عدوانية بتصميم إبادة الجنس البشري!

admin
كتاب واراء
admin11 مايو 2020آخر تحديث : منذ 5 سنوات
عدوانية بتصميم إبادة الجنس البشري!

عبد اللطيف مجدوب

قصة تسافر بالقارئ في رحلة مثيرة بين الجشع والموت، تتعدد شخوصها بين خبراء في الكيمياء الجرثومية وبين منتجي الأسلحة، كما تتنوع أمكنتها الجغرافية بين القارات الثلاث؛ أوروبا وأمريكا وإفريقيا، تعرف توظيفات تقنية جديدة في مجال المعلوميات والمواصلات والتواصل، علاوة على استعراضها لسباق خفي بين الاستخبارات الروسية والأمريكية. تعرض؛ في جوهرها؛ عدوانية الإنسان حينما تتحدى حدود الجغرافية البشرية.

مركز للأبحاث البيولوجية تحت الأرض

كان على متن سيارته تيسلا Tesla ذاتية القيادة، في طريق متعرج وسط غابة كثيفة من أشجار السنديان، نظراته سارحة في فضاء يعانق موجات من الضباب الكثيف الذي كان يلف المنطقة، أشعل غليونه وقعد يتأمل أرقاما تومض في البورد.. حمل سماعة بجواره وجعل يتصل:

ــــ “.. آه.. هذه أنت.. مارينا.. سأصل في غضون دقائق.. نعم السائق الآلي خفض من السرعة لتعذر رؤية الطريق بوضوح.. ها.. ها.. ها.. نعم الروبوت هو الآخر يعاني من ضعف البصر..”.

توقفت السيارة عند مدخل دهليز في سفح جبل صخري؛ ما زالت بقايا ندف ثلوج تكسو جنباته. ضغط على زر بجهاز يدوي لتنفتح أمامه بوابة حديدية تقود إلى مركز للأبحاث البيولوجية العسكرية؛ على مسافة عشر كيلومترات تحت الأرض، وعلى علو خمس كيلومترات من سطح البحر.

ولج عبر باب إلكتروني، قبل أن يرتدي سترته الواقية ويتفقد أشغالا كانت جارية هناك من قبل فريق من الخبراء؛ نظراتهم مسمرة على شاشات متصلة بقاعدة بيانات للتجارب البيولوجية؛ تقع داخل قبو غير بعيد عنهم.. حانت منهم انحناءة رأس كلما توقف البروفيسور هاردي عند أحدهم، قبل أن يستقل مكتبه ويلقي نظرة على مجموعة من التقارير السمعية-البصرية، سيوقف الشاشة وتذهب به نقراته إلى تفاصيل وبوابات عديدة لينتهي إلى صورة جرم في شكل حبة توت هندي.. أخذ يتأمل هويته ومدى قدرته على تدمير الجسم البشري. سحب عنه قناع الرأس وأخذ في مداعبة ذقنه النحيفة مليا، قبل أن يرقن تركيبة كيميائية؛ كان يحتفظ بها في علبة إلكترونية وسط أقراص مرقمة بدرج مكتبه.

ستومض سماعة في حجم حبة عدس مثبتة على صدره:

“.. هيلو.. المستر بابلو.. أهلا.. كنت أتوقع أن تهاتفني.. نعم.. هي جاهزة.. لكن يلزمنا تجريبها.. فأنسجة الفئران لم تعد كافية.. وسنضطر إلى تحديد بيئة بشرية لنتأكد من مدى قوة تدميرها.. نعم؟!.. كيف!!! أفغانستان.. أفغانستان..!”.

قعد في كرسيه واجما؛ بين الفينة والأخرى؛ كان يعاود النظر إلى التركيبة الكيميائية التي ما زالت تومض على الشاشة، عبّ نفسا عميقا من غليونه ليستتبعه برشفة قهوة سادة، بينما كانت أنامله ترتجف قليلا وهو يمر بها على شفتيه، ولعله كان يستحضر في ذاكرته مقدار الدمار الذي يمكن أن ينجم عن استعمال ذلك السلاح الجرثومي..

