البغاء نظام عنف يجبر النساء على الخضوع له

admin
بدون حرج
admin15 أكتوبر 2024آخر تحديث : منذ شهر واحد
البغاء نظام عنف يجبر النساء على الخضوع له

تبقى مسألة استغلال النساء والفتيات جنسيا قضية متفشية في جميع أنحاء العالم، وتهدد سلامتهن وحقوقهن. وتصف ريم السالم مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات الدعارة بأنها “نظام عنف” يضر المجتمع، وخاصة فئة النساء والفتيات اللاتي يجبرن على الخضوع له.

وأشارت السالم في تقريرها الخاص، الذي تعتبر فيه الدعارة من أشكال العنف ضد النساء والفتيات، إلى أن العديد من أنظمة الدعارة مبنية على المعايير الأبوية التي تضع السلطة في أيدي الرجال المنتفعين من تجارة الجنس. وزادت التفاوتات الاقتصادية الأعمق وتعقيدات الأوضاع الإنسانية الطارئة من تقويض مكانة النساء والفتيات تحت الأنظمة التي كان من المفترض أن تسعى إلى حمايتهن وتمكينهن.

وعرضت السالم في معهد روزفلت هاوس للسياسة العامة في نيويورك الأربعاء الماضي، تقريرها الذي نشر لأول مرة في يونيو 2024، حيث قُدّم إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف. وأيدت أكثر من 60 دولة التقرير ونتائجه، وهي تشمل غانا وجنوب أفريقيا ومصر والنرويج والسويد وكولومبيا وفرنسا وبنغلاديش والهند ونيجيريا.

وتلقت السالم أكثر من 300 مشاركة خلال صياغتها للتقرير. وشملت مجموعات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والخبراء وصانعي السياسات، والأهم من ذلك، نساء عشن تجارب حقيقية.

ولاحظت أن الجهود المبذولة لتطبيع الدعارة أو الاعتراف بكونها عملا، مثل الإشارة إليها على أنها “عمل جنسي”، تلحق المزيد من الضرر بالنساء المتعرضات للإساءة، ولا تأخذ في الاعتبار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تمسهن، مثل الأذى الجسدي والنفسي الذي يتعرضن له تحت مظلة “العمل” المزعوم.

وترى وجوب تصنيف المواد الإباحية ضمن أشكال الدعارة والعنف ضد المرأة. وأشارت إلى أن انتشارها زاد من تطبيع أعمال العنف والمواقف الضارة تجاه النساء والفتيات. وقالت لخدمة إنتر برس إن المنصات الإلكترونية التي تنشر المواد الإباحية تزيد من تحفيز الاعتداءات وتعززها.

ويعتمد نظام الدعارة بغض النظر عن طبيعته، على تسليع الجسم وإخضاعه لنشاط بدني. وتؤكد السالم استحالة الرضا التام في هذه الحالة.

وقالت إن محاولة التظاهر بأن في الدعارة موافقة بطريقة ما، وأن النساء يرغبن فيها، خاطئ لأن مفهوم الرضا لا يكون قائما في أنظمة الاستغلال والعنف وعند اعتماد وَهْمِ الموافقة سلاحا، ونحن نعلم أن الإكراه الجسدي والتلاعب والعنف تعدّ أمورا تقوض مفاهيم الرضا.

كما تبرز أطر البغاء القانونية التناقضات داخل البلدان بشأن نص القانون مقابل تنظيمه في الممارسات. ويشير التقرير إلى قلة الجهود الرامية لتثبيط “المنتفعين” أو “المنظمين” على الانخراط في نظم الانتهاكات.

ومن الأرجح أن يعاقب تجريم البغاء الذين يمارسونه بالاضطهاد والسجن، والنبذ الاجتماعي، والمزيد من الإساءة من أجهزة إنفاذ القانون نفسها. ومن النادر معاقبة الجناة أو محاسبة الأطراف الثالثة.

ويفرض القانون سيطرة الدولة على الدعارة من خلال المؤسسات التجارية والقوانين الاتحادية أو الوطنية، بما في ذلك قوانين الضرائب على حساب العاملات بالجنس. وبينما يسمح إلغاء تجريم البغاء لجميع الأطراف بالعمل دون خوف من الاضطهاد، إلا أنه رفع الطلب دون منع الأطراف الاستغلالية من الاستفادة من النساء والفتيات المستضعفات ودفعهن إلى تجارة الجنس.

