الكاتب الصحفي المصري اللامع ذ. إيهاب الحضري يكتب.. لغة الإشارة.. وطلاسم المصطلحات!

admin
كتاب واراء
admin16 فبراير 2020آخر تحديث : منذ 5 سنوات
الكاتب الصحفي المصري اللامع ذ. إيهاب الحضري يكتب.. لغة الإشارة.. وطلاسم المصطلحات!

إيهاب الحضرى

جلس النُقاد على المنصة، يطرحون رؤاهم حول عمل أدبى، وعلى بعد خطوات منهم جلست فتاة فى مقتبل عمرها. تابعتْ كلماتهم بتركيز يتجاوز الحدود المتعارف عليها. لم تكن مولعة بالنص أو ناقدة مبتدئة ترغب فى صقل أدواتها، غير أنها لم تكتف أيضا بالتلقى السلبى، فبعد كل جُملة كانت يداها ترتفعان فى الهواء بحركات متسارعة, تحاول التقاط الكلمات المتتابعة. إنها تترجم ما يُقال عبر لغة الإشارة للحاضرين من ذوى الاحتياجات الخاصة، لكنها أحيانا كانت ترتبك، أو أننى تخيّلت أن اليدين” تتلعثمان” إذا جاز التعبير، وربما أكون مُبالغا فى إطار تحاملى على الألغاز التى يستخدمها بعض النقاد والمبدعين فى الندوات العامة.

فيما بعد علمتُ أن الفتاة ليست الوحيدة، وأنها عنصر فى فريق متكامل يتولى الترجمة، كإحدى الخدمات الرائدة التى بدأ معرض الكتاب تقديمها، ورغم إعجابى بالتجربة إلا أننى أشفقتُ على القائمين بها، فالأمر يتجاوز حدود المفردات اليومية المتداولة، إلى مصطلحات يصعب على الكثيرين فهمها، حتى لو كانوا من المغرمين بالثقافة، فكيف يمكن أن يقوم المترجم باستيعاب عبارات تبدو غامضة، عن سيموطيقا النص والذات الساردة والسارد العليم، ثم ترجمتها إلى المتلقى؟ مع الأخذ فى الاعتبار أن المصطلحات الثلاثة السابقة من بين الأكثر شيوعا، لدرجة أنها باتت شبه مفهومة ولو ضمنيا! فما بالنا بتعبيرات أخرى تستعصى على الفهم، فضلا عن أسماء كبار النقاد الأجانب، الذين يحلو للبعض الزج بأسمائهم، وكأنهم يقدمون للحاضرين دليلا على أن كلامهم مدعوم بعلامة دولية مُسجّلة!

انشغلتُ بمتابعة الترجمة، والتقاط نظرات مُتفحصة لجمهور لا يعانى من ضعف السمع، لكنه ضعيف الإدراك، يبدو بدوره فى حاجة إلى ترجمة، وأعترف أن حُمى المقارنات التى ألهبت ذهنى شغلتنى عن أمر مهم، فقد راودتنى الكثير من الاستفسارات، لكنها لم تحضرنى إلا بعد مغادرة المعرض، لهذا فاتنى أن أطرحها على المترجمين. تساءلتُ هل هم مهتمون بالأدب، أم أنهم يمارسون عملهم برتابة لا تختلف عن أدائهم فى ترجمة برامج الطبخ على إحدى الفضائيات، وكيف يتعاملون مع المصطلحات الأدبية العميقة؟ هل يتجاهلونها باعتبارها مجرد” زوائد” كلامية؟ أم يتحايلون عليها بعبارات بديلة تعتمد على تأوليهم لها، ويقنعون أنفسهم بأنها تستعصى على فهم حتى من يستمعون إليها بآذانهم؟!!

بالتأكيد تنتابنى سعادة شديدة بالاتجاه العالمى المُهتم بذوى القدرات الخاصة، لأنه يشير إلى أن إنسانيتنا تستعيد بعض فُتاتها، بعد أن تشرذمت تحت وطأة النزعات المادية وصراعات المصالح، لكنى أتمنى أن نستحضر هذه الإنسانية، فى سلوك النقاد تجاه ذوى الاحتياجات العادية، أحلم بأن يتعاملوا معهم كالمؤلّفة قلوبهم لاستمالتهم إلى لغة الأدب، بدلا من اضطهادهم بطلاسم تجعلهم يطلبون اللجوء إلى كتابات” الظواهر”، والوقوف فى طوابير ممتدة أمام مبدعيها لمجرد الحصول على توقيع منهم، بما يزيد الفجوة التى تفصلهم عن أدب حقيقى يعانى من الوحدة. إذا كان إخواننا من ذوى الاحتياجات الخاصة قد وجدوا من يُترجم لهم، فأعتقد أن الجمهور العادى ينتظر ترجمات مشابهة، لأن التجربة العملية أثبتت أنه ليس كل لبيب بالإشارة يفهم!!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.