سعيد سونا – باحث في الفكر المعاصر
في بداية مقالتنا البحثية هاته ، لابد أن نتوجه لهذا الموضوع الشائك لراهنيته ، وبعده الاستراتجي ، ونضعه بين منطقي الشرع والوضع .
فبعد مرور شهر على وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، توجه الخليفة أبا بكر الصديق لاستئناف عمله التجاري ، على اعتبار أنه من كبار تجار المدينة ، لكن عمر ابن الخطاب منعه من ذلك ، حتى لايكون للخليفة اي امتيازات عن باقي التجار في الأسواق وخاطبه قائلا ” اسمع يا أبا بكر لقد أصبحت خليفة لرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك يجب أن تمتنع عن التجارة ، حتى لاتتطاول العامة على هيبة الخلافة والخليفة ، وسنجعل لك مقدار من المال من بيت المسلمين حتى تعيش به كريما عفيفا ” أما أبا بكر فقد اقتنع بالطرح والتزم بمضمونه جميع من جاء بعده من الخلفاء الراشدين …
يقال الشيء بالشيء يذكر ، والمناسبة شرط ، ومناسبة هاته المقالة ، إهالة التراب ، على ما أصبح يسمى ،تغول ” التقنوقراط ” على الحكومات ، واعلان موت السياسة في حضرة هؤلاء … فإذا كانت الأحزاب عمود الديموقراطية ، فإن المغرب على سبيل المثال لا الحصر ، ينظم انتخابات سياسية ، ثم يفاجىء هاته الأحزاب بوجوه تنتمي لعالم التقنوقراط في الوزرات الاستراتجية المكونة الحكومة ، لتكون لهم الكلمة الفصل في الاختيارات الكبرى للبلد ، ليتم طرح السؤال المنطقي التالي … ما فائدة الأحزاب بل مافائدة الانتخابات أصلا ؟؟؟
الدستور يتكلم عن حكومة سياسية ، تقودها شخصية تنتمي للحزب الذي يأتي في ريادة نتائج الانتخابات ، لكن الواقع يخاصم منطوق الدستور ، وهي منقصة تشوش على المسار الديموقراطي للبلد ، لأن الدستور وثيقة سياسة لايمكن تجاوزها ، مما ينقص من منسوب الثقة في العمل السياسي عند النخبة والقاعدة ، ولذلك يبقى الحل هو تكوين حكومة ” تنقنوسياسية ” تجمع شخصيات ذات تكوين تقني ، لكن بالموازاة مع ذلك لها مسار سياسي يعطي للدولة مصداقية وهبة …
وعن رأيه في حكم التكنوقراط، قال أوريد: “الخطورة لا تكمن في التكنوقراط بل في حُكْمهم؛ لأنه قد يقع نوع من التطاول من طرفهم على السيادة الشعبية، لأن البنية الذهنية للتكنوقراط منصرفة تماما عن الواقع”، غير أنه استدرك أنه “لا يمكن الاستغناء عنهم، بل ينبغي الدفاع عنهم، وأن يوفر لهم إطار يضمن لهم العمل بنوع من الطمأنينة”.
فماهو مفهوم التقنوقراطية ؟ ثم هل التقنوقراطية تتماهى مع الدواوينية البيروقراطية ؟ وما علاقة كل هذا بمستجد التقنوقراطية الشعبوية ؟ ثم هل سينجح المغرب في ورش الحكومة التقنوسياسية ؟
—- ماهو مفهوم التقنوقراطية ؟
مصطلح التكنوقراطية مشتق في الأصل من الكلمتين اليونانيتين: (tekhne) وتعني “المهارة” و(kratos) التي تعني القوة.
ويُنسب استخدام هذا المصطلح للمرة الأولى إلى المهندس الأميركي وليام هنري سميث، الذي استخدم كلمة “تكنوقراطية” في مقال كتبه عام 1919، للإشارة إلى الديمقراطية الصناعية، إذ يُدمج ذوو الخبرة مثل المهندسين والعلماء في عملية صنع القرار داخل الشركات …
قال عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، على سبيل المثال لا الحصر ،،،، إنه لا يؤمن بإمكانية ممارسة التقنوقراط للسياسة، لعدم إلمامه بها، مما يشكل أكبر خطر على العملية السياسية في المغرب.
واتهم وهبي، في لقاء حواري، مساء الاثنين، الإعلام العمومي الرسمي بشن حرب على الأحزاب منذ خمس سنوات، على الرغم من دورها في النظام الديمقراطي والحياة السياسية وحاجة المجتمع لها في النقاشات العمومية، كجزء لا يتجزأ من الدولة.
