هل تستبدل الجزائر الاتحاد المغاربي بحلف إقليمي؟

admin
كتاب واراء
admin21 أبريل 2023آخر تحديث : منذ سنتين
هل تستبدل الجزائر الاتحاد المغاربي بحلف إقليمي؟

نزار بولحية

كيف ينظر للقرار الذي أخذه الطيب البكوش بشأن ممثلية الاتحاد المغاربي في أديس أبابا؟ وهل أن الأمين العام قد قدّم بذلك خدمة للمغرب، أم هدية للجزائر؟ ربما تتكشف الخلفيات والدوافع يوما ما، لكن ما الذي جعل الجزائريين يلتفتون الآن بالذات إلى ذلك الاتحاد الذي كانوا يصفونه مثل غيرهم بالميت؟
جيرانهم في المغرب قد يجيبون ببساطة أنهم فعلوا ذلك، لأنه تم تعيين مغربية على رأس ممثليته في الاتحاد الافريقي، لكن هل كان الأمر يتعلق بفصل آخر من فصول الصراعات الدبلوماسية الحامية بين الجارتين، داخل أروقة المنظمات الإقليمية والدولية؟ أم أن الجزائريين كانوا يبحثون عن فرصة ما، أو حتى عن مبرر ليقطعوا صلتهم بالكامل بالاتحاد المغاربي، تمهيدا ربما للإعلان في وقت لاحق عن حلف إقليمي بديل له؟

كل عضو من أعضاء الاتحاد المغاربي الخمسة كانت له في مرحلة ما على الاقل تحفظاته، أو مآخذه عليه، لكن لا أحد منهم أقدم حتى الآن على إعلان الخروج منه

