةٍ جزائرية. وهو اليوم مهدَّد بالحكم عليه بأكثر من 20 سنة سجنا..
في نفس الأسبوع، نظّموا بالجزائر العاصمة “حفل” الإعلان عن اليوم الوطني الأول “لجمهورية الريف”، ضد “الاحتلال” المغربي. وفروا لتلك “الجمهورية” محتالين وقرصنوا اسم الريف المغربي.. وعدوهم بنعائم تمثيل وهم جمهورية. وفي الإعلام الدولي والمغربي، كشف لمخطط “طموح وسخي” لتحريكهم دوليا ضد المغرب.
الإعلام الجزائري، المتصل بالجنرالات الحكام، استبق عرض الكاتب بوعلام صنصال على المحكمة، بأن كال له تهمة الخيانة الوطنية والمس بوحدة التراب الوطني، واتخذه مطية لحملة، عنيفة ومعتادة، ضد المغرب، وضد فرنسا. الرجل وُضع حشوة لمدفع السعار الجزائري ضد التوافق المغربي – الفرنسي على حقائق التاريخ وعلى التجاوب مع نداءات المستقبل.. جنرالات حكم الجزائر شد أعصابهم أن الرئيس إمانويل ماكرون، لم يقل وحسب، باسم فرنسا، بأنّ حل نزاع الصحراء لا يصح إلا في الإقرار بالسيادة المغربية على تلك الأقاليم.. الرئيس، أيضا، صب في الذاكرة الوطنية المغربية شلالات من وثائق الحقبة الاستعمارية الفرنسية في المنطقة المغاربية، شلال بحجم أكبر من مليونين ونصف مليون من الوثائق، وضمنها الحقائق التي صرّح بها المعتقل الآن، الكاتب دائما، بوعلام صنصال.
حكام الجزائر يمنون أنفسهم بتعطيل التفاهم الفرنسي – المغربي، وقد غاظهم أن يزور الرئيس الفرنسي المغرب، وبتلك الفخامة الملكية، وبتلك الدفعات القوية للعلاقات المغربية – الفرنسية.. بينما جسر ذهاب الرئيس عبدالمجيد تبون لزيارة فرنسا “ألمت” به أعطاب عصية على الإصلاح. هم الآن يفاوضون فرنسا عن بُعد، وقد استهلوا مدخلهم لتلك المفاوضات بالكاتب بوعلام صنصال. وإعلامهم مصرٌّ على وصفه “بالفرنسي المتصهين، وعميل المغرب”. صفة الجزائري، نزعها عنه الإعلام الجزائري الموجه، يريده مجرد فرنسي وعميل للمغرب. بذلك أعطى لاعتقاله بُعدا دوليا، وأخرجه من الشأن الجزائري الداخلي.
بوعلام اهتدى، بنزاهة بحثه في حقائق التاريخ، إلى ما يُتابع عليه الآن في الجزائر.. وهو لوطنيته الجزائرية، رفض أن ينفي نفسه في فرنسا. عاد إلى وطنه، واثقا من خلوّ صحيفة سيرته من أي “تحريض فرنسي أو مغربي له. في مطار الجزائر، جُرِّد من لباس وطنيته وأُلبس خرقة العمالة. حكام الجزائر أدخلوا أنفسهم في رهان مقامرة أخرى خاسرة من شأنها أن تعقد مسار سعيهم إلى استعادة، ولو بعض، فرنسا إلى جانبهم. أما حقائق الصحراء الشرقية، وضمنها تندوف، فالمغرب لم يغفل عنها. ومنذ الملك محمد الخامس الذي أرجأ البحث فيها إلى حين استقلال الجزائر، وهي حتى اليوم قيد الإرجاء إلى حين أن تستقل الجزائر من عدوانية حكامها. أو إلى حين أن يعالجوا أنفسهم من “فوبيا المغرب”. حينها ستكون تلك المنطقة من بين فضاءات التعاون المغربي – الجزائري الأخوي.
مع فرنسا، بقضية الكاتب بوعلام صنصال، حكام الجزائر أضافوا لأزمتهم أزمة أخرى. وهذه المرة انخرط الإعلام الفرنسي ومثقفو فرنسا في الانزعاج الوطني الفرنسي من تمنعات جنرالات الجزائر ومزايداتهم وانفعالاتهم. وليس هناك من مؤشر على إخماد لتلك الأزمة لفائدة الجنرالات.
