عبد اللطيف مجدوب
غليان المناخ الدولي
مع تصاعد وتيرة الحرب الروسية الأوكرانية، وتوالي تدفق الأسلحة على هذه الأخيرة، بتواز مع لفّ حبل العقوبات الاقتصادية حول عنق روسيا؛ في هذا الجو العالمي المحموم، بدأ العالم يلاحظ بوادر التداعيات الأولية على اقتصاديات العالم، وارتفاع مؤشرات أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة، ويأتي على رأسها، وربما زر محركاتها الرئيسة، قطاع الطاقة السائلة، من نفط وغاز ومشتقاتها، التي تشكل %95 من احتياجات السوق العالمية.
كان لهذه الظرفية الدولية المفاجئة الأثر العميق على مستوى العيش في معظم دول العالم، فتدنت القوة الشرائية بفعل لهيب الأسعار، من جهة، وارتفعت فاتورة الطاقة، أو بالأحرى توالى ارتفاعها بنسب هندسية مخيفة؛ فقد كان سعر البرميل الواحد من النفط الخام قبل اندلاع الحرب لا يتجاوز 50$ ليقفز إلى 90$ ليصل حالياً إلى 100$، وقد يتجاوزه إلى مستويات مرعبة في حال ما أقدمت روسيا على اللعب بورقة الغاز مقابل الروبل كشرط للسماح بتدفق غازها إلى أوروبا.
تدبير الوضعية الحرجة القائمة
يعكف خبراء الاقتصاد الطاقي Energy Economy في عديد من الدول والحكومات على دراسة الآثار الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها على أسواق المنتجات الاستهلاكية، وبالدرجة الأولى القدرة الشرائية للمواطنين؛ فاهتدوا إلى جملة من السيناريوهات للحد من استهلاك الطاقة السائلة، وفي آن إيجاد السبل الكفيلة بالتخفيف من حدة استهلاكها اليومي، وهو ما أفضى إلى مراجعة الموازنات القطاعية، بغرض حماية المستهلك، أو بالأحرى التخفيف من ارتفاع كلفة العيش التي بلغت مستويات قياسية، من حيث الغلاء والندرة أحيانا.
سُعار المحروقات وسُعار المواد!
خطاب الحكومة، لدينا بالمغرب، وموقفها من الأزمة الطاقية الخانقة يطبعه التوجس وأحيانا كثيرة الارتجالية التي لا تستحضر، في اتخاذ قراراتها، الأوضاع الميدانية، كضعف القوة الشرائية لدى الطبقة المتوسطة التي يتشكل منها السواد الأعظم من المغاربة، وهوامش الفقر والهشاشة التي أصبحت تتسع رقعتها يوما بعد آخر.
فمحطات البنزين لدينا تصبح كل يوم في شأن، تتدرج أسعارها بالدرهم بدل السنتيم، فقد بلغ سعر اللتر الواحد من الغازوال خلال ثلاثة أيام متوالية: 13د، 14د، 16د، ما دفع بالعديد من شركات النقل والنقل الحضري إلى الرفع، وبشكل تعسفي وفجائي، من سومة نقل البضائع والأشخاص.
وأمام هذه الفوضى والظروف الاقتصادية العصيبة، يلزم نزول الحكومة وبقوة إلى الميدان، أولاً للضرب على أيدي المضاربين والوسطاء والمحتكرين والمزيفين من جهة، وتنظيم أسعار السوق من الوقود والمواد الاستهلاكية من جهة أخرى؛ وثانيا لإعادة النظر، وبشكل فوري، في نظام الأجور والتعويضات، مسايرة للظرفية الاقتصادية الدقيقة التي يجتازها العالم؛ فليس من العدالة في شيء أن يتحمل المواطن وحده فاتورة الطاقة ويواجه نسبة %30 إلى %40 من الزيادة في المحروقات والمواد الغذائية، بينما يظل مرتبه جامدا؛ فسيكون، في هذه الحالة، كمن يخضع مرتبه/أجرته لاقتطاع بنسبة تصل في المتوسط إلى %35، ما سيخلق حالة من التذمر مصحوبة بتراجع في أداء الموظف/المستخدم، قد يصل إلى أكثر من %50 من نشاطه العادي.
وعلى الحكومة تدبير الأزمة بمنطق وعقلانية، مستحضرة جميع الشركاء دون استثناء، وإلا زادت الأوضاع سوء واختناقا إلى مستوى قد ينذر بانفجار الأوضاع الاجتماعية في أي لحظة.