وأشار وهبي إلى تناول النموذج التنموي الجديد لعدد من القضايا الكبرى بطريقة جريئة، مما يشكل خطوة للأمام، وحافزا بالنسبة للأحزاب للمضي قدما في مشاركتها في المسار التنموي.
وأضاف وهبي:”نحن لسنا ملزمين بالمشروع التنموي فلدينا أفكارنا وبإمكاننا أن نبدي آراءنا، المشكل أننا إذا قبلنا به كما هو سيصبح ملزما لنا داخل الحكومة، ليبقى السؤال مطروحا:هل لدينا القدرة لإقراره فعليا على أرض الواقع حينها؟”.
– هل التقنوقراط هم سبب فشل بنموسى في ملف التعليم ؟؟؟
يتميز قطاع التربية الوطنية بوجود أطر وكفاءات تربوية راكمت تجارب مهمة داخله. إلا أن الوضع تغيّر بقدوم وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، الذي جاء مصحوبًا بفريق تقنوقراطي لا علاقة لهم بالمجال التعليمي سوى ارتباطهم السابق بالوزير عبر محطات مهنية أخرى.
– الفريق التقنوقراطي ….
قام بنموسى بالاستعانة بأشخاص لتنفيذ رؤيته الإصلاحية داخل القطاع. ومعظم هؤلاء لا صلة لهم مباشرة بقطاع التربية الوطنية ويفتقرون للخبرة الكافية فيه. قد عملوا بجانب الوزير في لجنة صياغة النموذج التنموي الجديد التي كان يرأسها. يتمتع هؤلاء بصلاحيات واسعة داخل الوزارة، مما جعلهم يتحكمون في كل صغيرة وكبيرة منذ تولي بنموسى الوزارة، فيما تراجع دور العديد من المسؤولين البارزين الذين لديهم خبرة طويلة في التعليم، بدأت من التدريس ووصلت إلى مناصب مسؤولية كبيرة.
—- الأزمة في قطاع التعليم …
يرى متابعون أن جزءًا كبيرًا من الأزمة التي يمر بها قطاع التعليم، خاصة مع تنزيل النظام الأساسي الجديد لموظفي الوزارة وما تبعه من إضرابات واحتجاجات، يعود إلى الرؤية التقنوقراطية للوزير بنموسى وفريقه. فالتعليم قطاع اجتماعي معقد يتطلب معالجة مشاكله بأبعاد متعددة، لا سيما تلك المتعلقة بالموارد البشرية. ورغم المشاكل المتراكمة وفشل الإصلاحات السابقة، قرّب بنموسى من دائرته أشخاصًا يفتقرون إلى الخبرة السياسية أو النقابية.
– الشخصيات المؤثرة …
يونس سحيمي: الكاتب العام للوزارة، جاء خلفًا ليوسف بلقاسمي، وهو من اتخذ قرار تنفيذ الاقتطاعات من أجور الأساتذة المضربين، مما زاد من حدة الاحتجاجات. شغل سحيمي عدة مناصب سابقة في دواوين وزراء من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، وهو الآن من بين الشخصيات المؤثرة في قرارات الوزارة.
يوسف السعداني حساني: مستشار الوزير المكلف بإعداد وتنزيل خارطة الطريق. اشتغل سابقًا مع بنموسى في لجنة النموذج التنموي الجديد، وقوته داخل الوزارة تجعله مرجعًا في الاجتماعات.
عائشة أقلعي: مسؤولة التواصل بالوزارة، جاءت من لجنة النموذج التنموي حيث كانت مشرفة على التواصل. بات لها كلمة قوية داخل الوزارة، رغم شكاوى نساء ورجال التعليم من ضعف التواصل.
سناء الريسوني: مكلفة بمهمة بديوان الوزارة، تتمتع بمكانة قوية، مكلفة بتوضيح خارطة الطريق لإصلاح المدرسة العمومية. تحظى بمكانة بارزة داخل الوزارة رغم افتقارها للخبرة الطويلة في قطاع التربية الوطنية.
أحمد الجماني: مدير ديوان الوزير، جاء من خلفية أكاديمية وبحثية في علم الاجتماع، وتم ضمه للوزارة من لجنة النموذج التنموي. هو الحاصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة “باريس 1 السوربون” بفرنسا، واشتغل سابقًا مكلفًا بمهمة لدى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأدار التعاون الدولي ودعم المجتمع المدني بوكالة الجنوب بين 2013 و2015.
