الأستاذ إيهاب الحضري يكتب: كلٌ منا يصنع صنمه..

admin
كتاب واراء
admin22 يونيو 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
الأستاذ إيهاب الحضري يكتب: كلٌ منا يصنع صنمه..

إيهاب الحضري

يكتب سليم بركات منذ عشرات السنين، دون أن يسعى لجماهيرية تعالى عليها بلغته وأسلوبه، وفضّل الفوز بمريدين أقل عددا وأكثر عُمقا، لكن الغريب أن” مقاله الأزمة” كسر القاعدة، واجتذب متابعين قد يتجاوز عددهم مجموع من قرأوا إبداعاته على مدار مسيرته الأدبية. انقضّت شعبية الشاعر الكبير محمود درويش فجأة على المقال، فمنحت كاتبه” الخجول” انتشارا استثنائيا، بعد أن أقحم نفسه:” فى ما يتكلّفه المُعجبون بشاعر وُلد بملعقة فى فمه نصفٌ من ذهب الشعر قضية آسرة، ونصف شهرة مُجتاحة”. العبارات المُقتبسة من مقال بركات، تتحدث عما حاول تفاديه فى لقائه الأول مع درويش، وتطرح رؤيته فى شاعر تضافرت موهبته مع قضيته، ليُفرز اتحادهما نجما استثنائيا، غير أن الرؤية نفسها تصلح أن تكون مدخلا لتحليل ظاهرة” الجماهيرية” وآليات صناعتها. 

 أسلوب بركات كفيل بإقصاء هواة الحواديت سهلة المنال، لكن العجيب أن هؤلاء أقبلوا بنهم على المقال الأخير، وتجاوزوا تركيباته المُلغزة للوصول إلى عبارات متفجرة، انطلقت ببساطة لا تتناسب مع سبقها من مجازات متراكمة، وأصبح الحديث بالغ السلاسة عن ابنة غير شرعية لدرويش من امرأة متزوجة! وفجأة بدأ تبادل إطلاق النيران بين” ميليشيات” كلا الطرفين، ووجد البعض فى المعركة فرصة لاعتراف تأخر، بأنهم لا يستسيغون كتابة بركات منذ حاولوا التعامل معها، ورد آخرون بأن درويش استفاد من شبكات مصالح، عملت على ترسيخه لتغييب مبدعين آخرين، ولم يستبعد قليلون احتمال مؤامرة من خارج دوائر الأدب، لتحقيق أهداف سياسية لا تزال مجهولة فى زمن مُلتبس، ووسط غبار المعركة امتزجت الرؤى العميقة مع أقوال بنكهة” السخافة”!

البياض رائق؟! ربما ظن بركات ذلك. لكنه بياض زائف يمنحنا وهم امتلاك الحقيقة المطلقة، لنواصل ارتكاب الخطيئة نفسها. نتقوقع فى معسكرات عزل كانت فى البدء أقل عددا وأكثر رحابة، ثم تكاثرت واستنسخت عشرات من” جيتوهات”، لا تتسع إلا للمتطابقين فى الرؤى، حتى لو كان التطابق وليد مصلحة مؤقتة.. أو مزمنة. تُدافع كل فئة عن حرية التعبير من منظورها، وترتكب الخطأ نفسه بتأسيس رموز يُصبح الاقتراب منها جريمة، والغريب أن الجريمة تتحول إلى حق مشروع إذا مارسناها للنيل من” رمز” ينتمى لفريق آخر. حتى الالتجاء إلى القواعد الأخلاقية صار مجتزءا، فمريدو درويش انتقدوا خطيئة إفشاء السر، وبعض المدافعين عن بركات رأوا أن الأسرار تسقط بالتقادم، وفى معظم الأحوال تراجع الحديث عن نزوة خلّفت ابنة غامضة وزوجا غيّبته الخيانة، لأن النزوات فى النهاية خيار شخصى لا يجوز الاقتراب منه!

فى الصورة سواد صُلح. هذا ما افترضه الأديب السورى، لكن الواقع لا يمتلك رفاهية الهدنة، فى زمن يملك فيه السّدنة حق محاكمة الآخرين. ضاعت كل المجازات، وتجاوزت العيون حديثا عن البياض القانع بحظوظه، والسواد الراضى عن نفسه، وللغرابة لم ينجح اللون الرمادى فى حشد المعجبين، بعد أن تفرّق الغرماء بين اللونين الفاضحين دائما: الأبيض والأسود، لتسقط ورقة التوت الأخيرة وتكشف ازدواجيتنا، فكل منا يصنع صنمه، ولا يجد غضاضة فى رفع المعاول لهدم أصنام الآخرين!!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.