حسوني قدور بن موسى
المحامي بهيأة وجدة
تنعقد قمة الجزائرفي ظروف اقليمية عربية تشهد اضطرابات سياسية واجتماعية ونزاعات وحروب مسلحة دامية ابتداء من التدخل السعودي الاماراتي في اليمن في مواجهة مع الحوثيين والحرب الأهلية في ليبيا بين أربع منظمات مسلحة متناحرة فيما بينها تسعى للسيطرة على السلطة بعد ثورة 2011 كما تشهد مناطق عربية أخرى توترات مسلحة في سوريا والعراق وقطيعة دبلوماسية بين المغرب والجزائروتبادل الاتهامات والهجمات الاعلامية المعادية بين بعض دول المغرب العربي بسبب التطبيع مع اسرائيل ومشكل الصحراء.
فشلت جامعة الدول العربية منذ تأسيسها في جميع المجالات رغم أنها تضم 22 دولة وتعتبرأول منظمة اقليمية على مستوى العالم تأسست في 22 مارس 1945 منذ ما يزيد عن 70 عاما أي قبل انشاء منظمة الأمم المتحدة في 24 أكتوبر 1945 وقبل تأسيس الاتحاد الأوروبي سنة 1951الذي يضم عدد من الدول الموحدة في مجالات عديدة اقتصادية وسياسية أهمها السوق الأوروبية المشتركة وهو مشروع اقتصادي سياسي تأسس سنة 1951و حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يهدف الى التدخل في أي نزاع أو تهديد يداهم الدول الأعضاء المنضوية تحته وفي المقابل لم تتمكن الدول العربية من التقدم تكنولوجيا رغم أنها تمتلك ثروات هائلة وغنية بالمال ولها اشتثمارات ضخمة في أوروبا وأمريكا فظلت متناحرة فيما بينها منقسمة ومشتتة لا تتفق على رأي واحد بسبب قضية فلسطين والتدخل الأجنبي في المنطقة العربية الذي أدى الى التراكم العسكري الأجنبي في المنطقة الشرقية فأصيبت الجامعة العربية بالشلل بفعل اندلاع الأزمة الخليجية فأصبح مستقبلها شديد الغموض و في 29 أغسطس 1967 انعقد مؤتمرالقمة الرابع الخاص بجامعة الدول العربية في العاصمة السودانية الخرطوم المعروف باللاءات الثلاثة :” لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض” مع العدوالصهيوني قبل أن يعود الحق للشعب الفلسطيني على خلفية هزيمة عام 1967 أوما يعرف بالنكسة، حضرت جميع الدول العربية هذا المؤتمر باستثناء سوريا و كان أبرزالقادة العرب الذين حضروا القمة الرئيس جمال عبد الناصروالملك فيصل بن عبد العزيز والشيخ صباح السالم الصباح والرئيس اليمني عبد الرحمان عارف، في هذا المؤتمر وافقت الدول العربية على ضرورة توحيد جميع الجهود للقضاء على أثارالعدوان الاسرائيلي على أساس أن مسؤولية استعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة يقع على عاتق جمبع الدول العربية وأن ضخ النفط يمكن استخدامه كسلاح ايجابي في المعركة وفي خدمة أهداف الشعوب العربية من أجل التنمية لكن هذه القرارات كانت مجرد شعارات فارغة لا تعبر فعلا عن الواقع السياسي العربي حيث أصبح ضخ النفط واستغلال جميع الثروات الطبيعية الأخرىالتي تمتلكها الدول العربية ريعا يستفيد منه الحكام العرب وعائلاتهم وأقربائهم فتراكمت أموالهم بملايير الدولارات مودعة في البنوك الأجنبية، فحصلوا على ثروات هائلة و قصور فاخرة في أوروبا وأرصدة بنكية عامرة حيث سرق الرئيس الليبي معمرالقذافي 100 مليار دولار وتبلغ ودائع حسني مبارك في البنوك السويسرية 400 مليون دولارأما رفعت الأسد المعروف ب “جزارحماة” فهو متهم باختلاس ملايين الدولارات من سوريا واستثمارها في العقارات بأوروبا والكثيرمن الحكام العرب يهربون الأموال المسروقة الى أوروبا لاخفائها عن أنظارشعوبهم في البنوك والمؤسسات المالية أواستثمارها و في هذا الصدد قدرت صحيفة ” فاننشال تايمز” البريطانية في يوليو 2018 قيمة الأموال التي هربها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 