وتخدم حجج التقرير “نموذج المساواة” الذي يجرّم الأطراف الثلاثة “المنظمين” والمشترين لمشاركتهم في شراء الجنس والترويج له، بينما لا يواجه المشتغلون بالجنس اضطهادا جنائيا. وتركز الاستثمارات هنا على مسارات لخروج العاملين من مجال الجنس وضمان العمل البديل لهم والاستقرار الاقتصادي والإسكان والدعم لمعالجة الصدمات وحتى علاج تعاطي المخدرات عند الحاجة.

ويشير التقرير إلى أن نموذج بلدان الشمال الأوروبي يحافظ على المعيار الدولي بشأن الاستغلال الجنسي والاتجار بالأشخاص من خلال تجريم أطراف ثالثة، وأنه يعترف بأن غالبية المتضررين هم من النساء والفتيات.

لكن لهذا النهج حدوده، حيث يشير أحد التقارير الصادرة عن كلية لندن للاقتصاد إلى أن تشريعات تجارة الجنس لا تزال تختلف بين البلدان التي تتبع هذا النموذج، وأن سلامة المشتغلين بالجنس لا تزال غير مؤكدة وهم يواجهون خطر الشرطة.

وتعاني عاملات الجنس المهاجرات من وضعهن الذي يمنعهن من التمتع بالحماية الاجتماعية. ويمكن أن تكون الدعارة سببا للترحيل بموجب قوانين الهجرة.

وتبرز مشاكل نماذج الدعارة القانونية الحالية بعض الهياكل المؤسسية التي تحافظ على الوضع الراهن الذي يستغل العاملات بالجنس ويتركهن معرضات للانتهاكات. كما تسلط الضوء على قضية ثقافية أوسع نطاقا تتعلق بكيفية مناقشة البغاء والجنس وتصورهما.

وقالت تاينا بيان إيمي، المديرة التنفيذية للتحالف ضد الاتجار بالنساء، إن “التقرير يحدد بوضوح شديد أننا نتعامل مع قضية ثقافية بالإضافة إلى كونها انتهاكا لحقوق الإنسان يتطلب حلولا قانونية”. وأكدت الاعتراف الحالي بأن أعمال العنف الأخرى ضد المرأة، مثل عنف الشريك الحميم والعنف الجنسي والتحرش، “تندرج ضمن الاعتداءات والانتهاكات. ولكن المقابل المادي في الدعارة يخرجها بطريقة ما عن سياق العنف والتمييز الذكوري، خاصة ضد النساء والفتيات”.

وتقدم السالم في تقريرها توصيات للحكومات حول كيفية إعادة تشكيل تشريعاتها وسياساتها بشأن الدعارة نحو اتجاه أكثر وعيا بحقوق الإنسان ويركز على تجارب النساء والفتيات اللاتي يُجبرن على البغاء. وأكدت أن على الحكومات أن تتخذ تدابير لمعالجة أسباب الدعارة الجذرية والعوامل التي تجعل النساء والفتيات أكثر عرضة لها.

وقالت تاينا بيان إيمي إن “أهمية هذا التقرير تشمل توصياته أيضا، حيث يُطلب من السلطات القضائية والدول الأعضاء في جميع أنحاء العالم إيجاد حلول تشريعية وسياسية لهذا الانتهاك الفظيع لحقوق الإنسان”.

وأشارت السالم، عندما طُلب منها توضيح الخطوات التي يجب أن تتخذها الجهات الفاعلة الدولية مثل الأمم المتحدة، إلى التوصية بأن تتبنى وكالات الأمم المتحدة أيضا نهجا قائما على الحقوق تجاه الدعارة. وأكدت أنها تواصلت مع العديد من وكالات الأمم المتحدة. كما تجري “محادثات مستمرة” مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية، بشأن توصيتها لهاتين الوكالتين بإجراء دراسات حول تبعات الدعارة على الناجيات في إطار تركيزهما على الصحة والعمل.

وتلعب المنظمات غير الحكومية مثل صندوق النساء على خط المواجهة وغيره من جمعيات المجتمع المدني المحلية دورا مهما في تسليط الضوء على هذه القضية. وقالت السالم إن على هذه المؤسسات الاستماع إلى الناجيات والانخراط مع جميع الجهات الفاعلة في هذا القطاع.

وصرّحت “نرى أنه كلما نوقشت القضية أو كيفية صياغة القانون أو تقررت مراجعة سياسة الحكومات والبرلمانات، نجد أن البعض يتمتع بامتياز الوصول إلى أماكن صنع القرار هذه، ويمكن أن يكونوا من أولئك الذين يدعون إلى إضفاء الشرعية الكاملة على الدعارة. لكن الذين يدافعون عن نموذج المساواة، بما في ذلك الناجون، لا يتمتعون بنفس النفوذ”.