كان هاردي في مقتبل عمره يتمتع بتقدير خاص من قبل زملائه في مركز الأبحاث والتجارب البيولوجية، وزاد انزواؤه عن الآخرين أن أكسبه هبة في نظر العديدين منهم؛ كانت كرة المضرب اللعبة المفضلة لديه، يمضي أيام الآحاد في مزاولتها بحديقة منزله الريفي المطل على شلالات نهر يلوستن، معظم أوقات فراغه كان يصرفها في القراءة، وبصورة خاصة كتاب “الحرب الجرثومية الماحقة” الذي كان يحتل إحدى زوايا منضدته إلى جوار كتاب “قذارة النظام العالمي”

The global Order Dirtniness of؛ الذي كان يصحبه في كل تنقلاته حتى بدا لون حواشيه ضاربا إلى الاصفرار من فرط تناوله بين يديه وإعادة قراءته مرات.

كوماندو يستكشف تضاريس تورا بورا

عانت أفغانستان جراء تنظيمات إسلامية جد متطرفة؛ قسمت المجتمع الأفغاني إلى شرائح، شريحة تدين بولائها لتنظيم القاعدة وشريحة تابعة لتنظيم طالبان، وأخرى موالية للنظام السياسي القائم بأفغانستان؛ كثيرا ما كانت مستهدفة من قبل مجموعات مسلحة، سواء داخل دورهم أو في تحركاتهم.. لا تتوانى عن تعريضهم للتصفية الجسدية إذا هي أعلنت ولاءها جهارا للحاكم الأفغاني، والذي لم يكن يتردد في مناوأة خصومه، تارة بتأليب قوى أجنبية ضدها وتارة أخرى بالمهادنة. معظم قواتها كانت تأوي كهوف مرتفعات تورا بورا شرقي أفغانستان، لصعوبة اختراق تضاريسها.

في ليلة ظلماء باردة من ليالي دجنبر، لاحت في الأعالي هيلكوبتر عسكرية، تخترق سحبا داكنة، تحوم باتجاه سفح بغور عميق.. خف أزيزها قبل أن تشرع في إنزال فرقة المظليين؛ ينزلون تباعا في ضوء كشاف صادر من الحوّامة، كانوا أربعة يتقدمهم بوركيش كراتشوف؛ أحد أعمدة الطيران العسكري الروسي، كانوا مأمورين بأخذ عينات من التربة والنبات والمياه التي تزخر بها تلك الأحراش الجبلية الوعرة. قائد الطائرة ريشبانوف يتلقى مكالمة من قصر الكرملين:

– “.. هيلو.. إننا نتتبع خطواتكم، لكن ثمة ضباب يبدو حال بيننا.. ربما إنكم عائدون من المهمة.. أليس كذلك ؟”.

– “.. ليس بعد سيدي.. وظلمة الليل البارد عملت على..”.

– “.. حسنا…. حسنا.. سنعيد الاتصال”.

أومأ بإشارة ضوئية إلى أفراد الفرقة ليقفلوا عائدين إلى الهيلكوبتر.. أثناءها انضم كراتشوف إلى قمرة القيادة جوار الربان الكابتن ريشبانوف الذي كان غارقا في التفكير وإيجاد مسوغات للربط بين العمل العسكري وعينات التربة والنبات والماء.

تصنيع أسلحة جرثومية

كان يقف ببهو بناية شاهقة ذات خمسين 50 طابقا يتخابر مع أحد وسطاء شركات صنع الأسلحة:

– سيمون “سأكون في انتظارك بالبهو لتناول فطورنا سويا..”، عاد مرة أخرى للاتصال بجهة مهتمة بتوريد الأسلحة:

– “.. أهلا.. كم اشتقت إلى رؤية تلك البطن المترهلة وهي تركض خلف كرة التنس.. ها ها.. ها.. ها، لدي عرض مغري جدا وربما سيكون مفتاحا لإنهاء قلقكم بخصوص موضوع “الحرب الخبيثة”.. سأعود للاتصال بكم وتحديد مكان اللقاء”.

توقفت سيارة الليموزين بالباب الخلفي من البناية، ليتولى السائق الذاتي الأوتوماتيكي ركنها بكراج تحت أرضي معتم.

– جاكوجي “هيلو المستر سيمون..”.

– سيمون “.. هذا أنت.. المستر جاكوجي.. مرحبا أمامنا صفقة العمر وأنا واثق من مساعيك في تسويق منتجاتنا، هيا لنتوجه إلى مائدتنا..”، سيمون يستوي في مقعده ويأخذ حبة السكرين ليمزجها بفنجان قهوته:

– سيمون “إدارتنا عازمة على تجريب سلاح فرغنا من تركيبته الكيميائية، فقط مقبلون على مرحلة تصنيعه وتجريبه بمنطقة جغرافية محدودة”.

