الصحفي المصري الشهير الأستاذ إيهاب الحضري يكتب: “الحياة قص ولصق”

admin
2020-04-19T21:40:12+02:00
كتاب واراء
admin19 أبريل 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
الصحفي المصري الشهير الأستاذ إيهاب الحضري يكتب: “الحياة قص ولصق”

إيهاب الحضري

لو كان الوفاء عملة رائجة، لنظّم الملايين على مستوى العالم جنازات حاشدة لوداعه، يشارك فيها العلماء والمبدعون والأفاقون ولصوص الفكر! بعد أن جعل الراحل الكبير حياة جميع المتناقضين أكثر سهولة. 

قبل أسابيع فاجأنى خبر وفاته، لا لأن” كورونا” اختطف الرجل صغيرا، فالفيروس برىء من قتله. السبب كان أبسط من ذلك بكثير، فقد تعجبتُ لأننى لم أكن أعلم أساسا بوجوده على ظهر الكوكب! وهكذا عاش حياته مجهولا لدى الكثيرين، وكشف غيابه أن الحضور الطاغى لا يرتبط بالشهرة، فرغم اختفائه فى كواليس أجهزة الكمبيوتر، ساهم لورانس تيسلر فى تكويننا عبر سنوات طويلة، وأصبحت الكتابة على الأجهزة الذكية فعلا أكثر سهولة، بفضل خاصية” كوبى وبيست” التى اخترعها، وظللنا نستعملها بصورة تلقائية، دون أن يُفكر أحدنا أن ابتكارها كان يحتاج إلى مُخترع. اعتبرناها أحد التطبيقات التقليدية التى أفرزتها الحاجة، مثل خاصية” المشاركة”، التى ابتكرها أحدهم على” فيس بوك”، لتكون لسان حال العاجزين عن التعبير، ممن يجدون فى وجهات نظر الآخرين ما يُطلق سراح أفكارهم السجينة، ولم يقتصر النقل دون وعى على الأفكار فقط، بل امتد إلى المشاعر، وهكذا أصبح الفصل صعبا بين الفيروس القاتل ونظائره الإلكترونية، فكلها تستهدف أجسادنا أو أفكارنا!!

كنت أعتقد أن خاصية” النسخ واللصق” تحمل نفس عُمر الحواسب الآلية، لكن وفاة مخترعها كشفت المزيد من الحقائق، فتاريخ ميلادها يرجع إلى عام 1983، وعلى نوعية محدودة من الأجهزة، ثم بدأت التوسع فى العام التالى لتصبح جزءا من ممارساتنا اليومية، وتتحول إلى نعمة ونقمة. نعمة لمن يمتهنون البحث ويعشقون الكتابة، بإتاحتها فرصة التحكم التام فى عباراتهم، والتعديل فيها بسهولة تمنح التفكير وقتا أكبر. ونقمة لأنها فتحت الأبواب أمام المُتطفلين، وجعلت اللصوصية يسيرة لا تحتاج إلى مجهود، مما أفقد السرقة حِرفية ظلت تُميّز اللصوص فى الماضى، لأنهم كانوا يحتاجون إلى قراءة وفهم عميقين، قبل اختيار ما يستحق النهب! لكن الأمر الأكثر خطورة أن الابتكار تسبب أيضا فى تغييب المنطق وسيطرة النقل على العقل. فعل الرجل ذلك بالتأكيد دون أن يقصد، لأن سلبيات” فعلته” ارتبطت بمناطق تتسم بعشوائية التفكير، وتحتاج لإزالة شاملة بهدف التطوير.

امتد الأمر إلى سلوكياتنا حتى بعيدا عن حواسبنا، وأصبحت حياتنا مجرد عمليات” قص ولصق” متتابعة، من تجارب آخرين ربما اقتبسوها بدورهم دون أن ندرى! فى حركة تقليد أعمى غيرمسبوقة، تصاعدت مع استحضار شبح” كورونا”، فأعدنا اجترار منشورات ساخرة لدرجة الفجاجة، وعندما اكتشف الكثيرون أن” العفريت” الذى أشبعوه تهكما كشّر عن أنيابه، بدأت عمليات قص مضادة تنشر الرعب، وفى الحالتين مضت الأمور غالبا دون تفكير، وهو ما يعنى احتضار المنطق وسيطرة نزعات طفيلية، تهدد بـ” حذف” إنسانيتنا التى تعتمد على التفرد والخصوصية.

تكريما للمخترع المجهول سأقوم باستخدام ابتكاره، وقص تغريدة أطلقتها شركة ” زيروكس” على” تويتر” بعد وفاته، قالت فيها:” يوم عملك أصبح أسهل بفضل أفكاره الثورية”. قاد الرجل بالفعل ثورة كنّا وقودها دون أن نعلم، لكنها تحتاج إلى جراحة عاجلة، لإنقاذها من ممارسات” الفلول”!!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.