تظهر المعطيات أن الاعتماد على فريق تقنوقراطي قد أدى إلى تهميش الكفاءات التربوية ذات الخبرة الطويلة، مما ساهم في تفاقم الأزمة داخل قطاع التعليم. إن نجاح أي إصلاح يتطلب إشراك الخبرات المتنوعة والتواصل الفعال مع جميع مكونات القطاع.
— التكنوقراطية نقيض الديمقراطية:
مصطلح التكنوقراطية مشتق في الأصل من الكلمتين اليونانيتين: (tekhne) وتعني “المهارة” و(kratos) التي تعني القوة.
ويُنسب استخدام هذا المصطلح للمرة الأولى إلى المهندس الأميركي وليام هنري سميث، الذي استخدم كلمة “تكنوقراطية” في مقال كتبه عام 1919، للإشارة إلى الديمقراطية الصناعية، إذ يُدمج ذوو الخبرة مثل المهندسين والعلماء في عملية صنع القرار داخل الشركات
فمبدأ التكنوقراطية يناقض الديمقراطية في واقع الأمر. وتفضل الحكومات التكنوقراطية اختيار الأشخاص ذوي الخبرات التقنية على اختيار الأشخاص الذين تنتخبهم الأغلبية من السكان.
تهميش شريحة واسعة من السكان: فتقدر التكنوقراطية آراء التكنوقراط ووجهات نظرهم وترفعهم إلى نوع من “الأرستقراطية” بينما تُهمش آراء ووجهات نظر عامة الناس. وفي مقال نُشر عام 2022 في مجلة “بوسطن ريفيو” (Boston Review)، يسلط عالم السياسة ماثيو كول الضوء على مشكلتين مع التكنوقراطية؛ أنها تخلق “تركزات غير عادلة للسلطة” وتعتمد على “نظرية معيبة للمعرفة”. وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، يجادل كول بأن التكنوقراطية تستثني المواطنين من عمليات صنع القرار بينما تمنح النخب الامتيازات، وفيما يتعلق بالنقطة الثانية، يجادل بأن قيمة الخبرة مبالغ فيها في الأنظمة التكنوقراطية.
صناعة القرار بمعزل عن احتياجات المجتمع: يتخذ التكنوقراط قراراتهم بناء على البيانات والمناهج العلمية، سواء كانت متسقة مع المجتمع أم لا، بينما يميل الناخبون إلى انتخاب سياسيين يتخذون قراراتهم بناء على رغبات واحتياجات أبناء المجتمع.
– هل البيروقراطية وجه آخر للتقنوقراطية …
بعض الدول تنهج نظام لوبياتي يعتمد على مجموعات تنتهج العمل اللوبي بحيث تكون السلطة والمنافع العمومية بيد لوبيات معينة تتقاسم المنافع والوظائف وتحرم كل من لم يدخل فى إحدى تلك المجموعات اللوبية وهذا النظام يجعل قلة من الناس تستفيد من كل شيء على حساب غالبية محرومة إلى الأبد ، لقد أنشأ النظام على هذا الأساس فى مطلع ستينات القرن الماضي ظل يسير على هذا الحال إلى يومنا هذا وهو جعل الأوضاع المعيشية لغالبية السكان هي الأسوء فى العالم رغم ثروات البلد الهائلة وإمكاناته الكبيرة ، ومع ذلك فلم يتقدم ولم تنجح فيه خطة لذا فهو بحاجة إلى إعادة تأسيس وبناء جديد وتغيير كل السياسات والسياسيين من أجل إصلاح يشمل الجميع ويستفيد من ريعه الجميع ولا يظل حكرا على مجموعات لوبية معينة تشكل حكومة من حزب واحد يوجد فيه جميع اللوبيات التى كانت تحكم البلد منذ الأستقلال ثم يطلقون عليها حكومة تكنوقراط زورا وبهتانا ، إن هذه المغالطات تستوجب التوضيح والكشف عن الحقيقة الغائبة عن غالبية الشعب وهذا سوف نشرح العمل البيروقراطي ومصطلحه والعمل التكنوقراطي ومصطلحه ليكون الجميع على بينة ولكشف الملابسات وتعرية الأمور بعيدا عن الدعاية الكاذبة ، ففى الحديث الشريف ، المتلبس بما ليس فيه كلابس ثوبي زور ،
البيرُقراطية أو الدواوينية هي مفهوم يستخدم في علم الاجتماع والعلوم السياسية يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة. وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية. وهنالك العديد من الأمثلة على البيرقراطية المستخدمة يومياً: الحكومات، القوات المسلحة، الشركات، المستشفيات، المحاكم، والمدارس. يعود أصل كلمة البيرقراطية إلى بيرو (büro)،وهي كلمه المانيه ومعناها مكتب، المستخدمة في بداية القرن الثامن عشر ليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبير عن الشركة، وأماكن العمل. وكلمة قراطية وهي كلمة مشتقه من الأصل الإغريقي كراتُس ومعناها السلطة والكلمة في مجموعها تعني قوة المكتب أو سلطة المكتب.