– جاكوجي “.. حتى إلى عهد قريب كنا دوما نناقش الأسلحة النارية والرشاشة، لكن نغمة موضوع اليوم يبدو لي أنها مغايرة”.

– سيمون يدنو من رأس جاكوجي هامسا “.. ستكون سبقا في مجال السلاح القتالي يجمع بين تركيبتين كيميائية وفيزيائية، طلقة واحدة منه يمتد أثره أسبوعا، تستهدف فقط أنسجة الإنسان والحيوان..”.

– جاكوجي مقطبا وبعينين جاحظتين “.. لكن هذه المواصفات تبقى غير دقيقة.. فهناك تفاعل عناصر المناخ والبيئة المحلية والتي قد تعمل على تمديد أو تقليص أثر السلاح أو بالأحرى غازاته..”.

– سيمون؛ يستعد للنهوض “.. نحن نراهن على ألا يتجاوز تأثيره دائرة بقطر5 كلم لعشر ساعات على الأكثر.. وسنرى”.

ينهضان معا ويفترقا على وقع جملة صدرت من جاكوجي، تفصح عن تصميم قوي :

– “آمل أن أجد في اليومين التاليين شركة إنتاج لتحديد عينات تجريبية”.

داخل مصنع للموت البطيء!

عادا معا ليستقلا طائرة خفيفة؛ اتجهت بهما إلى وجهة غير معلومة مخترقة غابات الأمازون، كان سيمون ينتظر الاقتراب من نقطة حمراء كانت تومض على البورد؛ إيذانا بدخول الطائرة منطقة محظورة، كان عليهما انتظار إشارة المرور قبل أن تتشكل الطائرة في هيكل سيارة؛ ولجت من باب سري لمسافة خمس عشرة كيلومترات 15 كلم تحت الأرض، يصلان أخيرا إلى مدخل إلكتروني أفضى بهما إلى داخل معمل بآليات حاملة وأنابيب، جوار شاشات مضيئة على الجنبات تتنقل بينها روبوطات بنظم جد معقدة.. تحت إشراف رجل قصير القامة كان قابعا بغرفة زجاجية يراقب الأرقام حينا، والسوائل داخل قنينات غازية تتغذى بها أسلحة في شكل رشاشات وبنادق وقنابل عنقودية حينا آخر، توقف سيمون إلى جوار جاكوجي يتأمل الصور ثم ما لبث أن رفع بصره صوب الرجل القزم رافعا إليه إبهامه بالارتياح والنصر.. وهمس في عدسة يحملها ببطاقة هويته:

– “.. هل جربتم مداها في القتل..؟”.

– “.. طلقة واحدة من الرشاش تخرج النيران مصحوبة بغاز.. النيران تقتل مباشرة كل من صادفته إنسانا كان أو حيوانا، ثم يأتي دور الغاز لتتطاير ذراته في الهواء، فيمزق أنسجة الإنسان، يمتد أثرها خمس إلى عشر ساعات، سرعان ما يتبدد وينمحي سيما إن كان الطقس حارا”.

تهلل وجه سيمون، لكن رفيقه جوكوجي ظل وجهه واجما مكفهرا، لم تحن منه ولو بنت شفة واحدة. أقلتهما الطائرة عائدين إلى هيوسطن، خلال التحليق خاض سيمون باستفاضة في مدلول الحرب والذي تجاوز برأيه معنى القتل الناري إلى القتل الغازي التدريجي الذي يستهدف الناجين من القتل الناري أو الخارجين من مخابئهم بعد بضع ساعات من دوي النيران.

ردة البروفيسور هاردي

كان يأخذ حمام أشعة الشمس بشرفته ملقيا بظهره خلف جهاز تلفاز، في بث مباشر لقناة CNN تحت عنوان ضخم بالأحمر: “أفغانستان تحت نيران صاعقة، “عشرات القتلى يتساقطون تباعا على الأرض بفعل نيران مباغتة ما زالت مجهولة المصدر، البنتاغون لم ينف أو يؤكد مسؤوليته عن الحادث”. وقف مشدوها يتأمل صور الجثث التي كانت تضيق بها المسالك الجبلية بمرتفعات تورا بورا.. مسلحين وغير مسلحين؛ فلم يتمالك أن اتصل بسيمون:

– هاردي “.. المستر سيمون.. كيف بلغت بكم الجرأة حدا أن تبيدوا بشرا ليس له أي ذنب.. ثم من سمح لكم بتجريب تركيبتي البيولوجية؟”.

