نزار بولحية
لماذا خاطب وزير الخارجية المغربي في المؤتمر الصحافي الذي عقده الاثنين الماضي المفوض الأوروبي المكلف بالجوار والتوسع، بنبرة حادة بعض الشيء وقال له إن «الكرة اليوم في ملعب الاتحاد الأوروبي لإرسال الإشارات وإيجاد الحلول»، لما اعتبرها تحديات تواجهها الشراكة مع أوروبا؟ ربما لأن المغرب بات يمتلك كثيرا من الأوراق البديلة، ومن بينها الورقة الصينية. ففي وقت غير بعيد قدم الرئيس الصيني في زيارة خاطفة إلى الدار البيضاء، وتساءل كثيرون إن كان الصينيون قد جاملوا المغرب عندما وصل رئيسهم الخميس الماضي وبشكل مفاجئ إلى ذلك البلد، حين كان عائدا من البرازيل.
وفي كل الأحوال كانت وكالة الأنباء الصينية شيخاو، حريصة على أن توضح أن قدوم شي جين بين إلى هناك، وفي ذلك الوقت بالذات كان يعود فقط إلى «توقف تقني» تطلبته ربما رحلته الطويلة. والغرض من ذلك كان سد الباب أمام أي تأويلات. فبكين لم تكن راغبة كما يبدو في أن تعطي قدوم رئيسها للمغرب، لا حجما أقل ولا أكبر مما كانت تراه مناسبا للحفاظ على مجمل مصالحها في الشمال الافريقي. لكن هل كان «التوقف التقني» لطائرة أرفع مسؤول في الدولة الصينية في ذلك البلد المغاربي دون غيره، خاليا بالفعل من أي أغراض، أو دلالات سياسية؟ يبدو ذلك مستبعدا. فالصينيون ليسوا غرباء عن الشمال الافريقي، بل هم على العكس من ذلك يعرفونه جيدا، وهم على دراية وإلمام تام بكل ما يجري فيه، وبالتالي فهم يدركون طبيعة الأبعاد التي قد يأخذها تصرفهم. لقد كانوا متأكدين ومن دون أدنى شك وبحكم ما يملكونه من علاقات وطيدة وقوية بكل دول المنطقة بلا استثناء، أن أي عاصمة مغاربية كانت، وفي حال ما إذا طلب منها ذلك ستسعد لاستقبال رئيسهم، ولو لدقائق معدودة، فتفرش السجاد الأحمر له، وتقيم له مراسم استقبال رسمية تليق به، إلا أنهم اختاروا العاصمة الاقتصادية المغربية دون غيرها ولم يحدث ذلك من باب الصدفة.
وربما تحدث السفير الصيني المعتمد في الرباط بكثير من الدبلوماسية حين أرجع السبب الوحيد في ذلك إلى كون الرئيس شي، قد سبق له حين كان مسؤولا إقليميا في سنة 2005 أن زار عدة مدن مغربية، ولأجل ذلك فقد كان يتطلع لأن يزور المغرب، ولو بشكل خاطف ليطلع على التحولات التي حدثت فيه منذ تلك الفترة إلى الآن. غير أن الهدف من وراء ما وصفت بالزيارة القصيرة، بدا واضحا ومحددا بشكل أساسي وهو، التعبير عن الرغبة الصينية القوية في الرفع من مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إلى درجات أعلى بكثير مما هي عليه الآن. فالصين تريد أن تأخذ نصيبا وافرا من الفرص الاستثمارية والمشاريع العملاقة، التي يعتزم المغرب إنجازها قبل عام 2030 موعد استضافته مع إسبانيا والبرتغال لكأس العالم في كرة القدم. وهذا ما صرح به الرئيس الصيني ربما بشكل موارب بعض الشيء، حين ذكر في حديثه لوكالة الأنباء الصينية، أن بلاده مستعدة «للعمل مع المغرب على تنفيذ نتائج قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الافريقي والمؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، والعمل على تحقيق مزيد من النتائج في التعاون العملي عبر مختلف المجالات في إطار تعاون الحزام والطريق».
