الحراك الشعبي في الجزائر بين التحول السياسي و ضبابية المستقبل

admin
2019-03-23T20:55:11+01:00
كتاب واراء
admin23 مارس 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات
الحراك الشعبي في الجزائر بين التحول السياسي و ضبابية المستقبل

   فريدة بن سليم / صحافية وكاتبة جزائرية

إن ما تعيشه الجزائر اليوم من حراك شعبي، هو ما أدخل النظام في مأزق يستحيل الخروج منه، بالرغم من محاولة فتح باب الحوار مع الشعب الجزائري التي باءت بالفشل ، نظرا لافتقاد الثقة و الهوة الموجودة بين الشعب و السلطة ، فهكذا ارتفع سقف مطالب الشارع الجزائري تدريجيا من جمعة الكرامة و الحرية إلى جمعة النصر  إلى جمعة الحسم،و رفض أي تمرير أو تمديد  لتتحول الشعارات من ” لا للعهدة الخامسة ” إلى ” ترحلوا يعني ترحلوا”، فتلك الجموع التي طالبت الرئيس بالتنحي وعدوله عن الترشح لعهدة خامسة اعتبرت قرار الرئيس بإعلانه لعدم ترشحه لولاية خامسة مع تمديد فترة حكمه لأجل غير مسمى تأجيلا للانتخابات الرئاسية ، وذلك لم يكن سوى مراوغة و كسب للوقت في مباراة حسمت نتائجها مسبقا، و قال الشعب فيها كلمته النهائية التي لا رجعة فيها ” ارحل أيها الرئيس”، فذلك الشعب الذي طالب برحيل الرئيس مسبقا ، طالب في تظاهرات الجمعة الماضية التي كانت أكبر تظاهرة سلمية وحضارية  تشهدها البلاد إذ قدر عدد المتظاهرين بالملايين، منددين بالفساد و الظلم و استنزاف لخيرات البلاد من مافيا حكمت الجزائر ما يقارب 20 سنة ، وأورثت الأجيال مزيدا من  الإحباط و الشقاء لترتفع معدلات الهجرة غير الشرعية، و البطالة و تعلن البلاد حالة من التقشف نتيجة عجز في الخزينة العمومية و ارتفاع مستوى الاستيراد  وعجز في الصرف نتيجة  هبوط العملة الوطنية (دينار)مقابل العملات الأخرى، وكذا انخفاض مستوى سعر البترول خاصة أن الدولة تعتمد على الريع البترولي بنسبة كبيرة ،  مما دفع الشارع الجزائري للخروج مطالبا برحيل النظام من خلال تظاهرات  عرفت بطابعها السلمي منذ 22 فبراير2019، تلك التظاهرات التي حاولت الحكومة ، و المصطفين معها ، الاستخفاف بها ، إذ صرح قيادي حزب جبهة التحرير الوطني السيد بوشارب سابقا، عن رأيه في التظاهرات الشعبية،إذ رد وبطريقه تهكمية:” أقول للمتظاهرين ، صح النوم ” ، و فعلا يا بوشارب الشعب صحا من نومه ، و تهديدات السلطة المتوالية بالرجوع إلى العشرية السوداء، وتخويف الشعب بمصير سوريا و ليبيا  و غيره لم يثبط من عزيمة الشعب ، الذي  تمسك بمطالبه ودافع عنها باستماتة ، ليقدم للعالم  درسا في التحضر، تلك التظاهرات التي كانت بمثابة كرة الثلج التي راحت تتأرجح لتنظم باقي التكتلات للحراك الشعبي من طلبة يوم 26 فبراير ، و الصحفيين يوم 28 فبراير نتيجة سياسة التضييق وتكميم الأفواه إذ خرج الصحفيون احتجاجا على ممارسة السلطات للرقابة على حرية التعبير، و منعهم من أداء مهمتهم في ايصال الخبر و المعلومة للجمهور ،و لينظم إليهم بعد ذلك القضاة  الذين رفضوا تأطير الانتخابات الرئاسية لعدم نزاهتها و شفافيتها ، ولتنظم  للحراك الفئات الأخرى مؤخرا من قطاع الصحة و البريد و غيره. التظاهرات التي تشهدها الجزائر و المطالبة برحيل أزلام النظام الحالي ، و ليس فقط الرئيس ، لا  يقودها تكتل معين ، بل استمدت  قوتها من توحد الفئات و الوعي المشترك  لدى الشعب الجزائري ، لأن الجميع توحدهم  قضية وهدف  واحد هو التخلص من النظام الفاسد المتآكل الذي أدخل البلاد في مستقبل مجهول ،وعلى الرغم من تلك التغيرات الحكومية و من يحاولون ركوب الموج و آخرهم رئيس الحكومة الأسبق ” أويحيى ” الذي انقلب على ولي نعمته ،وطالب النظام بالاستجابة لمطالب الشعب بعدما كان من أشد المؤيدين للنظام البوتفليقي ، و أول من عبر عن فرحة الشعب الجزائري المزعومة لترشح الرئيس لولاية خامسة ، ولربما انسحابه من الحكومة و تعويضه ببدوي جعله يعيد حساباته ، و يخلع عباءة  المطالبة بالاستمرارية ، وقد كان آخر ما يدعو للسخرية و الاستخفاف بالشعب هو انضمام السيد بوشارب للحراك الشعبي مما يظهر أن الطاولات بدأت تنقلب ، والرئيس لم يعد سوى ورقة محروقة ، فقد استنزف رصيده السياسي في الاستمرار في الحكم، و الشعب الجزائري اليوم أصبح أكثر وعيا و رافضا لأي حوار أو ما تعتبره الحكومة المرحلة الانتقالية لضمان بقائها في السلطة  من خلال التمديد لأجل غير مسمى، و هذا ما يرفضه الشعب الذي لازال متمسكا بمطلبه الأساسي هو رحيل النظام و حكومته ، فلم يبقى للرئيس سوى إعلان تنحيه النهائي و استسلامه لإرادة الشعب، خاصة أن رموز النظام ومن وقفوا معه انسحبوا واحد تلو الآخر، و من كانوا يساندونه يقفون ضده اليوم،  خوفا على مكاسبهم و مصالحهم الخاصة التي قد تضرر من دعمهم للرئيس المنتهي الصلاحية والشرعية، وتبقى  الرهانات على بقاء الرئيس في الحكم ضئيلة، و مستقبل البلاد في إطار الفترة القادمة يشهد نوع من الضبابية في الرؤى و المصير، فالوضع السياسي و الاقتصادي للبلاد لن يظل على وضعه في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد . والمسار الانتقالي سيحتاج لفترة من الوقت  خاصة و أن الشعب اليوم فاقد للثقة في من يحكم البلاد. ومن سيكون البديل الذي ستطرحه الجزائر ، حتى لا تعيش فراغا سياسيا أشبه بما عشته في فترة  سابقة، وهذا لن يكبد البلاد إلا مزيدا من الشقاء و العناء، والسؤال الذي يطرح نفسه و بإلحاح  ذلك القادم إلى قصر المرادية سيواجه طريق طويل خاصة أن الدولة اليوم  تعيش أزمة اقتصادية كبيرة ولدتها سياسية التقشف التي اعتمدتها الدولة منذ سنوات، و سخط الشعب الذي عانى الاضطهاد و التهميش و استلاب للحقوق في حاجة ماسة لامتصاص غضبه و تهدئته، و إيجاد حلول فورية لمطالبه.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.