قراءة في كتاب ” الشائعات: الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم” للكاتب الفرنسي JEAN-NOËL KAPFERER .. من الوشوشة والارتجال إلى الترويج الإعلامي ..

admin
2022-04-10T01:27:15+02:00
كتاب واراء
admin10 أبريل 2022آخر تحديث : منذ 3 سنوات
قراءة في كتاب ” الشائعات: الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم” للكاتب الفرنسي JEAN-NOËL KAPFERER .. من الوشوشة والارتجال إلى الترويج الإعلامي ..

يمكن اعتبار الشائعات أكبر آفة رائجة داخل المجتمعات، بين الأفراد والجماعات التي تصنعها وتروج لها عبر الوشوشة، والكواليس، والمحلات العمومية والخاصة، وفي الردهات، والمقاهي، والمجالس العائلية … وصولا إلى وسائل الإعلام بمختلف تلاوينها ومشاربها، والأنترنيت، ومواقع التواصل الاجتماعي، فتحدث ضجة في مختلف مجالات الحياة اليومية، لدرجة أنها أضحت جزءا من ثقافة المجتمعات البشرية، فتصبح وسيلة ضغط للابتزاز، وآلة لتوجيه البشرية … لعل أفضل التعريفات عالم الاجتماع الأمريكي ت. شيبوتاني، حيث يقول “إن الشائعات هي أخبار مرتجلة ناتجة عن عملية من المناقشة الجماعية، أصلها حدث مهم وغامض”. 

  • الكاتب   

JEAN-NOËL KAPFERER    . أستاذ كاتب فرنسي، وأستاذ التسويق Marketing، مختص في التواصل. اشتغل بالمدرسة العليا للدراسات التجارية بباريس. عضو جمعية التسويق الأمريكية. سوسيولوجيي، وأستاذ جامعي … له العديد من المؤلفات، نذكر منها:

  • Échec à la science? La survivance des mythes chez les Français, avec B. Dubois,
  • Nouvelles Éditions rationalistes, 1981 
  • Les Chemins de la persuasion. Le mode d’influence des médias et de la publicité sur les comportements, Dunod, 1984 
  • L’Enfant et la Publicité. Les chemins de la séduction, ‘ Dunod, 1985
  • الكتاب

الشائعات: الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم. يتوزع الكتاب بين أربعة أقسام، تشمل 21 فصلا، وخلاصة، وملحق، وخاتمة، وبيبليوغرافيا المصادر والمراجع. يقع الكتاب في 313 صفحة في نسخته الأصلية باللغة الفرنسية:

  Rumeurs : le plus vieux média du monde, éditions du seuil. 1987. Paris

قامت بترجمة الكتاب إلى العربية تانيا تاجيا، الصادرة عن دار الساقي. بيروت. الطبعة الأولى. 2007م. يقع في 380 صفحة من الحجم المتوسط.

thumbnail Screenshot 20220409 225420 - رسبريس - Respress

قد يتبادر إلى الذهن، منذ الوهلة الأولى، أن الشائعات أمر لا يعتد به، كونها لا تعدو مزاعم ينسجها المخيال البشري لبث البلبلة والقلاقل، وإشباع فضوله، ورغبته الجامحة في الاطلاع على أحوال الغير، وهي لا تعنيه. لكن حقيقة الأمر أن الشائعة مصدر خبر يتم اعتماده للدعاية والترويج لمعلومة أو فكرة أو خبر، فيتم تكرارها لدرجة تحويلها إلى حقيقة مسلمة. هذا النهج تعتمد وسائل الإعلام بمختلف أشكالها ومشاربها وأنواعها.

ضرب المؤلف عددا من الأمثلة عن هذه الشائعات التي كان لها وقع غليظ على الأشخاص المعنيين بها، وفي الوسط الذي من حولهم، وكيف تلقاها محيطهم، وما الأثر الذي خلفته. منها إشاعة وفاة شخصية عمومية، أو مرض سياسي، أو نجاحه، أو رسوبه، أو انتشار وباء، او العثور على كنز، وغير ذلك من الشائعات التي تلقى الرواج الكبير بين الأفراد والجماعات، باعتبار ان الفرد مؤهل بالفطرة للاعتقاد بمثل هذه الشائعات وتصديقها، فهي تشبع فضوله، ويزيد فيها من وحي خياله، أو ما يختمر في لاشعوره وأناه، فيضخمها، وينفخ فيها الزيادات الكبيرة، لأنه هو نفسه صدقها. فتنتقل بين الأفراد، انتقال النار في الهشيم، وتتعدد الروايات.

الشائعات تطال مجال المال والأعمال، والسياسة، والفنون، فيكون لها التأثير الكبير في المجتمعات.

يتناول الكاتب الدورة الحياتية للشائعات من خلال تفسيرها وطرائق استخدامها، وهل يمكن الحد منها والتصدي لها، باعتبار أن الشائعات ظاهرة ملتبسة يصعب القبض عليها.

