العلاقات المغربية الفرنسية ومبدأ المعاملة بالمثل..

admin
كتاب واراء
admin7 سبتمبر 2022آخر تحديث : منذ سنتين
العلاقات المغربية الفرنسية ومبدأ المعاملة بالمثل..

 حسوني قدور بن موسى

المحامي بهيأة وجدة    

يحتل مبدأ المعاملة بالمثل مكانة مهمة في القانون الدولي ويقوم في الأساس على فكرة المساواة القانونية بين أشخاص القانون الدولي مع ما يكتنف تطبيقه فعليا من صعوبات نظرا للاختلاف الكبير بين الدول من حيث التقدم والرقي والقوة والاستقرارالسياسي والديمقراطية و وطأة التخلف والتبعية والضعف الاقتصادي والمؤسساتي مما يجعل تطبيق هذا المبدأ صعبا بالنسبة للدول الضعيفة التي لا تقدرعلى مواجهة التحديات الخارجية فتختل الموازين و تكيل الدولة الاستعمارية  بمكيالين و تنقلب القيم و تتغير المفاهيم.

يعتبرمبدأ المعامة المثل اداة  توازن  بين أشخاص القانون الدولي باعتباره يهدف إلى إقامة علاقة بين الحقوق والالتزامات أي المحافظة على التوازن الواجب تقريره بين الدول، ويشيرالمفهوم العام للمعامة بالمثل في إطارالقانون الدولي إلى التصرف الذي يستجيب به الشخص الدولي حسب ما يتعرض له من معاملات حسنة أو سيئة  ويعني مقابلة الخير بالخير والشر بالشر، و هذا معناه أن تلجأ الدولة إلى اتخاذ تدابير قهرية تقع بالمخالفة للقواعد العادية للقانون الدولي  بهدف إجبارالدولة المعتدية التي لا تحترم أخلاقيات و قواعد العلاقات الدولية على احترام القانون وتعويض الدولة التي وقع الاعتداء عليها عما لحق بها من أضرار مادية ومعنوية.
وفي هذا الصدد يجب التذكير بسكوت المغرب وعدم رده بالمثل على طرد آلالف المغاربة المقيمين في الجزائرعام 1975 في يوم عيد الأضحى دون اتخاذ أي إجراء مماثل، وكان عدد المغاربة المطرودين يساوي العدد الذي حركه المغرب في المسيرة التي أطلق عليها الملك الراحل الحسن الثاني “المسيرة الخضراء” وفي المقابل أطلق عليها هواري بومدين اسم “المسيرة الكحلة” و مما لا شك فيه أن هذا التصرف يعتبر مساسا خطيرا بالسيادة المغربية هذا بالإضافة إلى ما ينتج عنه من مشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة  وهذا معناه أن الدولة المغربية أصبحت ملزمة بتوفيرالطعام و السكن و العلاج و جميع متطلبات الحياة لـ 350000 مغربي مطرود من الجزائر، الأمر الذي كلف ميزانية الدولة نفقات هائلة  و رغم جسامة الاعتداء على المغاربة المقيمين في الجزائر والطرد الجماعي الذي تعرضوا له و مصادرة منازلهم وأمتعتهم و ممتلكاتهم لم يطبق المغرب مبدأ المعاملة بالمثل، وعندما يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية فلا مجال لاعتبارات الجوار أو الأخوة ، كما أن المغرب لم يطبق هذا المبدأ مع فرنسا التي تفرض “الفيزا” على المواطنين المغاربة منذ سنوات عديدة دون اعتبار لما يقدمه المغرب من تسهيلات لفرنسا في المجالات السياسية و الاقتصادية والسياحية حيث تكلف إجراءات الفيزا مصاريف مالية يتحملها المواطنون المغاربة هذا زيادة على المس بكرامتهم واهانتهم واذلالهم من طرف القنصلية الفرنسية من  جراء رفض طلب الفيزا دون إعطاء أي سبب  كما لا تقبل منهم لا شكاية ولا احتجاج  بل أكثر من ذلك لا ترد اليهم الأموال التي توصلت بها القنصلية الفرنسية للحصول على الفيزا ، و يعتبر هذا التصرف اثراء بلا سبب على حساب المغاربة  كما  يوصف في القانون الجنائي بالنصب و الاحتيال في حين يسمح للرعايا الفرنسين بالدخول الى التراب الوطني بلا قيود ولا شروط  و دون معرفة سوابقم و سجلاتهم العدلية في حين نلاحظ أن دولا عديدة  ردت بالمثل على فرنسا و فرضت الفيزا على الفرنسيين الذين ليسوا أفضل من جميع بني البشر، في هذه الحالة  تظهر مدى قوة الدولة و عظمتها  و حرصها على الدفاع على  كرامة وعزة مواطنيها في الداخل والخارج و الر د على من ينتهك حرمتها بالمثل . فعندما يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية وإهانة كرامة المواطنين فلا مجال في هذه الحالة إلى اعتبارات و مراعات حسن الجوار أو الصداقة أو الأخوة ، وهناك حالات مماثلة يظهر فيها المغرب بمظهر الضعف والخضوع للقوى الأجنبية عندما يسكت و لا يرد بالمثل على المعاملات الدولية الضارة بمصالح المواطنين المغاربة التي تمس حقوقهم و  كرامتهم و مشاعرهم الوطنية ، وعند يطبيق مبدأ المعاملة بالمثل تظهر قوة الدولة في مواجهة العدوان الخارجي و مدى حرصها على كرامة و عزة مواطنيها في الداخل و في الخارج لأن المواطن لا يحيى فقط  بالخبز بل بالكرامة وعزة النفس وكذلك باحساسه بكونه يعيش في دولة قوية ذات سيادة .