506 ملياردولار جزء منها في سندات الخزانة الأمريكية والأوراق المالية و من المعروف أن ولي العهد السعودي اشترى قصر” لويس الرابع عشر” في فرنسا بمبلغ 300 مليون دولار في ظروف سرية للغاية الى أن كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” هذه الفضيحة في سنة 2017 و كانت عملية الشراء سنة 2015 وهو نفس العام الذي شن فيه ولي العهد السعودي حملة ضد الفساد في المملكة بعد شرائه القصربفترة وجيزة و هو قصر مجهز بنافورات مياه ذات أوراق ذهبية وتقنيات تكنولوجية منزلية متقدمة وليس ولي العهد السعودي وحده الذي اشترى مثل هذا القصر بل أن الكثير من الملوك والرؤساء العرب يملكون قصورا فاخرة لا يملكها رؤساء دول غنية في أروبا وأمريكا فعلى سبيل المثال فان المستشارة الألمانية ” أنجيلا ميركل” تعيش هي وزوجها في شقة متواضعة في الطابق الرابع الأخيرفي بناية متعددة الشقق وسط العاصمة برلين تعود الى القرن التاسع عشر ولا توجد سوار حوله كما أنه يفتقرالى فناء أو حديقة هذا مع العلم أن ألمانيا هي أكبر دولة أوروبية غنية مصنعة ، وسرق الرئيس اليمني علي عبد الله صالح 60 مليار دولار، فبعد أن كان يعرف عبر التاريخ باليمن السعيد أرض الرخاء والسعادة أصبح اليمن أفقرالبلدان العربية بسبب نهب و سرقة ثرواته الطبيعية من طرف المفسدين، وفي الجزائرالتي تعتبرمن بين الدول المصدرة للغاز والبترول تمت سرقة 200 مليار دولار من طرف مسؤولين في الدولة في عهد الرئيس بوتفليقة في الوقت الذي تشهد فيه الجزائرتدهورا معيشيا وندرة في المواد الأساسية تنذر باتفاضة جوع وفي المغرب تختزن الأرض ثروات هائلة و معادن نفيسة لا تحصى فعلى سبيل المثال يمتلك المغرب ما يعادل 70 في المائة من موجودات الفوسفات في العالم وحسب الأرقام الرئيسية بلغت ايرادات المكتب الشريف للفوسفات وهي شركة عمومية التي تدير الفوسفات بالمغرب 14 مليار و283 مليون درهم ما يعادل 1.53 مليار دولارأمريكي وبلغت ايرادات عام 2022 لمدة 9 أشهر 41 مليار و 686 مليون دولارأمريكي في الوقت الذي يؤكد فيه الخبراء بأنه سيكون ارتفاع كبير في عدد الفقراء في المناطق الريفية والمدن المغربية ، ثراء فاحش و فقر مدقع شديد ومذل و حاط بالكرامة الانسانية دون رحمة و لا شفقة حيث توسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء ولا يزال الفقر يجثم على صدور ملايين المغاربة و يضيق الخناق على رقابهم و يطوقهم بحزام البؤس والحرمان وبالرغم من الثروات المعدنية الهائلة التي يتوفرعليها المغرب تتخبط العديد من الأسرالمغربية في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
ظل المواطنون العرب جميعا من المحيط الى الخليج ينظرون الى أنفسهم على أنهم شعب واحد مشتت بين عدد من الدول التي لها تاريخ واحد و جغرافيا ولغة وثقافة واحدة ومصالح اجتماعية واقتصادية تدفعهم الى تشكيل أمة عربية واحدة قوية من المحيط الى الخليج يمكن تسميتها ” الولايات المتحدة العربية” تنافس الولايات المتحدة الأمريكية في جميع المجالات، لكن هذا الحلم العربي ظل بعيد المنال ولم يشاهد المواطن العربي سوى البؤس والحرمان والاقتتال والحروب الدموية واغلاق الحدود بأسلاك شائكة بين الدول العربية والصراعات والنزاعات رغم مرورما يزيد عن 14 قرنا على ميلاد الأمة العربية الاسلامية في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تضم 50 ولاية و يبلغ تعداد سكانها أكثر عن 320 مليون نسمة موحدة تحت راية واحدة وانتهت من النزاعات والحروب الأهلية والانقسامات بشكل نهائي وهي الأن تتحكم في مصيرالأمة العربية والاسلامية والعالم كله.
