حياة جبروني
أثار تعليق صلاة التراويح جماعة في المساجد للسنة الثانية على التوالي جدلا واسعا وحادا وصل حد تنفيذ احتجاجات متواصلة بين فئات عريضة على امتداد ربوع المملكة، منددين بقرار التعطيل الذي فرضه الوضع الصحي الجديد لكبح تفشي موجة ثالثة من فيروس كورونا ومن ناحية أخرى حماية لصحة المواطنين المهددة دائما بتفشي الوباء وتطور الفيروس. كما عبرت شريحة واسعة من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عن استنكارهم وتذمرهم عبر منشورات ورسوم وتدوينات شاجبة ومنتقدة لتنفيذ أمر توقيف إقامة التراويح جماعة واعتبروه توقيفا جائرا وظالما وتطاولا على ثوابت الدين الإسلامي الحنيف من خلال إطلاق شعار “الشعب يريد صلاة التراويح”.
وهنا لابد من الاعتراف أنه يحز في النفس حرماننا من إقامة صلاة التراويح التي بدونها لا تكتمل أجواء رمضان الروحية ولا ترتاح النفوس المتعطشة للنفحات الربانية لدواعي صحية وأمنية. ومن ناحية أخرى وبعيدا عن التعصب والاندفاع وسخونية الراس، يجب الاتفاق أنه لا توجد قواعد عامة إلزامية لصلاة التراويح جماعة في المسجد وراء إمام واحد. فالتراويح على هذا النحو ظهر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدل من أن تؤدى على انفراد أو على أشكال مختلفة فاعتبرها رضي الله عنه بدعة حسنة يعني لا هي فرض عين ولا هي فرض كفاية. وأعود للتأكيد أن غياب صلاة القيام في رمضان الذي عطلته الأزمة الصحية ترك خواء روحانيا بامتياز ولكن ليس لدرجة التهور وإثارة الفتنة والاحتجاجات المستمرة والتي يتقدمها بعض المراهقين المندفعين وربما المدفوعين وما يصاحبها من فوضى وعبث وأعمال شغب… وهذا هو بيت القصيد والذي من أجله قمت بكتابة هذا المقال لأقف في ضجيج هذه العربدة العوجاء وهذه الزوبعة الهوجاء عند بعض النقط وبعض الأسئلة التي يجب الإجابة عليها بكل صراحة وبكل موضوعية.
هل فعلا هذه الشريحة الغاضبة من هذا الإجراء الوقائي المتمثل في التضحية بالصلاة حرصا على السلامة الصحية وصلت درجة الرقي والسمو السلوكي الذي يضمن الانضباط في كل تصرفاتهم الوظيفية والاجتماعية والإنسانية؟ الذين يطالبون بفتح المساجد، ما مدى انعكاس هذه الشعائر التعبدية على سلوكهم وأخلاقهم؟ أليس صحيحا أننا نعيش انفصاما واضحا بين السلوك والعبادة؟ أليس الذي نراه من غش ورداءة والتهاب الأسعار التي تحرق جيوب المواطنين في الأسواق والمتاجر والشوارع ولهطة وعجرفة وسوء معاملة من بعض التجار والمهنيين والحرفيين والغريب أن جلهم يتزعمون هذه الاحتجاجات ويكفرون كل من خالفهم؟ وفي قرار نفسهم والبادية على تصرفاتهم يعتبرون سيد الشهور شهر رمضان الفضيل فرصة للربح والظفر بجزء كبير من أموال طائلة توفرها لهم ” قفزيتهم” وأفكارهم التجارية. إذن أين هو الوازغ الديني أين هي المبادئ والأخلاق والقناعة التي تكرسها الصلاة وتدعو إليها في المساجد. أما الإدرارات العمومية فالحديث يطول بطول الفساد الاداري وما يكابده المواطن من جراء “السليت” والمحسوبية والزبونية والوساطة التي نخرت المجتمع إضافة إلى ظاهرة الموظفين الأشباح التي قد تكون إرادة حقيقية وليس فقط غياب. وعن أصحاب صيام الاثنين والخميس على طول العام وما يتبع ذلك من صيام عن العمل في الادارات والمؤسسات التعليمية…. فحدث ولا حرج وكأن هؤلاء القوم يستثنون العمل من العبادة. فالعمل بالنسبة لهم عبادة منسية. وهنا أستحضر شخصية فقهية داعية وخطيب صاحب الصوت الأكثر صخبا وغضبا في خطبه والمندد الشرس لقرار منع التراويح. هذه الشخصية الاسلامية يا سادة ظل لسنوات طوال موظفا شبحا يتقاضى راتبا سمينا دون عناء لا يحضر لمقرعمله إلا لتوزيع التمائم والحروزة على أصحابها. والحديث يطول ويطول في هذا الموضوع الشائك وعن هذه المفارقة العجيبة والمدهشة بين التدين الروحي والتدين الطقوسي. وهنا أهمس في أذن بعض هؤلاء الذين يرون في قرار تعليق صلاة التراويح في المساجد قرارا ظالما ويخدش جوهر الدين. أقول لهم دعونا نرى مدى انعكاس الدين على تصرفاتكم ومعاملتكم وأخلاقكم وضميركم… ويظل البحث عن هذه الصفات وهذه الفضائل كالبحث عن بيضة الديك. أعود وأقول على استحياء مما قدمته من حقائق ووقائع، المسجد –بيت الله- ليس فقط فضاء للعبادة ينقضي بمجرد انقضاء الصلاة، ولكن هذا المكان الطاهر الروحاني يجب أن يعيش معنا، يسكن قلوبنا وجوارحنا، يجب أن يكون حاضرا داخل بيوتنا وخارجها في الأسواق والمدارس في العمل والمعاملة انذاك ربما نلتمس لهؤلاء المتظاهرين عذرا لهذا السجال وهذا السخط. ولكن تبقى الخلاصة القائمة والثابتة أن ممارسة الشعائر الدينية مجرد طقوس تعبدية حركات جوفاء بعيدة عن المقاصد الدينية مما يجعلنا نعيش دينا طقوسيا بامتياز. والأكيد أننا إزاء إشكالية فهم الدين باعتباره طقوس تعبدية ومقاصد دينية التي لم نصل إليها بعد.