الأستاذ عبد اللطيف مجدوب يكتب : الريسوني الذي أسقط ورقة التوت!

admin
كتاب واراء
admin26 أغسطس 2022آخر تحديث : منذ سنتين
الأستاذ عبد اللطيف مجدوب يكتب : الريسوني الذي أسقط ورقة التوت!

 عبد اللطيف مجدوب

تصريح الريسوني

الريسوني، فقط قال شعرا استوحاه من إغراقه في الماضوية السياسية، لكن سرعان ما استفاق من غفوته أو بالأحرى هفوته، فسارع إلى تسويد أوراق الاعتذارات وتحججه بأنه كان ضحية “سوء فهم”، بيد أن الأدهى من هذا انتفاضة دول بقضها وقضيضها وبكل مكوناتها وأطيافها منددة وساخطة وغاضبة ومستهجنة… وكأن ألسنة حالها تلهج “أمسكوا بهذا المارق”، ولو أنها أحالت “قضيته” على “مجلس استفتاء” لأصدر أمرا بإباحة “إهدار دمه”! والمفارقة العظمى أن هؤلاء القوم، بالكاد، يصبحون ويمسون على صور دموية فظيعة لأطفال تتلاعب بهم آلة البطش الإسرائيلية، ولا أحد منهم يجرؤ حتى على أن يشجب “في قرارته” مثل هذه الأفعال الإجرامية الوحشية، فكيف بهذه الدولة أو تلك أن تتلكأ في أن تتوجه إلى الفاعل بأصبع الاتهام؟!

كان واردا..

كان واردا جدا، وتأسيسا على الدموية التي تلطخ بها التاريخ السياسي العربي لقرون خلت أن تستعر المواقف وردود الفعل من كل الأطراف والاتجاهات، إزاء “هفوة” شفاهية صدرت من شخص؛ حتى وإن تراجع عنها معتذرا من الأطراف من وظفها في تعميق سعار العداوة بين الجيران، ومنهم من ذهب به خيلاؤه إلى أبعد الحدود مطالبا باعتذار رسمي من المغرب.. ومنهم من رأى في تصريح؛ ببضع كلمات؛ مؤشرا على نية التوسع والهيمنة لدى هذا الجار “النشاز”؛

كان واردا جدا أن يوقظ فيهم تصريح الريسوني حمية الجاهلية الأولى التي سادت فيها الكلمة بمثابة السيف القاطع؛ ذما كانت أو هجوا أو فخرا أو مدحا.. ترفع من قدر قبيلة أو تحط منها، من خلال بيت شعري واحد!.

كان واردا جدا أن تهب الأقلام؛ الطبّالة منها والمأجورة والمجانية؛ وتخرج من شرنقتها لتندد وتستنكر وتنادي بوضع حد لأراجيف هذا الشخص، وتعلن سخطها وبراءتها من “دمه”؛

كان واردا جدا أن تحاك ضد الرجل دسائس مثلما حيكت من قبله ضد أشخاص تلذذت بها أحابيل الوشاة والقصاصين والخونة؛

كان واردا جدا أن تتهافت على تصريح الرجل كل القبائل العربية، لخُلة راسخة فيها قديما، مثلما نعتهم بها ابن خلدون “لا يتغلبون إلا على البسائط..”، أو حينما ناداهم المتنبي بيائه التعجبية “يا أمة ضحكت من جهلها الأمم”، أو مثلما استوعبهم تشرشل من بين الشعوب فقال قولته الرنانة “.. إذا مات الإنجليز تموت السياسة وإذا مات الروس يموت السلام وإذا مات الأمريكان يموت الغنى وإذا مات الطليان يموت الإيمان وإذا مات الفرنسيون يموت الذوق وإذا مات العرب تموت الخيانة..”؛

كان واردا جدا أن تقوم “القيامة” لمجرد كلمات “فضفاضة” صادرة من “شيخ حالم “، وتألب عليه القاصي والداني، وذلك لعدوانية فجة؛ ما زالت تحكم العلاقات البينية للشعوب العربية، وقد اشتهر العالم المصري أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل، في توصيفها حينما قال “الغرب يدعم الفاشل حتى ينتج ونحن نحارب الناجح حتى يفشل”، فهي عدوانية وتحقير.. قديمة المنشأ، حتى غدت جيناتها في العربي تفصح عنها كل وقت وحين، وزادت أن تقوت بفعل عوامل الأمية واللاتربية وتكريس المجتمعات لها.. ولم يكن للإسلام سوى نصيب جد طفيف في التخفيف من حدتها، بينما الاستعمار “الجغرافي” كان له النصيب الأوفر في الترويج للقيم الحضارية، ولو في السلوكيات الاجتماعية، لكنها سرعان ما انقرضت بجلاء المستعمر وذهاب أجياله التي عايشته.

وجاء “الربيع العربي”..!

لتكشف أحداثه للعالم أجمع؛ وكما كان متوقعا؛ أن العقل العربي عموما لم ينضج بعد، بل وذهبت الآراء والتحليلات التي واكبته إلى أن “العنصر العربي غير مؤهل بعد لمشروع حضاري”، وليست له ركائز سوسيوبيداغوجية للتعايش بسلام داخل دولة تحكمها مؤسسات ديمقراطية، ولنا في انقلاب تركيا العسكري بالأمس سنة 2016، خير مثال على التمييز بين مؤسسات دستورية من الشعب وإليه والتي رفضت الانقلاب في بضع ساعات، وبين مؤسسات دستورية صورية قابلة للسقوط في كل وقت وحين، كما أكدته أحداث “الربيع العربي”.

السؤال المحير!

ارتباطا بموضوعنا الأساس، تساءلنا وتساءلت أقوام قبلنا، لماذا اتسمت الأنظمة السياسية العربية؛ في معظمها؛ بالجبروت والاستبداد وخنق الحريات…؟ وكانت دوما تساؤلات تستلهم النموذج الغربي في طرحها والإجابة عنها، وبالتالي توصيف الحكام بشتى النعوت، بيد أن الدراسات والأبحاث الميدانية المعمقة التي أجريت في هذا السياق، أكدت أن هذه الأنظمة “سليمة” في مراميها وأن آلة “الجبروت” والاستبداد والعسكرة والشمولية والديكتاتورية هي التي تتناسب مع العقلية العربية المتنطعة؛ يؤكد هذا الطرح الغياب الفجائي للحاكم الذي سيعقبه لا محالة هياج الجماهير ونزوعها إلى التخريب والنهب والاقتتال.. من جهة؛ أو انعدام “الأمن العام” ولو لبضع ساعات، فستعقبه حتما فوضى جماهيرية عارمة، ولسطا القوي على الضعيف، ولآل الأمر إلى كوارث دراماتيكية غير مسبوقة، في حين أن الشعوب المتحضرة والراسخة في تربة السوسيوبيداغوجية لن تهيج وتموج، بل تحكم نفسها بنفسها، ولها ضوابط أخلاقية غير قابلة للمساومة، مهما كانت الظروف.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.