وهكذا عجزت جامعة الدول العربية في تحقيق الوحدة العربية فانطبقت عليها مقولة:”اتغق العرب على أن لا يتفقوا” ولم تستطع تحقيق المساواة والعيش الكريم للمواطنين العرب كما فشلت في تحقيق شعاراتها بخصوص القضية الفلسطينية فلم تكن مواقف الدول العربية متفقة حول هذه القضية منذ مؤتمرأنشاص في مصرعام 1946 بعدعام من تأسيس جامعة الدول العربية الى أن انعقد مؤتمرالرباط سنة 1971 فكان نقطة تحول جذرية في تاريخ القضية الفلسطينية يمكن اعتبارها بداية النكبة السياسية التي وصلت بها الى حضيض منحدرالتنازلات عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والتي أصبحت نتائجها وأبعادها أخطر بكثير من نكبة 1948 و1967، في هذا المؤتمركان الاعلان عن تراجع سياسي كبيرفي تاريخ القضية الفلسطينية وقد وضع كالمعتاد في قالب انجازضخم وهواعتبارمنظمة التحريرالفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهذا يعني أن القضية الفلسطينية أصبحت قضية الفلسطينيين على وجه التخصيص وترك الفلسطينيين يواجهون لوحدهم الاحتلال الصهيوني وكأن مسؤولية تحريرالقدس الشريف لا تعني العرب ، واليوم لا عجب أن نشاهد بعض الحكومات العربية تبرم اتفاقات التطبيع مع اسرائيل ضدا على ارادة شعوبها و تعتبره خطوة نحو السلام في حين أنه خيانة واستسلام و من أكبر مظاهر خرق الوحدة العربية هواتفاقية “كامب ديفيد” عندما اقدمت منظمة التحريرالفلسطينية على عقد اتفاق ثنائي مع اسرائيل بصورة منفردة و سرية بعيدا عن الجامعة العربية و عن المسارات العربية الأخرى وما واكبها من تداعيات سياسية و تظاهرات شعبية في الدول العربية احتجاجا على الاتفاق وقد أصيب العقل العربي بالجمود والاضمحلال والاحباط والانحطاط ولعل أخطر نتائج النكبة وانعكاساتها على أرض الواقع هو استيلاء الكيان الصهيوني على نحو 78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية متجاوزا بذلك قرارالتقسيم رقم 181 الصادرعن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 علاوة على اقتلاع وتهجير سكان الأرض الأصليين حيث غادر فلسطين أثناء الحرب وبعدها ما يقارب 940 ألف لاجئ فلسطيني وترتب على ذلك صدورالقراررقم 194عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والمتضمن: « وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات أولئك الذين تضرروا من التهجير وعن كل مفقود أو مصاب بأذى » لكن كل هذه القرارات الأممية العديدة كانت مجرد حبرعلى ورق ومات العديد من كانوا ينتظرون العودة إلى أرض فلسطين ونشأ جيل جديد في المهجر يتطلع إلى العودة لكنه لا يعرف الاتجاه الذي يوصله إلى أرض آبائه وأجداده ولا زال الشعب الفلسطيني يعيش النكبات والمآسي والاضطهاد والقمع وقتل الأطفال والشيوخ و النساء والصحفيين وهدم البيوت على رؤوس أصحابها وضم الأراضي بقوة السلاح أمام أنظار جامعة الدول العربية القابعة في حفرة الضعف والفشل منذ نشأتها اذ يقال عنها أنها رأس أنجليزي على جسد عربي ، فمنذ اتفاق «كامب ديفد» سنة 1978 بين مصر وإسرائيل برعاية الرئيس الأمريكي « جيمي كارتر» تنهال على فلسطين طعنات التطبيع العلنية والخفية من ذوي القربى وظل الحكام العرب الذين نصبهم الاستعمارالغربي يستغلون القضية الفلسطينية لامتصاص غضب الجماهيرالعربية ولم يكونوا جادين في تصديهم للعصابات الصهيونية بل كانوا مجرد منفدين لأوامرالدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا وأمريكا، ولذلك نجد أن قرارات الجامعة العربية كانت لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع الأحداث التي كانت تجري في فلسطين وحتى قرارالحكام العرب بإرسال جيوشهم إلى فلسطين سنة 1948 لم يكن سوى مجرد مسرحية من وحي الحكومة البريطانية والأمريكية لتغطية مخطط زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي وبسط السيطرة على المنطقة العربية وعلى منابع النفط وإقامة قاعدة متقدمة للإمبريالية وسيفا مسلطا على رقاب الشعوب العربية.
