حسوني قدور بن موسى
يعتبر التعليم من الأهداف الاستراتيجية للدولة و يجب أن تكون جهة متخصصة مهمتها متابعة المسيرة التربوية و تعمل على متابعة تنفيذ خطط التعليم و المستوى الذي وصل اليه الطلبة على كافة مستوياتهم و مدى انعكاس ايجابيات تعلمهم على المجتمع و الدولة من حيث الثقافة العامة و التطورالفكري و البحث العلمي و مدى انعكاس هذا التطور على مجتمعاتهم و على مشاركتهم في بناء الدولة و ارتفاع الأداء على مستوى الادارة العمومية. عندما تولى طه حسين منصبه كوزير للتربية و التعليم في مصرعام 1950 وضع شعار:” التعليم كالماء الذي تشربه و الهواء الذي تتنفسه “.
في بلادنا تواجه الجامعة المغربية تحديّات كبيرة في ظلّ ما تتخبّط فيه من مشاكل خطيرة تستوجب حلولا استعجالية على المدى القريب لا سيما ما تعلق منها بإشكالية غياب الجامعات عن تصنيف أحسن الجامعات الإفريقية والعالمية ، هي إشكالية تعكس تدني المستوى التعليمي للطالب الجامعي وتكشف عن ضعف التأطيرالجامعي وتراجع الجامعة المغربية عن دورها الأكاديمي في تشجيع حركية البحث العلمي الذي أُفرغ من مضامينه الميدانية فأصبح تنظيرا من غير طائل أو فائدة علمية ، و لقد غابت الجامعات المغربية عن قائمة أفضل 500 جامعة في العالم ضمن تصنيف جديد صادرعن مؤسسة “تايمز هاير إيديوكايشن” المتخصصة في مجال الدراسات و البحوث و التي تعتمد على معايير علمية منها: سمعة الجامعة و مدى جودة البحث العلمي و نسبة الاقتباس من البحوث الأخرى، النسبة بين عدد كل من أعضاء هيئة التدريس وأعداد الطلاب بأنواعهم، نسبة المدرسين الأجانب الذين يتم انتدابهم للتدريس بالجامعة، مدى تمتع العاملين بالجامعة بسمعة طيبة وخبرة عالية ،و اعتمادا على هذه المعايير لم تحصل أي جامعة مغربية سواء عامة أو خاصة على التموقع بالمراتب المتوسطة في التصنيف السنوي لسنة 2020 الذي يصنّف أفضل 1396 جامعة من 92 دولة حول العالم، و حصلت جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء على الرتبة 104 إفريقيا، تليها جامعة محمد الأول بوجدة في
الرتبة 113 و هي مرتبة تضعها في مؤخرة تصنيف الجامعات.
تعاني الجامعة المغربية قائمة لا متناهية من المعضلات الفكرية و المنهجية و تفتقرإلى النوعية وإلى سياسة بيداغوجية إستراتيجية ورشيدة واضحة تُوازن بين عاملي الكم والزمن، فبرامج التعليم الجامعي في بعض التخصصات تتسم بالحشو المعرفي و التكرار و النقص الفادح في الثقافة و المعرفة و السرقات العلمية، إذ يسطو بعض الأساتذة على أبحاث غيرهم وينشرونها بأسمائهم بسبب انعدام الرغبة العلمية لديهم و ضعف مستوى التكوين الأكاديمي البيداغوجي يضاف الى ذلك مشكل تحويل بعض الموظفين الى مدرسينفي كلية الحقوق على غير الأسس المعروفة ، ينتسبون الى ادارات مختلفة مثل ادارة الضرائب و وزارة الداخلية و القضاء والبنوك والصحافة وادارة السجون و المحاماة الذين اتخذوا من الجامعة مصدرا للتباهي والسلطة والسيطرة وفرض الذات على الطلبة هذا فضلا عن التغيبات والسفريات المتكررة دون مراقبة و لا محاسبة و اغراق الطلبة بالمطبوعات المنسوخة مبتعدين عن تطوير قدراتهم العلمية حتى وبعد أن يحصل الكثير منهم على شهادة الدكتوراه فلا يكلفون أنفسهم عناء تطويرمعارفهم وتحسين قدراتهم وترقية ذواتهم اكاديمياً فيكتفون بكونهم ( دكاترة) وهكذا يتم توزيع مئات من شواهد الماجستير و الدكتوراه على غيرمستحقيها أو تباع هذه الشهادات أحيانا ليعودوا بشهاداتهم و بأبحاثهم المسروقة أو المزوّرة ليصبحوا أعضاء هيئة تدريس في الجامعات وهم يفتقدون إلى المعارف الأساسية و الضرورية في تخصصاتهم العلمية والاكاديمية، في حين أن الدكتوراه في السبعينيات كانت لا تعطى للطالب الجامعي الباحث الا بعد جهد و مشقة و بحث علمي قد يطول لعدة سنوات،وكان التسجيل في مرحلة الدكتوراه عسيرا لا يحظى به الا عدد قليل جدا من الطلبة البارزين في البحث العلمي و المعرفة.
ان قيمة و درجة الأستاذ الجامعي لا تقاس بالدكتوراه التي أصبحت مجرد شهادة فارغة تمنح لأصاب المال و السلطة والجاه و النسب و الحسب بطرق غير مشروعة الأمرالذي تسبب في انتكاسة كبيرة لمستوى التعليم الجامعي في بلادنا فاصبحت نتائجه وخيمة على المستوى العلمي الأكاديمي والبيداغوجي حتى وصل الأمر الى أن الدول الأوروبية تشددت كثيرا في قبول تسجيل الطلبة المغاربة في جامعاتها بسبب تدني مستواهم العلمي ، وفي ظلّ هذه الأجواء يطفو على السطح الأستاذ الجامعي الهزيل علميا غيرالمعطاء ويتراجع الأستاذ الجامعي المبدع الباحث النشيط ويصاب بالخيبة و الإحباط للأسف في محيط جامعي يعتبرانتاجا للوضع السياسي و الاجتماعي الذي يتسم بالرداءة والانسداد و الاستبداد، فهذه الوضعية المتأزمة يتحمل مسؤوليتها رئاسات الجامعات ومجالس عمدائها الذين لا يمارسون مهامهم الرقابية بل يهتمون بمصالحهم المادية ويتركون بعض أساتذة الجامعة ضعيفي النفوس الذين انحرفوا عن طريق البحث العلمي المبدع إلى طريق الفساد ، يمكن وصف البروفيسورأو الأستاذ الجامعي بأنه عضو كلية الذي يتمتع بأعلى درجة أكاديمية في الجامعة و يحمل سجلا متميزا من الانجازات العلمية التي تكسبه سمعة وطنية أو عالمية رفيعة فهو يقدم خدمات جليلة للمجتمع و للبشرية و قد يعين أستاذ كرسي أو أستاذ مدى الحياة في بعض الجامعات ، إننا نعاني بالفعل من عدم مراعاة جانب الكفاءة و المروءة و الشرف و النزاهة في تعيينات بعض الجامعات لكوادرها التدريسية من الاساتذه الجامعيين ، بل تتدخل الوساطة والمعارف الشخصيّة والمحسوبية و الجاه و النسب والعلاقات غير النظيفة في هذه التعيينات، وتعمل لجان الاختبار على خرق هذه الشروط وتهميشها، وتعيّن من لا يستحق، وتبعد الجديرين والمتميزين علميا ومعرفيا وهذا واقع بات معروفاً.