 ان مبدأ المعاملة بالمثل معترف به للدولة المعتدى عليها ويعني أن ترد عليه باعتداء مماثل بهدف إجبارالدولة المعتدية على احترام القانون وعلى تعويض الضرر المترتب على مخالفته و لكن عندما تلتزم الدولة الصمت و لا ترد على الاعتداء الموجه ضد مواطنيها فهذا يعني أنها دولة ضعيفة تابعة للدولة المعتدية. و في هذا الصدد يزخر تراثنا الشعبي العربي بالعديد من العبارات والأمثال التي تقال في معرض التعبيرعن ضرورة الالتزام بمبدأ المعاملة بالمثل وتطبيقه في الوقت المناسب، فمن ذلك القول مثلاً: “ من جعلك حمارا أجعله بعرة “ و مبدأ المعاملة بالمثل منصوص عليه كذلك في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ” وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به “ ( سورة النحل 126).
فمبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات الدولية والتعامل الدبلوماسي بين مختلف الدول والكيانات أو من يمثلونها هو ذلك المبدأ الذي يُفترض بمقتضاه أن يعامل كل طرف الطرف الآخر بالطريقة نفسها التي يتعامل هذا الآخر بها معه ، ذلك أن السلوك الدبلوماسي وخصوصاً في مجاله المراسيمي أوالاحتفائي بالتحديد هو في نهاية المطاف شكل من أشكال التعبيرالرمزي القابل للتفسير لجهة ما ينطوي عليه إما من احترام وتقدير واعتبار من جهة أو احتقار وإذلال واستخفاف واستهانة من جهة أخرى، ولا شك في أن مبدأ المعاملة بالمثل له علاقة وطيدة بجملة من القيم والمبادئ الإنسانية العامة اللطيفة التي تنظم جميع الثقافات والمجتمعات الإنسانية تقريبا وذلك من قبيل الحرص على احترام الذات  والاحساس بالمساواة بين  بني البشر من حيث محض الآدمية والاستعداد لصون كرامة النفس وعزتها والثأر ممن يسعى عمداً لامتهان و احتقار تلك العزة والكرامة الانسانية، وبالمقابل الميل إلى التعبير عن الشكر والعرفان والوفاء ورد الجميل بالجميل، ومقابلة الاحترام والتقدير بمثلهما إلى آخر ذلك من أوجه التعبيرعن الرضا أوالرفض الذي يجب أن  تتعامل به الدولة القوية. ورغم مخاطر مبدأ المعاملة بالمثل فقد اعترفت المحاكم العسكرية محاكمات “ نورمبرغ ” و” طوكيو” بمشروعيته، كما أن الواقع يشير إلى أنه يمكن استخلاصه وتبريره من خلال عدم المعاقبة على الأفعال التي تقع ضمن الحدود المعترف بها دوليا.
ان مفهوم المواطنة هوالشعور بالانتماء والدفء والاحساس بالكرامة والعزة  و هي علاقة متبادلة بين الأفراد والدولة التي ينتمون اليها و يقدمون اليها الولاء ليحصلوا على مجموعة من الحقوق المدنية و السياسية و الاجتماعية والاقتصادية و في المقابل من بين واجبات الدولة حماية حقوق و مصالح مواطنيها من الاعتداءات والانتهاكات التي يتعرضون لها في الداخل و الخارج.