تعني الدواوينية نظام الحكم القائم في دولة ما يُشرف عليها ويوجهها ويديرها طبقة من كبار الموظفين الحريصين على استمرار وبقاء نظام الحكم لارتباطه بمصالحهم الشخصية ؛ حتى يصبحوا جزءً منه ويصبح النظام جزءً منهم، ويرافق البيروقراطية جملة من قواعد السلوك ونمط معين من التدابير تتصف في الغالب بالتقيد الحرفي بالقانون والتمسك الشكلي بظواهر التشريعات جاعلة البيروقراطية لب النظام الاقتصادي والسياسي لعقلانية المجتمع، فينتج عن ذلك ” الروتين ” ؛ وبهذا فهي تعتبر نقيضاً للثورية، حيث تنتهي معها روح المبادرة والإبداع وتتلاشى فاعلية الاجتهاد المنتجة، ويسير كل شيء في عجلة البيروقراطية وفق قوالب جاهزة، تفتقر إلى الحيوية. والعدو الخطير للثورات هي البيروقراطية التي قد تكون نهاية معظم الثورات، كما أن المعنى الحرفي لكلمة بيروقراطية يعني حكم المكاتب.
من المتعارف عليها لدى الجميع أن الدواوينية هي الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى تأخير المعاملات وتعقيدها.. وهذا المفهوم بلا شك يعتبر مفهوماً خاطئاً.. ولو عدنا إلى التعريف الصحيح للكلمة.. لوجدنا أن المعنى اللفظي للبيرقراطية أنها مكونة من مقطعين: الأول بيرو وهي تعني مكتب والثاني قراطية وهي مشتقة من الأصل الإغريقي كراتس ومعناها السلطة والقوة، والكلمة في مجموعها تعني (قوة المكتب أو سلطة المكتب) ويأتي أصل كلمة بيرقراطية من الفرنسية من كلمة بيرو (Bureau) أي مكتب، وترمز للمكاتب الحكومية التي كانت في القرن الثامن عشر، أي القوة (السلطة والسيادة)، وقد استخدمت كلمة البيرقراطية للدلالة على الرجال الذين يجلسون خلف المكاتب الحكومية ويمسكون بأيديهم بالسلطة، ولكن توسع هذا المفهوم ليشمل المؤسسات غير الحكومية كالمدارس والمستشفيات والمصانع والشركات وغيرها.
وقد كان أول ظهور لهذه النظرية في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث يرجع الفضل إلى ماكس فيبر (Weber) عالم الاجتماع الألماني (1864- 1920) في وضع نموذج يحدد مفهوماً مثالياً للبيرقراطية يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره، والذي كان متأثراً بثلاثة عوامل كان لها آثارها في فكره وفي نظريته وهي:
1. بما أن ويبر مواطن ألماني فقد شهد التضخم الذي طرأ على المؤسسات الصناعية، فرأى أن التنظيم الرسمي المحكم هو الطريقة التي تزيد الإنتاج وبالتالي أهمل النواحي الإنسانية.
2. تأثر ويبر بالتنظيم العسكري حيث كان ضابطاً في الجيش، ومن المعروف أن الجيش يتحرك وفق أوامر وتعليمات صارمة فاعتقد أن هذا الأسلوب يمكن أن يطبق في جميع المجالات الإدارية.
3. لكون ويبر عالم اجتماع فقد أدرك عوامل الضعف البشري من حيث عدم إمكانية الاعتماد الكامل على العنصر البشري في اتخاذ القرارات لذا أعتقد أن القواعد تضمن عدم تدخل المصالح الشخصية.