وتعتبر الدعارة جريمة يعاقب عليها القانون في معظم الدول العربية، وتتعرض العاملات في الجنس إلى العقوبات والحرمان من الحماية القانونية والصحية إلى جانب تعرضهن إلى أشكال مختلفة من العنف والاستغلال.

وتعرف رباب عبده، نائب رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، مصطلح “الدعارة” وفقًا لما يراه القانون المصرى بـ”الاعتياد على ممارسة الفجور مع الآخرين بغير تمييز، وينسب عادة إلى المرأة، باعتبار أنها تبيح عرض نفسها لكل طالب بلا تمييز بمقابل أجر مادي وهنا يشترط أجر مادي في حين أنه ينسب للرجل مصطلح الفجور عندما يبيح عرض نفسه لغيره من الرجال بلا تمييز”.

وتضيف عبده “الدعارة منذ ظهورها في القرن السابع عشر كانت مهنة وتدفع لها ضريبة ولها ترخيص، وكان يطلق على العاملات بها بـ”البغايا”، إلا أنها ألغيت عام 1949 وصدر قانون مكافحة الدعارة رقم 10 لسنة 1961، والذي جرمها ووضع عقوبة تصل مدة الحبس فيها إلى ثلاث سنوات، ولا يزال يتم العمل به حتى الآن.

وتابعت “القانون لا يجرّم ممارسة الرذيلة بين شخصين، إلا في حالة شكوى من أحد الطرفين مع شرط توافر 4 شهود وأدلة ومراسلات مسجلة وغيرها، حتى تتوافر جريمة الزنا، وأيّ ممارسات جنسية بالتراضي لا تعتبر جريمة، لأن جريمة الدعارة أساسها وجود أجر مادي”.

وطالبت عبده بضرورة تقديم مقترح لتعديل المادة القانونية الخاصة بمكافحة الدعارة ومعالجة ما به من ثغرات.

وفي السياق ذاته، لفتت المحامية جيهان فؤاد مقررة المجلس القومي للمرأة في مصر أن هناك أشكالا متعددة من ممارسة الفجور غير الدعارة المتعارف عليها، والتي يجد ممارسوها العديد من الثغرات في القانون للهروب من عقوبتها، كما هو الحال في الزنا أو تبادل الزوجات؛ مشددة على أن البرلمان المقبل هو المنتظر في هذا الصدد لتعديل القانون، وتجريم الزنا بالتراضي لسد الثغرات الحالية.

وتشارك العديد من العوامل في إجبار الفتيات والنساء على ممارسة الدعارة، حيث أكد باحثون وخبراء أن التغييرات المناخية القاسية باتت تعد من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الاتجار بالفتيات الصغيرات في الهند وإجبارهن على العمل في البغاء، وفقا لتقرير خاص نشرته صحيفة “إندبندنت” البريطانية.

وقالت الباحثة الاجتماعية أفني ميشر إن الهند شهدت في الأعوام الأخيرة ارتفاعًا بنسبة 28 في المئة تقريبًا في الاتجار بالبشر، وفقًا للبيانات الرسمية، حيث تم تسجيل 2189 حالة في العام 2021 .

وأوضحت أن تلك الإحصائيات قد لا تعطي أرقاما دقيقة مع وجود احتمالات كبيرة بشأن عدم الإبلاغ عن الكثير من الحالات، مضيفة “على الرغم من عدم وجود دليل واضح على أن النساء والأطفال أكثر عرضة للخطر أثناء الأحداث المناخية القاسية وبعدها إذا حدثت على نطاق واسع، ولكن هناك مؤشرات تدل على ذلك”.

وترى ميشر أن تأثيرات أزمة المناخ ليست محايدة بين الجنسين، وتضرب مثلا، قائلة “إذا قضت الأم أثناء حدث مناخي شديد القسوة، فإنه يُنظر إلى الأطفال على أنهم ضعفاء، وعادة ما يرفض الأب تحمل المسؤولية، ويعتبرهم عبئًا ثقيلًا.. ولذلك يتم الاتجار بالفتيات أو بيعهن أو تزويجهن مبكرًا”.

وفي حال مات الأب خلال حوادث الطقس فإن ذلك سوف يشكل تحديا لربات المنزل اللاتي يصبحن أمهات عازبات وأرامل، وبالتالي يصبح من الصعب الاعتناء بالمنزل.

وكشفت رئيسة اللجنة المكلفة بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” هيلاري غبيديما عن أن نسبة الاتجار بالنساء والفتيات لا تزال مرتفعة بشكل قياسي رغم الإجراءات التي اتخذت للخلاص من هذا الكابوس المرعب.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.