مع غزوالعراق للكويت لم تتعطل فقط مؤتمرات القمة العربية التي شكلت منذ الستينات أبرزمظاهرالنظام العربي المنهار وأهم مؤسساته فعالية بل امتد التعطيل الى مؤسسات اقليمية عربية ولدت في ظل النظام العربي الاقليمي فكان مصير مجلس التعاون لدول الخليج العربية واتحاد دول المغرب العربي والمنظمات الاقليمية الأخرى الفشل الذريع الى جانب ذلك تعطلت لقاءات واجتماعات دول جامعة الدول العربية وانحدارها الى أدنى مستوياتها تأثيرا بسبب القطيعة التي حصلت بين دول عربية الى حد نشوب نزاعات مسلحة حول الحدود ساهمت في جمود جامعة الدول العربية وهددت باندلاع حروب مسلحة بينها أبرزها النزاع بين السعودية واليمن بسبب التدخل السعودي الاماراتي بهدف وقف تقدم الحوثيين ولكنه فشل في تدميرقوتهم،وتشهد دول المغرب العربي منذ بداية الستينات توترات سياسية حادة ونزاعات مسلحة وأبرزها الخلاف بين المغرب والجزائرالذي بدأ منذ سنة 1963 بالحرب التي أطلق عليها ” حرب الرمال” اثر نزاع حول الحدود لعبت فيه القوىالأجنبية دورصب الزيت على النارهذا النزاع كان من صنع الاستعمارالفرنسي الذي زرع الشقاق في المنطقة ثم ظهرمشكل الصحراء سنة 1975 بين المغرب والجزائر بسبب المسيرة الخضراء التي سماها الرئيس هواري بومدين “المسيرة الكحلة” انتهى الصيف الماضي بمفاجأة لم تكن غير متوقعة بعد أن أعلنت الجزائر قرارا أحاديا بقطع العلاقت مع المغرب والاغلاق الفوري لمجالها الجوي في وجه الطائرات المدنية والعسكرية المغربية بعد مرورأقل من أسبوع على تصريح الرئاسة الجزائرية أنها تعتزم” اعادة النظر” في علاقاتها مع المغرب وعلى الرغم من امتداد العداء والمنافسة بين البلدين على مدارعقود من الزمن الا أن التوترات التي طالما شهدتها العلاقات الثنائية قد دخلت منعرجا جديدا في سبتمبر 2020 عندما أعلن المغرب تطبيع علاقاته مع اسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الأراضي الصحراوية وهو الموقف الذي أدى بالجزائرالى عزل نفسها دبلوماسيا عن المغرب بشكل تدريجي خاصة بعد أن أعلنت اسبانيا تأييدها لخطة الحكم الذاتي للصحراء وهو ما جاء صدمة قوية للجزائر وتصاعدت حملات الهجوم الاعلامي بين البلدين لتصل ذروتها عندما أعلن الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمرهلال تأييده الصريح لحق سكان منطقة القبائل في تقرير مصيرهم ردا على الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو، وفي اعتقادي أن هذا التصريح يتناقض مع مبدأ وحدة الدول العربية الذي يتشبت به المغرب و لا يخدم المصلحة الدبلوماسية المغربية اذ لا يمكن تصحيح خطأ بخطأ و كما يقول المثل :”ما لا ترضاه لنفسك لا تصنعه لغيرك ” اذ لا يمكن بأي وجه كان تشجيع سياسة تجزئة الدول العربية الى دويلات وكيانات مصطنة لأن فكرة تقسيم الدول العربية الى دويلات كانت من وحي الاستعمارالأجنبي الذي كان يهدف الى اضعاف الوطن العربي وبالتالي تسهيل عملية نهب و سرقة ثرواته الطبيعية وجعل الحكام العرب مرتبطين بعلاقات عمالة مع هذه القوى الأجنبية للاستقواء بها ضد شعوبهم في معادلة اختطاف الحكم لصالحها لتحقيق مكاسب شخصية وجمع الثروات وعدم الاهتمام بشؤون المواطنين وتنصيب أفراد عائلاتهم في مناصب حكومية