 يعيش الإنسان كفيفا مرفوع الرأس بعزة وكرامة أفضل من أن يعيش مبصرا مكسورالعزة والكرامة، إن الإنسان لا يرث الكرامة ولا المهانة بل يصنعها بنفسه والكرامة يصنعها الانسان بنفسه و لا تهدى اليه.

ان فرنسا التي تفرض علينا سياستها الاستعمارية في جميع مجالات الحياة تعيش دائما على الارث الاستعماري والنفوذ الفرنسي في المغرب و في القارة الافريقية ولقد تأسس هذا الارث على ركائز أساسية أهمها : الادارة السياسية والتحكم الاقتصادي و الاستيلاب الثقافي والفكري و هي لا زالت تعيش على الماضي الاستعماري الذي امتد حقبة من الزمن الذي بدأ عمليا مع ما يعرف بالحقبة الاستعمارية الفرنسية التي رأفقت هزائم الأمبراطورالفرنسي الكبير” نابوبيون بونابارت” داخل أوروبا و هزيمته أيضا في الشرق الأوسط مما جعل فرنسا الاستعمارية تتجه جنوبا نحو القارة الافريقية   واتسعت خارطة المستعمرات الفرنسية التي شملت دول المغرب العربي حيث استطاعت فرنسا في بداية القرن العشرين من بسط نفودها العسكري و الاقتصادي على حوالي 35% من أراضي إفريقيا ، وامتد سلطانها على بلدان متعددة منها المغرب والجزائر و تونس و موريتانيا و جنوبا السنغال ومالي و بنين و توغو والكاميرون و جزيرة البيريدا في غامبيا،ولقد عرف الاحتلال الفرنسي بقسوته و بشاعته و جرائمه المتعددة في مناطق واسعة من القارة الافريقية وعرف هذا التاريخ الدموي بالمجازر التي راح ضحيتها ألالف من المواطنين والنخب في افريقيا هذا فضلا عن الاستعمار الثقافي الذي تعامل مع الشعوب الافريقية باستعلاء تماما كما ابتلى الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين بعصابات البيض التي وصلت الى أمريكا حيث وجدت مساحات هائلة من أخصب الأراضي في العالم بحاجة الى عشرات الملايين من الأيدي العاملة التي تعذرعليهم تدبيرها من أوروبا و لذلك فكرالغزاة البيض في السيطرة على الهنود الحمر لكنهم فشلوا في استعبادهم فلم يتورعوا في القضاء عليهم وهكذا وقعت واحدة من أبشع جرائم الابادة الجماعية في التاريخ حيث بلغ عدد الهنود الذين قتلوا على يد الأوربيين أكثر من 100 مليون هندي أحمر.

وبسطت فرنسا هيمنتها الاستعمارية على الدول الافريقية لتحريك اقتصادها الهش وهكذا فان اليورانيوم في النيجر والذهب في مالي و المصادر الزراعية في السنغال والسمك والحديد في موريطانيا الذي شيدت به معالمها التاريخية مثل برج ايفل ، ظلت فرنسا تنهب هذه الخيرات طيلة سنوات ما قبل الاستقلال، و بعد الاستقلال تحول هذا النهب الى سرقة مقنعة عبرالشركات الفرنسية العملاقة التي واصلت نفس النهج الاستعماري مثل شركة ” توتال” أبرز ذراع لنهب و سرقة مصادرالطاقة والتحكم في السياسة النفطية والغازية في غرب و وسط افريقيا، و بدون افريقيا ستكون فرنسا دولة فقيرة هامشية في جميع المجالات وهذا ما تخاف منه فرنسا اليوم وما عبرعنه صراحة الرئيس الفرنسي”جاك شيراك ” في احدىالمناسبات.

و لقد تحول مؤتمر افريقيا و فرنسا في نسخته الأخيرة التي نظمتها باريز في 6 كتوبر 2021 الى محاكمة علنية قوية المرافعات والأحكام ضد فرنسا الاستعمارية حيث أن الشباب  الافريقي المشارك واجه الرئيس الفرنسي “ماكرون ” بتهم على شكل محاكمة علنية قوية المرافعات والأحكام ضد فرنسا الاستعمارية حيث اعترف الرئيس” ماكرون” بأن العلاقة بين باريس و الدول الأفريقية يجب أن تأخذ وجها جديدا و أن فيها أخطاء كثيرة…

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.