لذا نجد أن ويبر أستقى نظريته من الحياة في عصره ودعمها بخبراته الشخصية فوضع نموذجه التنظيمي معتقداً أنها ستلائم أي بيئة أو مجال إداري. وقد حدد ويبر مهام وصلاحيات وأدوار المرؤوسين بدقة ضمن لوائح وإجراءات وقواعد مكتوبة، وبذلك تتحكم في سلوك الجماعة البيرقراطية مجموعة ضوابط مقننة جامدة.
وكانت وجهة نظر ويبر إلى النشاط المؤسسي تقوم على أساس من العلاقات السلطوية، وقد وصف النظرية البيرقراطية بأنها تتضمن تخصص عمل، وأنها تسلسل هرمي محدد للسلطة، ومجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية، وتفاعل موضوعي لا يقوم على العلاقات الإنسانية والشخصية، واختيار للموظفين وتقدم وترقية تقوم على أساس مبدأ الاستحقاق.
ولو تطرقنا إلى الأسس التي بنى عليها العالم (ماكس) نظريته لوجدنا أنه ركز على عناصر هامة وأساسية لكي تكون تلك النظرية ناجحة بكل المقاييس، وقابلة للتطبيق في أي تنظيم إداري، ومن تلك العناصر مايلي:
· الخبرة والمهارة والتأهيل هي أساس اختيار القائد.
وجود إجراءات وخطوات محددة ومنسقة مسبقاً.
الاختيار الأمثل لمن ينفذ هذه الخطوات من المرؤوسين في أداء العمل.
مبدأ أن لا وقت في العمل إلا للعمل.
ومع ذلك نجد أن الأصوات تتعالى من هنا وهناك، فالبعض من الإداريين يرى أنها داء يجب محاربته والتخلص منه، ويراها البعض على أنها ضرورة لا يمكن أن تقوم للإدارة قائمة بدونها، ويرى آخرون أن المشكلة لا تكمن في الدواوينية الإدارية ولكن تكمن في من يقوم بمسؤولياتها، ويرى غيرهم أن الدواوينية باقية وليست كلها سيئة، وإنما يجب الحد منها.
“وبالرغم من ذلك تجد أن الدولة تبنت بعضاً من الوسائل الإدارية الناجحة في أجهزتها الحكومية لأجل التقليل من مخاطر البيرقراطية، ومنها على سبيل المثال:
· زيادة فعاليات أجهزة الإصلاح الإداري التي تقدم الاستشارات الإدارية، وتقترح الحلول لبعض المشكلات الإدارية الناجمة عن بعض الممارسات البيرقراطية.
استخدام التقنية الحديثة كوسيلة، وتسخيرها لمتطلبات العملية الإدارية وفعاليتها، مع المحافظة على أصالة المجتمع وقيمه.
· المرونة في العمل بما لا يتعارض مع الهدف العام ويخل بمبدأ العدالة والمساواة في التعامل.
· تأكيد مبدأ أن الموظف لخدمة المستفيد، وأن الإنسان هو الغاية، وأن الأنظمة واللوائح والإجراءات ما هي إلا وسائل لتحقيق ذلك.
· التوسع في مجالات التدريب وتنوعه لمختلف المستويات الإدارية وفقاً للاحتياجات الفعلية للعاملين في الإدارة.
· مراقبة السلوكيات الإدارية المنحرفة، وسرعة تقويمها بالطرق التعليمية والتدريبية أو التأديبية.
· تخصيص أوقات محددة يلتقي فيها المسؤولون بالمرؤوسين وجهاً لوجه للاستماع إلى شكاواهم، والعمل على حلها”.
إذاً إن الدواوينية ليست كما يدعي البعض نظام فاسد، وأنها ملازمة للتعقيدات المكتبية وكثرة الأوراق، إلا أنه يمكن القول بأنها سلاح ذو حدين، فهي تنظيم نموذجي من المفروض أن يؤدي إلى إتمام العمل على أفضل وجه، فالبيرقراطية ليست مرضاً من أمراض الإدارة إلا إذا أساء الإداريون والموظفون استخدام أركانها، فهي لا تتعارض مع مفاهيم الشورى والديمقراطية والمشاركة الجماعية في عملية صنع القرار.
وأخيراً إن طبيعة الإدارة وأهدافها، وبيناتها المختلفة تتطلب نوعاً من البيرقراطية.. ولكن الإفراط في ذلك هو الأمر الذي ينبغي الحذر منه، ولا غلو في ذلك لأن مازاد عن حده انقلب إلى ضده.
المغرب بين البيروقراطية والتقنوقراطية .. والحاجة للتقنوسياسة ..
رابط مختصر