ليسوا أهلا لها ولا يستحقونها وممارسة سياسة متشددة في مواجهة المطالب الشعبية الأمرالذي أدى الى نزاعات وتداعيات سياسية خطيرة لا زالت قائمة الى الأن، وظلت الدول العربية متفرقة متحاربة فيما بينها والحدود مغلقة بينها رغم أن الدين الاسلامي الذي تؤمن به يقوم على مبدأ ” الأمة الاسلامية أمة واحدة ” لكن هذا المبدأ هو مجرد خرافة لم يتحقق منذ ما يزيد عن 14 قرنا مضى على تأسيس هذه الأمة التائهة في ظلام دامس ومستقبل غامض، فمنذ فجرالاسلام ظلت طبول الحرب الدموية تدق في البلاد العربية و تدخل معظم الأزمات الحالية في المنطقة العربية ضمن ما يسمى باستراتجية تنويم الشعوب عبرأزمات و حروب عبثية والهاء المواطنين بوجود عدو خارجي يتربص بالدولة حتى يتسنى للحكام العرب المستبدين جمع الثروات و تهريبها الى الخارج وعندما يشتد القتال يفرالمفسدون الى الدول الأوروبية تاركين وراءهم المواطنين المساكين والضعفاء يواجهون لوحدهم مأساة الحروب و يمكن القول أن تكتيكات تخويف الشعوب بوجود عدو خارجي يهدد أمن الدولة لن تنجح في الوقت الحاضر بسبب التغييرات الجوهرية التي طرأت على شعوب الوطن العربي التي لم تعد شعوبا بدائية تعيش في دارغفلون، فهي ليست شعوبا بدوية منغلقة على نفسها لتصديق الرواية الرسمية للحكومات العربية في حروبها مع دول عربية مجاورة و تخديرالمواطنين من طرف علماء القصورالذين يقومون بتأويل وتحريف الأيات القرأنية لخدمة الحكام العرب الطغاة المستبدين وتحويل الحروب بين الدول العربية الى جهاد في سبيل الله في حين أن الجهاد يجب أن يكون ضد العدوالأجنبي الذي يحتل الأراضي العربية، فالشباب العربي اليوم منفتح على العالم و يتميز بثقافة عالية يصعب على الحكام العرب المستبدين استحمار عقولهم سياسيا و دينيا ، أضف الى ذلك أن الظروف المعيشية في الدول العربية تدهورت بشكل مخيف جدا تحت غطاء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وانتشرت ظاهرة البطالة بين خريجي الجامعات في الوقت الذي يتم فيه توظيف أبناء المفسدين الفاشلين الذين لا يتوفرون على شواهد جامعية عن طريق القرابة والمال الحرام والغريب في الأمر أن الحراك الشعبي و ما رافقه من ثورات في الوطن العربي منذ أوائل عام 2011 لم يغير سياسة الحكومات العربية المستبدة بل استمرت في اشعال فتيل الحروب المسلحة لصرف نظرالمواطنين عن مطالبهم الأساسية التي تتمثل في توزيع ثروات الوطن العربي توزيعا عادلا واقامة نظام سياسي ديمقراطي وعدالة اجتماعية لكن الحكومات العربية لم تغير من سلوكها في الوقت الذي تبرز فيه ظواهراجتماعية مثل التزايد الملحوظ في عدد المعارضين في الخارج من جيل الشباب وارتفاع طالبي اللجوء السياسي خاصة الصحفيين الملتزمين بالدفاع عن قضايا الشعوب هروبا من القمع والاضطهاد والتضييق على حرية الرأي والتعبير رافضين سياسة تسخيرالصحافة الى بوق لتلميع صورة الأنظمة العربية الطاغية وقلب الحقائق وتضليل الرأي العام لكن رغم التعتيم الاعلامي الحكومي على الواقع العربي فان النضال الحقوقي والسياسي بدأ يزداد قوة و متانة للتعبيرعن أمال وطموحات الشعوب العربية التي أصبحت لا تثق في القمم العربية وهي مجرد تجمعات يتبادل فيها الزعماء العرب الملامة والعتاب.