– سيمون مستفهما في غرابة: “.. لا.. لا.. لا.. المستر هاردي.. لسنا الفاعلين وراء هذه المجزرة.. حتى خبراء البنتاغون ما زالوا ينتظرون عينات من مخلفات هذه الصاعقة.. لننتظر قليلا.. اهدأ…. اهدأ”. في هذه الأثناء يتصل جوكوجي بسيمون في عجلة من أمره:

– جاكوجي “.. المستر سيمون.. هناك شحنة في طريقها إلى مقديشو، لدينا عملاء هناك..”.

– سيمون مقاطعا بحدة: “لا.. لا.. ليس الآن، لننتظر أن تخمد نيران أفغانستان قبل أن نقدم على عملية التجريب..”.

صندوق حديدي على متن لاندروفر

بأرضية مطار مقديشو وفي الساعات الأولى من فجر يوم قائظ، كانت هناك سيارة لاندروفر في انتظار شحن صندوق حديدي إلى منطقة خورانجر بعيدا عن العاصمة. كانا عميلين مسلحين إلى جوار سائق صومالي، تحركت بهم السيارة في جنح الظلام على طريق شبه صخري يخترق غابة بمنعرجات تأخذ في الصعود كلما اقتربت من القمة، أشبه بحية تسعى، لكن ما إن توسطت الطريق بأحد المنعرجات إذا بالسائق يكبح فرامل السيارة محاولا تحاشي الحجارة وأغصان أشجار كانت تتساقط متدحرجة بعنف من علو شاهق، لم يجد بدا من التوقف، خطا أحدهم يريد إزاحة الحجارة.. لكن؛ وعلى حين غرة؛ أخذت طلقات الرصاص الرشاش تنهال عليهم، لاذوا خلف السيارة وطفقوا يتبادلون إطلاق النيران، بيد أن سواد الليل لم يكن ليسمح لهم بتبين جهة القصف، حاولوا الهرب لكن كمائن كانت لهم بالمرصاد، فقتلوا إلا السائق الذي فرّ زاحفا بساق مكسورة.

بعد أن عاد الصمت يغلف تلك الأصقاع لاحت أضواء خافتة لسيارة تقترب في الاتجاه المعاكس؛ تتعالى في الفضاء أصوات “.. الله أكبر.. الله أكبر “، ترجلوا جميعهم باتجاه لاندروفر، وكانوا خمسة ملثمين تتدلى من أكتافهم بنادق الكلاشينكوف، جالوا بأبصارهم تحت أضواء يدوية كاشفة على محتويات السيارة الغنيمة لاندروفر، سيعثرون بداخلها على صندوق أسود.

زعيم التنظيم يستبشر بالصندوق

حملوا الصندوق إلى زعيمهم فتهلل وجهه؛ وهو يمر بيده على سطح جنباته قبل أن يأمر بتهشيم أقفاله، ولشد ما كان ذهوله وهو يرمق رشاشا يدويا يلمع داخل وعاء فليني مرصوص بعناية. أمسكه محاولا تبين ماركته لكنه لم يعثر سوى على أرقام ورموز كانت منقوشة على ذراعه.

– “هذه غنيمة من الكفار.. ولن نتوانى في استعماله ضدهم، وسفنهم ليست ببعيدة عن أرصادنا..”.

كانت صرخته في رجاله وهم يحلقون حوله ويرقبونه يعيد الرشاش إلى غمده داخل الصندوق.

* * * *

ظل رنين هاتفه مفتوحا، وهو طريح فراش بمنزل بدوي غير بعيد عن موقعة لاندروفر. كان سيمون يمشي جيئة وإيابا داخل منزله الريفي وأمارات القلق بادية على محياه؛ لا ينفك عن الاتصال بأحد عملائه في الصومال، لكن لا أحد يجيب.