عمل الكاتب من خلال مؤلفه على توكيد ووضوح الشائعات عبر تحديد نشأتها، ومصدرها، ووظائفها، وأنواعها، ومدى خطورتها، ولماذا يتم تصديقها؟ وهل من سبيل للقضاء عليها؟

يعرض الكاتب عدد من الأمثلة عن الشائعات في العالم عبر حقب تاريخية محدد، وفي أماكن معلومة، والتأثير الذي حاق بأهلها، حيث أنه بعد انقضاء ردح من الزمن تأتي الوقائع والحقائق التي تدحض تلك الشائعات.

في سنة 1973م، تمت إشاعة مرض الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو وأن الموت مباغثه لا محالة قبل انقضاء ولايته. وقد أقدمت وسائل الإعلام على إذكاء نار هذه الشائعة. لكن الرجل عمر بعدها مدة طويلة. نفس الشائعة طالت الرئيس الكوبي فيديل كاستر، ثم حقيقة مقتل الرئيس الأمريكي كينيدي سنة 1963م … والتي تبين بعد مدة طويلة أنها مجرد شائعات تخدم أجندة جهات معينة.

  • الشائعات ظاهرة قيد الدرس والتمحيص ..  

     أول الدراسات التي اهتمت بالشائعات كانت أمريكية، أملتها إكراهات الحرب العالمية وضرورة سرية المعلومات كي لا يستغلها العدو، أو تسريب معلومات خاطئة توقع بالعدو.

يعرف الباحثون، ومنهم Pstman، وAllport، الشائعات كونها “افتراض يرتبط بالأحداث القائمة، يراد أن يصبح موضع تصديق العامة، بحيث يتم ترويجه من شخص إلى آخر مشافهة في العادة، ومن دون أن تتوافر أي معلومة ملموسة تسمح بإثبات صحته”، بينما يرى Knapp، أن الشائعة هي “تصريح يطلق لتصدقه العامة، ويرتبط بأحداث الساعة”.

جدير بالذكر أن الأبحاث المتعلقة بظاهرة الشائعات قليلة جدا. هذا ما تحاول أن تجيب عليه الكاتبة. أولها أنه ليس من الهين إنجاز بحث من هذا النوع، ربما في نظرنا، بسبب طبيعة الموضوع نفسه. ثم إن الباحثين عمدوا إلى تأويل الشائعات أخلاقيا بدل توضيح آلياتها.

يمكن للشائعة أن تنتقل من الحقيقة التي يتم تشويهها بشكل تنصهر وتتحول إلى شائعة خالصة. هكذا نجد عددا من التقارير حمالة للشائعات، أي بمعطيات كاذبة مفبركة، من أجل أغراض سياسية، أو اقتصادية، أو …

الخطير في الشائعات أنها قد تصلنا من قريب أو صديق، أو شاهد موثوق، فيصعب تمييزها من معلومة أخرة حقيقية. ثم إنه لا يمكن الحد من الشائعات وتناقلها أمام انتشار وسائل التواصل، والمواقع الإلكترونية. 

لا غرابة في أن تطال الشائعات المنتوج الفكري والعلمي، والأدبي. بل إن العديد من النوازل التاريخية منبعها شائعة. هكذا أوصى Knapp خلال الحرب العالمية الثانية، أنه لابد للشعوب من الثقة العمياء في وسائل الإعلام، وفي القادة السياسيين، والمبادرة على نشر كمل هائل من الأخبار لتلبية حاجة الجماهير للأخبار، ثم إبعاد الشعوب عن الإحساس بالفراغ من خلال القضاء على البطالة … هذه التوصيات تليق بنظام ديكتاتوري.

يعتبر عالم الاجتماع الأمريكي T. Shibutani، “الشائعات أخبارا ملفقة تتولد من نقاش جماعي … مصدرها حدث مهم وملتبس”. تنتشر الشائعة فتفتح نقاشا جماعيا لأجل تفسيرها، وحقيقتها، ويتم تصديقها والعامل معها كونها حقيقة وليست شائعة. 

يتساءل الكاتب عن أهمية الشائعات، لاعتبار أن الناس يعتقدون بسهولة تسويقها، بدليل أن معظم الناس لا يولون كبير اهتمام للسلع والبضائع التي يشترونها للاستهلاك، والدور الذي تقوم بها الإعلانات في هذا المجال لسلع استهلاكية غير ذات أهمية في نظر المستهلك، فالشائعة تعمل على إعطائها هذه الأهمية.

  • التحليل النفسي للشائعة .. 

يتم تداول الشائعات بشكل شفهي، فتصبح متداولة كقضية، مثل ما أضحى، يقول E. Morin، سائدا في فرنسا عن تجارة الرق الأبيض في منطقة أورليان سنة 1969م. والواقع أن لا أساس للشائعة، وهذا هو تعريفها ليس أكثر. وقد وصف الشائعة باستخدام مفردات طبية: جرثومة، علم أمراض، تركيز معدي، مراحل الحضانة، ورم خبيث يصيب الطبقة السياسية بالخصوص. بمعنى أن هناك مزجا بين الشائعة والمرض، لأن العكس لا يبرر وجودها، وبالتالي لا يمكن تبرير الإشاعة بالمرض النفسي، وإلا سيعتبر جميع الناس مجانينا.

