الصحفي والكاتب المصري إيهاب الحضري يكتب عن .. البطل والصنم.. والشبح الخفي!

admin
2019-11-10T21:02:17+01:00
كتاب واراء
admin9 نوفمبر 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات
الصحفي والكاتب المصري إيهاب الحضري يكتب عن .. البطل والصنم.. والشبح الخفي!

(بادئ ذي بدء  تُرحب جريدة “رسبريس” الإلكترونية بالصحفي المصري اللامع الكاتب الكبير إيهاب الحضري صاحب الكتابات الرائعة الرصينة المتميّزة ضمن الأعمدة والأقلام المتميّزة التي ترصّع جنبات هذا المنبر الذي ينتصر للفكر المتنور وللرأي الديمقراطي الحر)

إيهاب الحضري
لا أعترف بتقديس البشر، لهذا لا يزعجنى الهجوم على أى شخصية، حتى لو كانت تنتمى لمصاف الرموز، فالرمز صناعة بشرية، يتم تخليقه وفق معايير إنسانية، كما يجرى استهدافه انطلاقا من منصة تقييم مضادة، المهم من وجهة نظرى أن يعتمد التصنيف المؤيّد أو المعارض على المنطق. أما الهجوم أو الدفاع من منطلقات عاطفية، فينقلنا من خندق الفكر إلى مُستنقع الهوى، الذى يحتضن معظم انحيازاتنا منذ عقود.
لم أندهش خلال متابعتى معركتين انطلقتا فى الأيام الأخيرة، فبدأ تبادل إطلاق القذائف الكلامية، حولى شخصيتى الشعراوى وأنور مغيث، الأول معروف للجميع، ويقتصر انتشار الثانى على الدائرين فى فلك الثقافة، لهذا كان طبيعيا أن تكون دائرة المعركة الأولى أوسع، أما الثانية فدارت فى نطاق ضيق، لم يلفت انتباه العامة، الذين ينشغلون بأى زوبعة، إذا كانت فقط فى متناول عقولهم.
لستُ مهتما بفض النزاع بين الجبهات المتصارعة، غير أننى عادة ما أهتم بالتوقيت، لأننى لا أومن بقانون الصُدفة، بل أوقن بأن لكل شىء أسبابه، خاصة إذا كانت الزوبعة غير مرتبطة بواقعة آنية، على عكس ما حدث فى واقعتى ” شهيد الشهامة” أو” قتيل التذكرة”، وهما حادثان شغلا الرأى العام المصرى فى الأسابيع الأخيرة، بعد أن فقد اثنان من الشباب حياتهما، لأن الأول أطلق هاشتاجا يستنكر فيه التعدى على فتاة فى الشارع، والثانى أجبره المُحصل على القفز من القطار أثناء سيره، لمجرد أنه لا يملك ثمن التذكرة. الانفعال فى الحادثتين الأخيرتين يمكن تفهمه، لأنه مرتبط بوقائع حاضرة، قريبة من مساحة التعاطف البشرى، لكن الأمر لا ينطبق على معركتى الشعراوى ومغيث، ويبدو الأمر فيهما مشابها للتفجيرات المفاجئة التى تستهدف بعض شخصيات التاريخ، مثل قصف يوسف زيدان لصلاح الدين الأيوبى، أو الجدل العجيب حول جمال عبد الناصر فى ذكراه.
سيطر التعصب الكُروى على كل مناحى حياتنا، وجعلنا نمضى غالبا فى أحد اتجاهين: صناعة بطل أوهدم صنم، والبطل والصنم ليسا تقييمين لأى شخص شهير يلقيه حظه فى خضم انفعالاتنا، بل تُعبّر الكلمتان عن وجهة نظر الفريقين المتصارعين فى الشخصية محل الخلاف. وبين قداسة البطل ودناسة الصنم تضيع الحقائق، لأنها غير مُستهدفة فى أى سجال من الأساس، المهم أن نظل نتكلم حتى تشغلنا مباراة أخرى! ويبقى الفاعل المجهول قابعا فى الخفاء، يتفنّن فى إثارة جدل منزوع الدسم، على نطاقات واسعة فى فترات بسيطة، فينشغل العامة وبعض المثقفين بالهجوم والدفاع.
قد يكون استحضار الماضى مفيدا، لأن الأفكار لا تسقط بالتقادم، ومعظم ما نعانيه فى الحاضر وليد آراء عمرها قرون، ورغم ذلك نجحت فى إسقاط ضحايا لمجرد ارتكابهم جريمة التفكير، لكن المشكلة أن ما يحدث ليس محاولة للقراءة  والتحليل، فالشبح الخفى يُحرّك وقتما شاء صراعات لا تتجاوز حدود الكلام، ويتلاعب بالجميع على طريقة آلهة الأوليمب، ويتحول كل منا إلى” سيزيف” الذى يبذل جهدا بلا طائل، بعد أن استبدلنا العاطفة بالمنطق، لننام قانعين بإيجابيتنا، التى تقتصر على قذف الكلام، لمجرد إفراغ شحنة من الانفعالات الدفينة!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.