دنت منه فتاة بدوية صومالية؛ كانت أمها قد أوعزت إليها بالقيام على إسعافه… تململ في فراشه قبل أن تتناهى إلى مسامعه أصوات لغط بالخارج، فتملكه الرعب واندس داخل كومة من القش، لكن الفتاة عادت لتطمئنه بأنهم مجرد شباب ثوار يعبرون المكان إلى الجبل… في هذه الأثناء يرن هاتفه من جديد، وكان سيمون على الخط يرتقب على أحر من الجمر رد العميل، فتح هاتفه ليجد عاصفة من صراخ رئيسه :

– سيمون “.. حي أنت أم ميت ؟! كيف… ثلاثة أيام بلياليها لم يغمض لي فيها جفن.. وأنا أتصل بك عبثا..”.

– العميل “.. سيدي المستر سيمون.. لقد هلك الجميع على يد جماعة من الثوار الصومال باغتونا ليلا داخل قفر، فقط نجوت، لكن ساقي قريبة من البتر..”.

سيمون يمسح العرق من على جبينه ويقفل السكة، ثم ما لبث أن أخذ يطرق ذقنه بأنامله؛ مطرقا بصره إلى الأرض.

عملية اقتحام وتجريب الرشاش

– “سيدي أبا سالم… لقد رصدت أعيننا وجود ضيوف من جنسيات عديدة يقيمون بفندق سيتي بلاص بالعاصمة مقديشو، يقال إنهم ينتمون إلى رجال المال والأعمال، وينوون فتح نوادي ليلية بالعاصمة”.

أبو سالم؛ رئيس حركة الشباب المجاهدين؛ كان يصغي باهتمام لأحد أعوانه ولم يتردد في إعلان قراره وعزمه على اقتحام الفندق في ساعة متأخرة من ليلة السبت، وتوجه إلى جليسه:

– أبا سعدون.. هذه فرصتنا للانقضاض على الكفرة.. جهزوا كتيبتنا وسأقودها بنفسي”.

* * * *

خلال بضع ساعات، وبينما كان سيمون متوجها إلى غرفة نومه فوجئ بقناة CNN تعرض، نقلا عن المحطة التلفزيونية الصومالية يونيفيرسال، “.. وقوع مذبحة بفندق سيتي بلاص، راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل.. ما زالت الجثث تتساقط مع توالي ساعات الصباح الأولى… ومن بين القتلى أبو سالم أبرز الرؤوس الإرهابية بالصومال مع وجوه من رجاله..”.

وعلى التو سيتصل بمقر الاستخبارات المركزية CIA، قسم الأقمار الصناعية: “.. هيلو.. نعم.. نريد صورا عاجلة لدائرة الفندق الصومالي.. على أننا سنتوصل في غضون يومين بعينات من بقايا الحادث.. وشكرا”.

صفقة ولكن..

كان هاردي منكبا على تصفح كتابه الأنيس “قذارة النظام العالمي”، لا يتوانى بين لحظة وأخرى عن قضم أظافره بعصبية بادية، ما لبث أن انتبه إلى صفارة مكتبه كإشعار بورود فاكس جديد، أسرع إلى نقله على الشاشة ويقرأ باستغراب كبير: “.. المستر هاردي تركيبتك مع الأسف تجاوزت حدودها في القتل… فقد ظل الغاز في الهواء لأكثر من يومين أودى بحياة كثير من الأبرياء…. إمضاء سيمون.. مركز الأسلحة الجرثومية والنووية”، كان الفاكس مرفقا بصور دقيقة كما التقطتها كاميرات الأقمار الصناعية من عين المكان.

امتقع وجهه، واعتقد أنها خدعة ومكيدة مدبرة من سيمون ليخلو له السبيل نحو مليارات الدولارات. في هذه الأثناء سيتصل بأحد أشهر مدراء منتجي الأسلحة في أمريكا :

– “.. هيلو المستر سلاماندو.. نعم هل من جديد ؟… كيف؟!.. لا علم لي بهذا.. كيف تم هذا دون… آه فهمت.. أجل.. شكرا جزيلا المستر سلاماندو”، أكد له هذا الأخير أن إدارة CRA المختصة بإنتاج الأسلحة قد تبنت مشروع سيمون واشترت براءته بمبلغ مغر، وقد أقدمت على هذا القرار في خطوة تنافسية مع مديرية المخابرات الروسية GRU بعد أن علمت من خلال تحليلها لمعطيات حادث أفغانستان أنهم يطورون سلاحا جرثوميا للتخلص من التجمعات البشرية العدوانية، مما أثار حفيظته وأشعل نيران ضغينته، وجعله ينظر إلى العالم بإحساس سادي، لا تمييز فيه بين الخير والشر ولا بين الأخضر واليابس، وفي تردد مشوب بالحذر رفع السماعة واتصل بمركز الأبحاث البيولوجية ملتمسا فترة راحة.

