ما الذي غاب عن عيد الجزائر والمغرب؟

admin
كتاب واراء
admin13 يونيو 2025آخر تحديث : منذ 5 أيام
ما الذي غاب عن عيد الجزائر والمغرب؟
  • نزار بولحية

لا ثغاء للخراف ولا ساحات لبيع الأضاحي، ربما يصعب على الجزائريين أن يصدقوا كيف عيّد جيرانهم هذا العام، وعلى أي حال فهم لم يخوضوا بعد تجربة مثل تلك، إذ حتى مع النقص الحاد في قطعان ماشيتهم السنة الحالية، فقد اهتدت حكومتهم إلى ما رأته الحل المثالي للأزمة، وقامت بأمر من الرئيس عبد المجيد تبون باستيراد مئات الآلاف من رؤوس الماشية، لذبحها في العيد، بعد أن كان الرئيس قد قال في وقت سابق، إن استيراد المواشي في تلك المناسبة «غير ممكن بسبب وجود خلل يجب تصحيحه»، على حد تعبيره.
لكن هل بوسع الجزائريين الآن أن يصدقوا أنه لم تعد هناك حدود، أو حواجز تفصل بين بلدهم وجارتهم الغربية، وأن كل القرارات التي تتعلق بالمسائل المعيشية والروحية للشعبين الجزائري والمغربي، صارت تؤخذ داخل مجلس الشورى المغاربي، بما فيها استيراد المواشي للعيد، وباقي المسائل المتعلقة بممارسة الشعائر الدينية في أفضل الظروف؟ طبعا لا.. فهم يعلمون جيدا أن هناك ستارا حديديا ما زال يحول بينهم وبين جيرانهم، وأن كل بلد من البلدين يأخذ مواقفه وقراراته بشكل منفرد تماما، ودون أدنى تشاور أو تنسيق مع الآخر.
وفي تلك الحالة إذن ما الذي يكون أولى وأجدر بهم أن يستغربوا منه؟ هل الغياب الظرفي للأضاحي في المغرب في هذا العيد بالذات؟ أم من الفقدان الطويل وغير محدد الأمد لأي مظهر من مظاهر الأخوة، والتضامن، وصلة الأرحام بينهم وبين جيرانهم، لا فقط في مثل ذلك الوقت من كل عام، بل على مدار السنة كلها؟ لقد مضى يوم الجمعة وانقضى بعده السبت، وانتهى في كلا الحالتين أول أيام عيد الأضحى في الجزائر والمغرب، بعد أن تحول إلى مدار خلاف آخر بين الجارتين المغاربيتين، حيث لم يشكك بعض الجزائريين فقط في ما إذا كان يجوز أن يعيّد المغاربة يوما واحدا بعد احتفال معظم الدول الإسلامية بالعيد، لكنهم لم يفهموا أيضا كيف أنهم قاموا بذلك دون نحر الأضاحي. وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وفي بعض وسائل الإعلام الجزائرية بالخصوص، ظل الجدل محتدما ولعدة أيام، وتحول المعلقون في الأثناء إلى فقهاء يفتون ويحللون ويحرمون، كما يشاؤون، بل وصل الأمر بالبعض منهم حد التفاخر والتباهي بذبحهم للخرفان وتعيير جيرانهم، والسخرية منهم لأنهم لم يفعلوا ذلك.