حكام الجزائر، وهم يحاولون المشاغبة ضد المغرب بـ”بالون” نفخوه بحقدهم، وأسموه “جمهورية الريف”، خاسرون في المبنى وفي المعنى وفي الأصل وفي المنتهى، كما خسرت كل رهاناتهم ومراهناتهم السابقة والمستمرة.
لا يكفي أن توفر الملايين من اليوروهات، وتجنِّد بها مرتزقة، من الذين عافهم مغاربة الريف في بعض الديار الأوروبية.. مرتزقة ونصابون، لفظهم حتى زملاء لهم في النصب والاحتيال، وتقول هؤلاء قادة “جمهورية الريف”. بتلك الملايين وبمثل ذلك النوع من المرتزقة يمكن أن تعلن عما شئت من جمهوريات، وهمية.
مغاربة الريف المغربي، وطنيتهم المغربية ناصعة وراسخة وأصيلة. ورمز مغربيتهم وبطولاتهم الوطنية هو القائد عبدالكريم الخطابي، الأمثولة في مقاومة الاستعمار والذود عن استقلال المغرب. وهم على التخوم الشمالية للمغرب صدوا، على مدى التاريخ المغربي، حماية للكيان الوطني المغربي، كل محاولات اختراقه أو النيل من وحدته. واليوم، أيضا، هم في المقدمة، لتسفيه ونسف كل انتحال لصفة الريف السامية، من أي متآمر أو مرتزق ضد المغرب، بريفه، وبكل جهاته وأقاليمه.
حكام الجزائر، يحتاجون إلى حكيم، من بينهم أو من خارجهم، ينبههم إلى أن الوطنية المغربية صلبة، راسخة وموحدة. وقد أفادت بصفاتها تلك حرب التحرير الجزائرية، لأن الوطنية المغربية كانت دعامة وسندا للوطنية الجزائرية. وحتى يومنا هذا، والمغاربة في كل مناطق المغرب، وفي مقدمتها الأقاليم الصحراوية ومنطقة الريف المغربية، يذودون عن وحدتهم، ومصطفون ضد التآمر على المغرب في المنازعة الجزائرية حول مغربية صحرائه، والسلامة الوطنية لريفه. كل ذلك، وهم يأملون في أن يراعي حكام الجزائر مصلحة الجزائر في أن تستفيد من مغرب موحد، قوي ومنتج.
وللحكيم، إذا وجد، والتمس حكام الجزائر حكمته، أن يوضح لهم بأن عوامل فشلهم في تآمرهم الانفصالي على مدى حوالي نصف قرن، هي نفسها التي ستفشل تآمرهم هذا الأخير والمكشوف.
هذا التآمر منطلقه سعار وتشنج مهزوم، وهو بذلك فاقد للقدرة على الذهاب بعيدا. فضلا على الوطنية المغربية القوية، العميقة والمتحمسة، وفي المقدمة منها وطنية مواطنينا في جهة الريف. فضلا على أن الانحياز الدولي، النوعي والعارم والمتزايد، للحق المغربي، هو انحياز للمغرب، كل المغرب. مغرب الفاعلية الدولية والجدارة الاقتصادية والممكنات المفتوحة على المستقبل، أفريقيا، عربيا، أوروبيا ومتوسطيا.
من يقول لحكام الجزائر انضموا إلى مستقبل المغرب، المفيد لكم. وتخلصوا من سكرة الماضي ومن هواجسه ومن أحقاده. توقفوا عن الانشغال بوهم الانفصالات وعن إدمان الفشل في التآمر. وتعالوا إلى واقعية الوحدة المغاربية وآفاقها الواعدة.
يوجد ذلك الحكيم أو لا يوجد.. المغرب في حالة تأهب وطني دائمة، قوامها تعبئة شعبية ملتحمة، مع قيادة ملك مقتدر بنفسه الوطني، وبتطلعاته الإصلاحية والتحديثية.. وتلك هي مناعة المغرب.
طالع السعود الأطلسي
كاتب مغربي