غاب هاردي عن الأنظار واعتزل البشر؛ في منزله الريفي؛ منكبا على استعراض معادلات فيزيكيميائية جد معقدة، كان يرمي من ورائها إلى إحراق جشع الإنسان وانتزاعه منه مهما كان الثمن… كانت تغذي فيه هذه العدوانية ما أفرزته الحروب من ويلات وصور مروعة.. لقاء اللهث وراء رنين المال ودك حصون القيم الإنسانية.

الموت الزاحف في الهواء!

انقطعت أخبار هاردي، كما قطع جميع خطوط اتصالاته بالعالم الخارجي، ولعلها الفرصة التي كان يتوق إليها لتركيب ” معادلة الموت الأسود ” كما كان يدعوها من خلال أوراق مسودة تحمل معادلات رهيبة. نزل إلى مختبره بقبو حيث يحتفظ بأجهزة وأنابيب اختبار إلكترونية ومواد سائلة، إلى جانب صناديق زجاجية محكمة الإغلاق كبيئة طبيعية لتجاربه على الفئران البيضاء.

في البداية غذى حاسوبه بمعطيات رقمية وأحرفية ورمزية؛ امتدت لحجم 5 ميغابايت متصل بكابلات تخترق أنابيب بمواد صلبة وسائلة لتنتهي بالصندوق الزجاجي الذي استدعى إليه سبعة فئران. كان الضغط على الزر الأحمر يعني بداية التجربة وملاحقة نتائجها بالصور والجمل على الشاشة المثبتة في إحدى زوايا القبو. وفي خطوة أولية زود الحاسوب بأمر 0,00001 ملغ، وهو ما يعني دمعة إنسان مجزأة إلى 1 ملغ على 10,000 لتتحول إلى نسمة غاز.

قعد إلى الخلف ينتظر التفاعلات الفيزيكيميائية وما عساها أن تسفر عنه، وعلى التو بعد لحظات انتقلت النتائج إلى الشاشة ليقرأ ويشاهد:

– حياة الفئران توقفت بقوة تعادل قنبلة هيدروجينية صغيرة؛

– رائحة الغاز تستمر عالقة إلى مدى 30 يوما؛

– نوع هذا الغاز له خاصية الانتشار في الهواء بسرعة 10 كلم في الثانية؛

– قاتل للبشر والحيوان؛

– لا يمكن السيطرة عليه إلا بعد مضي أربع إلى خمس سنوات من إطلاقه؛

– يمكن التخلص من الصندوق بدفنه مترين في باطن الأرض وتوصيل قناة إحراقه.

مراقبة الموت الأسود

تواردت العديد من المعطيات على مركز التحقيقات الفيدرالية FBI بشأن اختفاء هاردي عن الأنظار؛ وهو العنصر الحيوي في حقل الأبحاث البيولوجية، ولا يمكن الاستغناء عنه، ومخافة منها في استمالته من طرف مديرية المخابرات الروسية GRU وحتى تظل ملفاته في مأمن من كل يد أجنبية، قامت الاستخبارات المركزية CIA بتزويد أقمارها الصناعية بصوره الشخصية وملابسه وإقاماته وأرقام اتصالاته وحتى أماكن تسليته.. ليبقى لديها تحت المراقبة المكثفة.

هاردي يستعد لإطلاق المبيد البشري

في صور حية؛ رصدت شبكة الأقمار الصناعية عملية دفنه وإحراقه صندوق الفئران، في ساعة متأخرة من الليل بمنطقة صخرية محاذية لمنزله، وعلمت حينها الاستخبارات المركزية أن سرا أو فيروس خطير أراد التخلص منه… أعطيت تعليمات وأوامر لشبكة الأقمار باقتفاء أثره وإبقائه على رصد المنطقة 24/24 ساعة.

لحظات حرجة

وقف هاردي أمام المرآة يسوي ربطة عنقه، ثم يلقي بنظراته إلى خصره الذي كان يتمنطق بحزام به تجاويف صغيرة ملحمة أشبه بعلب خرطوش الصيد.. ارتدى معطفه وحمل معه كتابه الأثير “قذارة النظام العالمي” تتوسطه تذكرة طيران.. أقلعت به سيارته في اتجاه مطار فرانكفورت.