إن ما يميز الشائعة ليس هل تم التحقق منها أم لا، بل مصدرها غير الرسمي. مثلا، يورد الكاتب، إذا تم تسريب شائعة عن إصابة رئيس الجمهورية بالسرطان، فهل سيتم التحقق من إصابة الرئيس بالسرطان أم لا؟ فالمصادر الرسمية تظل بعيدة عن الثقة.

  • حياة الشائعات وموتها ..

ما هو مصدر الاشاعة؟ ما هي الأحداث والحقائق والأشخاص الذين انطلقت منهم؟ هذه هي الأسئلة الموضوعية التي ينطلق منها الكاتب للخوض في موضوع الشائعات.

والناس هي ذهبت؟ هذه الأسئلة هي دائمًا أول الأسئلة التي يتم طرحها عند مناقشة الموضوع.

صحيح أن الشائعات تثير إعجاب الجمهور، لكن مصدرها يبقى خارج اهتمام هذا الجمهور. لأن السعي وراء المصدر هو جزء من أسطورة الشائعة. طبعا هناك شائعات سيئة وأخرى حسنة، تظهر في الوقت والمكان المناسبين، مثل الانتخابات. الشائعات هي في الغالب نتاج اجتماعي عفوي، دون هدف محدد، او استراتيجية معينة. الشائعة مؤامرة وجريمة. يمكن للشائعة أن تقتل، كما حدث مع الوزيرين Boulin Roger Salengro, Robert حيث انتحر الأول سنة 1936، والثاني سنة 1979 بسبب حملة الشائعات التي لاحقتها بلا هوادة. 

لهذا يبقى استبعاد مصدر الشائعة، أو السعي وراءه لمقاضاته سيجعل الشائعة كاذبة أمام الجمهور. لهذا نجد الجهات المعنية إعلاميا بترويج الإشاعة تجري وراء مصادر مختلفة للتمويه والتضليل. هكذا سيكون من الخطأ أن تنسب الشائعة لمصدرها. 

غياب المعلومات يولد النميمة، لأن الشائعة هي التي تتحكم في جمع وتبادل المعلومات، لأنها ذات قيمة، يتم تسريبها حسب أهميتها بسبب وفرتها. فيكون لها الأثر الجسيم على الحياة اليومية للناس حسب مستوياتهم وانتمائهم الاجتماعي … من هنا يتساءل علمان النفس عما إذا كان يستحسن سماع الحقيقة مباشرة من أفواه أصحابها أكثر إقناعا. من هنا نجد فرقا مختصة تشتغل باحترافية لضخ الشائعة بين الأفراد والجماعات، والمسؤولين، ووسائل الإعلام ذاتها التي تتولى نشرها بلا حدود. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، هناك مشكل الثقة اللاإرادية أو المعدة مسبقا، هذه الأخيرة هي التي تغذي الشؤون السياسية.

  • عن نواة الحقيقة ..

يتطور الخيال البشري فينسج سيناريوهات نموذجية من شأنها تشويه إدراكنا للأحداث التي نشهدها. تذكي نار الشائعات، الأقاويل والنميمة، والخصومات، والمشاجرات …ثم تنتقل الشائعة للوسائل الإعلام لتحولها إلى معلومة وتضفي عليها المصداقية. 

المعلومة النادرة والاستثنائية تولد الشائعة، فيتم تداولها لأنها تنطلق من الحياة المحلية، من هنا تأتي أهميتها.

يمكن للشائعات أن تدمر سمعة شخصية أو شركة، أو دولة … أو ترفع من قيمة الشخص أو الشركة أو غيرها، مثل ما حدث مع Howard Downey … الأمريكية التي اكتسبت سمعتها وشهرتها من قدرتها على غزو أي مكان في بضع ساعات بواسطة فرق متخصصة في بث الشائعات. فالشائعات تعمل على تجييش اهتمام الجماعة حيث تعمل هذه الأخيرة إلى
إعادة تركيب الشائعة وتبادلها. من هنا تبقى نواة الحقيقة قائمة على اللبس الذي شوب مصدرها، خاصة إذا كان هناك شاهد، هذا الأخير يتوجب النظر حالته النفسية. بمعنى أن اللبس يحوف دائما بنواة الحقيقة. هكذا تسري الشائعة لنه لم يتم تحديد نواة الحقيقة فيها، ثم إن الجمهور لا يهتم بصدرها أو حقيقتها، بقدر ما يهتم بحبكتها وفبركتها، ونفوذها إلى عقلها الذي يكون مؤهلا لتصديقها، ولو إلى حين ظهور عكس ذلك. وقد تأتي شائعة أخرة تفند الشائعة الأولى وهكذا .. 

نتساءل فقط عن إمكانية الحياة اليومية بدون شائعات؟؟

د. محمد حماس

(باحث في التاريخ والتراث. كاتب من المملكة المغربية)   

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.