وحتى توسع الدائرة وانفتاحها على بعد حقوقي إضافي، ذكرت قناة الجزائر الدولية الفضائية، أن السلطات المغربية سخّرت أعدادا كبيرة من المخبرين وحتى من الطائرات المسيرة عن بعد لمراقبة مدى التزام المغاربة بعدم نحر الأضاحي في العيد. أما ما الذي جعلهم يخوضون في تلك المسألة على ذلك النحو، وما الدافع الأصلي وراء مثل تلك الانتقادات والمؤاخذات، التي بدت في الظاهر فقهية وشرعية فحسب؟ فمن البديهي أن الجواب يكمن في مكان آخر خارج مربعات الحلال والحرام، أو ما يجوز شرعا وما لا يجوز. ولعل السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هنا هو، ما الذي غاب أو فقد فعلا في البلدين في هذا العيد، وحتى في الأعياد التي سبقته؟ وما الأثر الذي تركه فيهما الآن؟ هل عمق من حاجتهما إلى التقارب؟ أم أنه زاد ووسع من حجم الهوة التي تفصلهما عن بعضهما بعضا؟ صحيح أنهما لم يعيّدا في يوم واحد وبالطريقة نفسها، إذ أن المغاربة لم يؤدوا هذه السنة شعيرة نحر الأضاحي تطبيقا للمناشدة التي وجهها إليهم عاهل بلادهم محمد السادس، قبل ما يقرب من أربعة شهور، في رسالة تلاها في ذلك الوقت وعلى التلفزيون الرسمي وزير الأوقاف، دعاهم فيها للامتناع هذا العام عن أداء تلك الشعيرة، لأن القيام بها «في هذه الظروف الصعبة ـ أي في ظل التراجع الحاد في أعداد قطعان الماشية – سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء الشعب، لاسيما ذوي الدخل المحدود»، حسبما جاء في نص الرسالة. لكن هل كان ذلك الأمر جديدا؟ وهل أنه حدث للمرة الأولى من نوعها؟ قطعا لا. ففي كثير من المرات سبق للمغاربة أن احتفلوا بعيد الأضحى، أو حتى عيد الفطر بعد يوم من احتفال جيرانهم به، لأن رؤية الهلال وهي التي بها تثبت بداية ونهاية الشهور القمرية كانت تتم في البلدين بطريقة مختلفة، كما أنه سبق لهم وفي ثلاث مناسبات كان آخرها في التسعينيات، أن امتنعوا عن القيام بشعيرة نحر الأضاحي في العيد بعد أن دعتهم السلطات إلى ذلك، بسبب ظروف طارئة. فما الذي حصل الآن إذن؟ ولماذا بالغت ربما بعض وسائل الإعلام الجزائرية في تصوير العيد في جارتها الغربية، وكأنه قد تحول بفعل ذلك القرار وبدلا من يوم فرحة إلى يوم حزن؟ ببساطة لأن العيد صار منذ عدة سنوات عنصرا من عناصر التباعد والتنافر والصراع بين الجزائر والمغرب، لا عاملا من عوامل التواصل والتقارب والتآخي بينهما. لقد اختصرت القضية كلها في نحر أو عدم نحر الخرفان، وكأن جوهر الدين كله كان يكمن فقط في تلك المسألة دون غيرها.
ومن رسالة العاهل المغربي التي تلاها قبل شهور وزير الأوقاف المغربي، والتي تضمنت تلك التوصية بعدم نحر الأضاحي هذه السنة ربما غفل كثيرون عن قراءة إحدى الفقرات التي قال فيها موجها خطابه للشعب المغربي، ولو أن شعوبا إسلامية أخرى قد تكون معنية به أيضا: «نهيب بك أن تحيي عيد الأضحى إن شاء الله وفق طقوسه المعتادة ومعانيه الروحية النبيلة، وما يرتبط به من صلاة العيد في المصليات والمساجد وإنفاق الصدقات وصلة الرحم، وكذا كل مظاهر التبريك والشكر لله على نعمه، مع طلب الأجر والثواب». وفي الواقع فإن تلك المعاني الروحية النبيلة التي من المفترض أن يشيعها العيد هي التي غابت تماما بين الجزائريين والمغاربة. وربما بدا في ظل الأجواء المشحونة بينهم مجرد تبادل التهنئة بذلك اليوم بين قادتهم، حدثا استثنائيا فارقا وفريدا من نوعه يحتاج إلى مساع وجهود جبارة للوصول إليه. ولعل الأيام التي كان يبرق فيها الرئيس الجزائري للعاهل المغربي أو ملك المغرب، لرئيس الجزائر لتقديم التهاني بالعيد باتت ذكرى بعيدة ومنسية. والمؤسف حقا أنه لا أحد من الذين تهافتوا في مواقع التواصل الاجتماعي للإفتاء في صحة عيد المغرب من الناحية الشرعية، امتلك الجرأة والشجاعة للحديث عن حكم القطيعة بين جار وجاره، خصوصا في تلك الأيام المباركة، وكأن الغاية كانت هي فقط أن يثبت البعض وبشتى الطرق أن الشعبين والبلدين مختلفان عن بعضهما بعضا حتى في أداء مناسك وشعائر توحد المسلمين في العالم كله، سعيا لأن يرسخ الاعتقاد شيئا فشيئا باستحالة اجتماع المغاربة والجزائريين، وتحقيق التوافق بينهم لا اليوم ولا حتى غدا. لكن أين المصلحون؟ وأين الحكماء وأين العقلاء من كل ذلك؟ هذا هو المحير حقا.
كاتب وصحافي من تونس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.