لكن الجملة التي فتحت الباب لأكثر من تفسير كانت تلك التي تلت ذلك التصريح، فقد قال الرئيس الصيني ومباشرة بعد التركيز على ما وصفه بالتعاون العملي: «إن الصين تدعم جهود المغرب في الحفاظ على أمنه واستقراره على الصعيد الوطني». ولأن الأمن والاستقرار بالنسبة للرباط كان يعني وبدرجة كبرى التوصل إلى حل واحد من أكبر وأعقد الملفات الإقليمية المفتوحة أمامه منذ عدة عقود، وهو ملف الصحراء، فقد فسر ذلك الكلام على أنه إشارة إلى أن بكين تعاضد المغرب في حربه على البوليساريو، وأنها مستعدة لأن تقدم له مزيدا من الأسلحة والعتاد العسكري الصيني، الذي قد يحتاجه في تلك الحرب، بعد أن سبق له أن اقتنى منها في السنوات الماضية، أعدادا من المسيرات الحربية وأنظمة صاروخية مضادة للدبابات والمركبات المدرعة. لكن هل كان هناك مضمون سياسي أو دبلوماسي لذلك الدعم؟ وبمعنى آخر هل أرادت بكين أن تقول للرباط وربما أيضا للجزائر، بما أنها الطرف المعني بدوره بالنزاع الصحراوي، أنها قد تكون في طريقها للقيام بتغيير جذري في موقفها التقليدي، في اتجاه تبني المقترح المغربي لحل ذلك المشكل الإقليمي بشكل نهائي وتوافقي، من خلال الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية؟ لا شك أن المغاربة يتطلعون إلى أن تدفع الواقعية والتقدير الجيد للمصالح، الصينيين إلى التخلي عن التردد والتحفظ الزائد، والإقرار بالحل الذي عرضوه منذ ما يقرب من عقدين لغلق ذلك الملف. وهنا لم يكن من العبث أن أشار المصدر ذاته أيضا إلى أن ولي العهد المغربي، نقل إلى الرئيس الصيني خلال استقباله له في تلك الزيارة القصيرة، شكر الملك محمد السادس على «دعم بلاده للرباط خلال جائحة كوفيد ـ 19»، مؤكدا «أن الشعب المغربي لن ينسى هذا الأمر»، ومضيفا أن «البلدين يتبنيان مواقف متشابهة بشأن العديد من القضايا، وأن المغرب مستعد للعمل مع الصين لدعم كل منهما بحزم للحفاظ على السيادة الوطنية والأمن والاستقرار». فقد كان واضحا أن الغرض من ذلك كان إبلاغ الصينيين أن المغرب يقر بوحدة أراضيهم، ويدعم مبدأ صين واحدة ويطلب منهم أن يقروا بالمقابل بوحدة أراضيه، ويدعموا مبدأ مغرب واحد وبالتالي خضوع الصحراء للسيادة المغربية. لكن هل تبدو بكين قادرة بالفعل على القيام بتلك الخطوة والمجازفة بالتالي في تلك الحالة بتعريض علاقاتها الجيدة بالجزائر للضرر؟ لا شك أن الصينيين لا يفضلون الاقتراب بشكل كبير من المغرب على حساب شريك مهم بالنسبة لهم في الشمال الافريقي وهو الجزائر. ولأجل ذلك فإن بلادهم ربما لن تكون ثالث بلد من البلدان الخمسة الأعضاء في مجلس الأمن التي قد تأخذ موقفا واضحا وصريحا في دعم مغربية الصحراء بعد الولايات المتحدة وفرنسا، بل لعلها ستكون الأخيرة. ويبدو أن المغاربة يتفهمون ذلك الأمر جيدا ولا ينتظرون من بكين في هذه المرحلة على الأقل أن تقدم على القيام بتغييرات راديكالية وثورية على سياستها المعروفة في النزاع الصحراوي، بل أن تستمر وفي الحد الأدنى على الأقل في الحفاظ على ما يرونه موقفا مقبولا إلى حد ما، وذلك بحرصها الدائم على عدم إظهار أي انحياز لجارتهم الشرقية، كلما تعلق الأمر بذلك الملف بالذات. ولعلهم يأملون في أن إقناع الصينيين بمبادرات مثل التي طرحها الملك محمد السادس حول ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، أو مشروع خط أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب، قد تكون مفتاحا لتغير حذر وبطيء قد يحصل غدا في موقف الصين ويجعلها تبدو أقرب ما يمكن للمغرب.
*كاتب وصحافي من تونس