كانت صوره تتوالى على شاشات ضخمة داخل مقر CIA أمام حشد من خبراء الاتصالات؛ يراقبونه وهو يدلي بالتذكرة ليلج أرضية المطار صوب طائرة تستعد للإقلاع نحو مدينة بوسطن. احتجز مقعدا أماميا مباشرة خلف قمرة القيادة… لم يكن يلتفت إلى من حوله، إذ سرعان ما دفن رأسه بين صفحات الكتاب؛ بين آن وآخر؛ كان يراجع ساعة معصمه… في هذه الأثناء كانت عدة سيناريوهات جاهزة داخل CIA للانقضاض عليه… شرعت الطائرة تتحرك فوق المدرج ليلقي بنظرة غامضة صوب المنطقة الجبلية التي تحتضن منزله الريفي… اشتبه في نظرات مسافرة كانت تقعد إلى جواره.. نادى المضيفة أن تغير مقعده.. لاحظ بحاسته المرهفة أن المضيفة أخذت تتودد إليه.. فتظاهر بالنوم، بينما كانت قمرة القيادة تشهد وابلا من الاتصالات والتعليمات ولزوم رباطة الجأش في أعلى المستويات.

بعد مضي نحو أربع ساعات من الطيران، وخلال إغراق المسافرين في النوم؛ تسلل إلى جهة المرحاض ليجد المضيفة تقابله بابتسامة عريضة وتسأله بغنج: “هل لك بشراب يثلج صدرك؟”، رد ببرودة “.. لا شكرا.. أنا بحاجة إلى النوم..”… المضيفة تقترب منه: “.. وكأنك لم تنم طوال يومين، دعني أعد لك شرابا دافئا يبعث على الاسترخاء..”.

كانت قد صدرت أوامر بالإبقاء على دورة المياه مغلقة، ليبقى واقفا في حالة الانتظار، تحرك شخص آخر متظاهرا بانتظار دخول المرحاض، أخذ يحتج بلغة إنجليزية ركيكة One toilit.. not anough. عادت المضيفة تحمل كوبا، مدته إليه لكنه تعافاه… الثلاثة يتبادلون النظرات، وفي الحين وبحركة هيستيرية تم رشه على وجهه، فيما أمسك الآخران ذراعيه… قاوم.. ثم قاوم.. بشدة، ولكم المضيفة لتسقط البيروكة… حاول مد يده إلى حزامه لكن ضربة عالجته فوق رأسه، سقط على إثرها إلى الأرض.. بدا وكأنه فاقد الوعي… أنامله تتحرك وحزامه بدا مكشوفا… لكن أحدهم قدم من الخلف ليفرغ ثلاث رصاصات في رأسه… تحول إلى جثة هامدة… مسافرة رأت بقع الدماء.. ولولت وصرخت… مجرمين… قتلة.. دماء.. تعالى الصراخ.. لغط… وهرج، وقفوا يستوضحون.. بكاء ووو…

أسرعوا إلى لفه بقطعة من البلاستيك السميك قبل أن يرزّموه في صندوق من الكارطون خاص بحمل الأغذية المصبرة. بدأت الطائرة ترتج للصعيق الذي أصاب المسافرين، فصدرت لهم رجاءات بالهدوء ولزوم المقاعد.

في هذه الأثناء وبعد شل حركة هاردي تلقى الربان أمرا بالاستعداد إلى الهبوط الاضطراري بمطار لشبونة حيث أعلنت حالة طوارئ؛ على إثرها أخليت من جميع الطائرات والمسافرين.. كما ألغيت جميع الرحلات… كانت هناك قوات أمنية مكثفة بألبسة واقية معززة بمصفحات عسكرية تابعة لقوات المارينز… لوحظ طوق كان مضروبا على جميع المحطات الإعلامية ليلا تقترب من المطار.

يسدل الستار على

طائرة عسكرية حوامة ترسو بجزيرة كارولاند بالمحيط الهادي بالقرب من حفرة بعمق 30 مترا، إزاء صندوق معدني متصل بأجهزة ومعدات إلكتروفيزيائية، يقف شخصان يرتديان ألبسة واقية ينتظران صدور الأمر لهما.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.