لا شك في أنهم كانوا يعلمون جيدا أن المنصب الذي أثير حوله ذلك الجدل شكلي ورمزي بالدرجة الأولى، وأن التمثيلية المغاربية في العاصمة الإثيوبية لن تؤثر كثيرا في السياسة الافريقية ولن تغير مسار القضايا والنزاعات المفتوحة في القارة. غير أن البيان شديد اللهجة الذي أصدرته خارجيتهم الأحد الماضي، وأعربت فيه عن «استغرابها العميق» إزاء ما وصفته بالقرار «المتهور والطائش» لرئيس مفوضية الاتحاد الافريقي موسى محمد فقي، بقبول ما قالت عنه «ما يسمى أوراق الاعتماد من دبلوماسية مغربية تقدم نفسها زورا على أنها الممثلة الدائمة لاتحاد المغرب العربي لدى الاتحاد الافريقي»، وحسب نص البيان يكون الانطباع معاكسا لذلك، ويؤكد من جانب آخر على مسألتين وهما، التمسك باتحاد المغرب العربي من جهة، ومن الجهة الأخرى، التلويح بأن الجزائر تحتفظ لنفسها بـ»اتخاذ الإجراءات المناسبة كافة حسب تطور الحالة»، لكن ما الذي يعنيه ذلك بالضبط؟ من الواضح جدا أن الصيغة التي كتب بها البيان تفتح الباب على أكثر من سؤال، فهل تستعد الجزائر لخوض معركة دبلوماسية أخرى مع موسى محمد فقي، لإسقاط قراره الأخير؟ أم أنها ستركز جهودها وتحركاتها في الفترة المقبلة على الطرف الآخر، أي على الاتحاد المغاربي وأمينه العام؟ وفي تلك الحالة هل يمكن أن تصل ردة فعلها حد تعليق العضوية فيه، أو ربما حتى الانسحاب منه؟ قد لا تبدو الأجوبة عن ذلك سهلة أو بسيطة، فليس مؤكدا بعد في ما إذا كان بوسعها أن تسقط قرار اعتماد ممثلية الاتحاد المغاربي في أديس أبابا من داخل البيت الافريقي، كما أن إمكانية نجاحها في تحقيق ذلك من خلال الاتحاد المغاربي تبدو صعبة للغاية، وربما حتى غير ممكنة بالمرة وهي متى تحققت فتكون بمثابة رصاصة الرحمة الأخيرة، التي تنهي وجوده بشكل نهائي. والثابت هنا أنه على مرّ العقود والسنوات التي تلت إنشاء ذلك الاتحاد، لم تكن أي دولة من دوله الخمس مقتنعة، أو راضية في كل الفترات على أدائه، كما أن كل عضو من أعضائه كانت له في مرحلة ما على الاقل تحفظاته، أو مآخذه عليه، لكن لا أحد منهم أقدم حتى الآن على إعلان الخروج منه وأقصى ما فعله المغرب مثلا في وقت ما هو أنه قرر في 1995 تجميد عضويته فيه. غير أن الظروف الآن تبدو معقدة جدا، لا داخل المنطقة المغاربية وحدها، بل حتى داخل ذلك الهيكل الإقليمي المجمد، الذي يعيش منذ سنوات في شبه عزلة قسرية. وقد يقول البعض هنا أن لا مشكل للجزائر لا مع الاتحاد الافريقي، ولا مع الاتحاد المغاربي، بل إن لها فقط بعض المآخذ على رئيس مفوضية الأول، وأمين عام الثاني مثلما يتضح ذلك في بيان خارجيتها، لكن إن عدنا للاتحاد المغاربي فما الذي تريده الجزائر منه الآن بالتحديد؟ هل فقط أن يتراجع عن قرار تعيين أمينة سلمان ممثلة دائمة له في الاتحاد الافريقي؟ أم أنها تطالب أيضا بإبعاد أمينه العام من منصبه، بعد أن انتهت ولايته الصيف الماضي؟ في كلا الحالتين فإن أي خطوة قد يقدم عليها الاتحاد لتلبية الطلب الجزائري سوف تعني أنه سيكتب شهادة وفاته بنفسه. فالتراجع عن تعيين سلمان سيعتبر فقدانا لما تبقى له من مصداقية، وسيثير بالتأكيد غضب وانزعاج المغرب الذي قد يرى فيه نوعا من الرضوخ والمحاباة غير المقبولة للجزائر، قد تدفعه لاتخاذ إجراءات أكبر من تلك التي أخذها في السابق، أي تجميد عضويته فيه. أما إبعاد الأمين العام الحالي عن منصبه في الظرف الحالي، فهذه مسألة دقيقة جدا وشائكة وتضع الدول الخمس كلها في مأزق حقيقي، لأن تعيين خلف له يتطلب انعقاد قمة على مستوى وزراء الخارجية، تصوت بالإجماع على قبول المرشح الذي تقدمه تونس، مثلما جرى عليه العرف، وهذا أمر لم يعد على ضوء الظروف الحالية التي تعرفها العلاقات المغاربية ممكنا. ومن المؤكد أن الطيب البكوش لم يغفل عن ذلك، وكان يعي ويعرف جيدا مقدار الحساسية الشديدة التي باتت تحكم العلاقات الجزائرية المغربية، وعواقب وتداعيات أي قرار قد يأخذه، ويفسر في هذه العاصمة أو تلك على أنه انحياز لطرف على حساب الآخر. ومع ذلك فهو لم يكلف نفسه حتى عناء استشارة الجزائر حول ذلك التعيين مثلما جاء في بيان خارجيتها. وهذا ما يطرح نقطة استفهام كبرى. فما الذي دفعه للإقدام على ذلك، وهو الذي حاول دائما أن يتجنب الاحتكاك أو الاصطدام بالجارتين المغاربيتين الكبيرتين؟ هل أراد التقرب من الرباط واسترضاءها، في الوقت الذي ما زالت علاقتها به فاترة جدا وباردة منذ عدة سنوات، مثلما أشار الجزائريون صراحة إلى ذلك؟ أم أنه سعى إلى قلب الطاولة على الجميع ودفع المغاربيين إلى أن يلتفتوا إلى اتحادهم ويقرروا مصيره، بعد أن فشلت كل مساعيه ومحاولاته وجهوده في إقناعهم بذلك؟ في كل الأحوال فإن البكوش قدّم من حيث أراد أم لا للجزائريين هدية على طبق، فلم يعد سرا أن هؤلاء بدأوا في التفكير ومنذ مدة في بديل آخر للاتحاد المغاربي، وحديث البعض قبل شهور عن أن تحالفهم الحالي مع تونس وعلاقاتهم الوثيقة مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، قد يجعلهم يتطلعون إلى تكوين حلف ثلاثي قد يضم موريتانيا، لكنه يقصي المغرب قد يكون بالون اختبار، ربما لمخطط قيد الدرس في دوائر القرار الجزائرية. وبالطبع فإن أي إعلان عن تلك الخطوة لا يمكنه أن يتم مع احتفاظ الجزائر بعضويتها داخل الاتحاد المغاربي الحالي. وبالتالي فإن خروجها منه سيكون الشرارة الأولى لتفككه التدريجي واندثاره ونقطة الانطلاق في المقابل لمشروع آخر يقوم على الاستقطاب وبناء حلف إقليمي قد يكون واحدا من بين أهدافه العمل على عزل الرباط، لكن هل يمكن أن ينجح ذلك الحلف في تحقيق أهدافه؟ المؤكد أن كل محاولات القفز على التاريخ والجغرافيا فشلت على طول الخط.

كاتب وصحافي من تونس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.