المجلس الأعلى للسلطة القضائية والأخطاء القضائية..

admin
كتاب واراء
admin22 يوليو 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
المجلس الأعلى للسلطة القضائية والأخطاء القضائية..

حسوني قدور بن موسى

المحامي بهيأة وجدة     

يثير مفهوم الخطأ القضائي نقاشا كبيرا بين رجال القانون والباحثين في المجال القضائي و مدى امكانية المساءلة  عن هذا الخطأ الذي يمس حقوق و مصالح المواطنين، ويعتبر حق التعويض عن الخطأ القضائي الذي تتحمله الدولة من أبرز الحقوق المستمدة من النهج الحقوقي الذي انخرطت فيه الدول الراقية الديمقراطية التي تنص دساتيرها على حق المساواة أمام القضاء بين الدو لة والمواطن وأقرت بمسؤوليتها عن الأخطاء القضائية التي تنتهك حقوق المواطنين لأن المبدأ الديمقراطي لا يقبل المسؤولية بدون محاسبة، و لا خلاف حول اقرارمسؤولية الدولة بنص دستوري حيث يعد تطورا كبيرا في نظام مسؤولية الدولة عن خطأ الجهازالقضائي الذي يمثل اعترافا بحق المواطن في الحصول على التعويض عن الأضرارالتي ألحقت به جراء الأحكام الظالمة سواء كانت أحكاما جنائية أم مدنية.

ينص الفصل 122 من الدستورعلى أنه : ” يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول عى تعويض تتحمله الدولة” ، لكن يجب التمييز بين الخطأ الوارد في النص الدستوري وترجمته بالفرنسية و في هذا الاتجاه يقول الدكتورمحمد لكموش باحث في العلوم السياسية :

” بالرجوع الى الفصل 122 من الدستور يتبين أن هناك فرق في صياغة الفصل بين النسختين العربية و الفرنسية اذ في النسخة العربية نجدها تتحدث عن الخطأ القضائي و ترجمته بالفرنسية هي faute و بين النسخة الفرنسية التي تتحدث عن الغلط وترجمته بالفرنسية هي erreur  والمعتبرهي النسخة العربية و بالتالي فان هذه المسألة تطرح اشكالا على مستوى التعريف لكل من الغلط والخطأ ”

الغلط هو وضع الشيء في غيرموضعه وعدم التمييز بين الشيء وأشباهه وانحراف عن الصواب ولهذا نقول مثلا أن التاجر زاد في ثمن البضاعة نتيجة الغلط الذي وقع فيه و في هذه الحالة يمكن استدراك الغلط ، أما الغلط الذي يرتكبه القاضي المسؤول عن حماية حقوق و حريات و مصالح المواطنين و الذي غلط في تفسير و فهم القانون فلا يمكن قبول غلطته خاصة عندما يتكررالغلط الناتج عن الفهم الخاطئ للقانون وعدم الانتباه و ضعف في الذهن أو التكوين القانوني الذي يؤدي الى حرمان المتقاضي المظلوم من حقوقه و حريته و قد يؤدي أحيانا الى الاعدام أو السجن المؤبد، أما الخطأ فهو يعني الضلال والنسيان والحياد عن الصواب اما بسبب نقص في الجهازالعقلي أو في الذكاء أو جهل القانون و في كثير من الحالات يكون الخطأ عمديا، ولهذا فان الشخص المصاب بهذه العاهات المستديمة لا يصلح أن يتقلد منصب القاضي الذي هو من أعظم وأنبل و أخطر المناصب على الاطلاق، و ما دام القاضي ينوب عن الملك الذي تصدر الأحكام باسمه و موكول اليه الحفاظ على حقوق الناس فان المرشح لمنصب القاضي يجب أن يمر من عين الابرة نظرا لخطورة المسؤولية التي يقوم بها بنص الفصل 117 من الدستورالذي ينص على أنه: ” يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و حرياتهم و أمنهم القضائي و تطبيق القانون”  كما ينص الفصل 124 من نفس الدستورعلى أنه :” تصدر الأحكم و تنفذ باسم الملك و طبقا للقانون” وعلى هذا الأساس لا يجوز اسناد منصب القاضي الى شخص لا تتوفر فيه صفات العلم و الذكاء و النزاهة و الاستقامة و الأخلاق النبيلة و احترام الارادة الملكية حتى يكون في مستوى الأمانة و توجهات وطموحات الملك الضامن لاستقلال القضاء . لا بد من التسليم بخطورة الرسالة التي يضطلع بها القاضي و ثقل الأمانة التي يؤديها للقيام بواجب تطبيق قيم العدل بين الناس تفرضان أن يكون القاضي سليم العقل و من أفضل الطلبة المتفوقين و أصفى المنابع التي تكفل للقضاء خيرة العناصرعلما و ثقافة وأخلاقا و مسلكا و أكثرها استعدادا لتحمل مسؤولية وأمانة العدالة التي يقول الله تعالى عنها:” انا عرضنا الأمانة على السماواة و الأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا “.

وعلى اعتبارأن الأخطاء القضائية لا تخفى على المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي بامكانه تطبيق قاعدة من أين لك هذا ؟ على القضاة واكتشاف نواياهم الحقيقية وطريقة تفكيرهم يبقى لرئاسة المجلس الذي يتلقى باستمرار شكايات وتظلمات المواطنين بشأن الأحكام الظالمة أن يبرز حضوره القوي كما أراد ذلك جلالة الملك من حيث محاربة الفساد واجراء البحث في شأن شكاوي المواطنين و أخذها أوعدم أخذها بتعليل الأحكام التي قد تكون مخالفة للواقع و للقانون و لا يمكنه التخلي عن مباشرة اجراء البحث في الملفات المشبوهة تحت ستار”امكانية سلوك طرق الطعن” ضد الحكم موضوع الشكاية أمام محكمة أعلى درجة التي قد ترتكب نفس الخطأ لأن اختصاصات و مهام المجلس الأعلى للسلطة القضائية تكمن في مراقبة عمل القضاة و تقويم اعوجاجهم و تحميلهم المسؤولية عن اخلالهم بمسؤولياتهم طبقا للمادة 85 من اختصاصات و مهام المجلس الأعلى للسلطة القضائية التي تنص على أنه :” يختص المجلس بالنظرفيما قد ينسب الى القاضي من اخلال كما هو منصوص عليه في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة “، كما تنص المادة 87 من نفس القانون على أنه ” لا تتم المتابعة التأديبية الا بعد اجراء الأبحاث و التحريات الضرورية طبقا لأحكام الفقرة 2 من الفصل 116 من الدستور، يمكن للمجلس الأعلى للسلطة القضائية اذا أراد فعلا تفعيل النصوص القانونسة المتعلقة بالتأديب أن يكتشف بسهولة الخطأ القضائي والتأويلات الخاطئة و خرق القواعد القانونية الجوهرية و مخالفة القانون والواقع، و بالفعل توجد حالات عديدة تثبت أخطاء قضائية خطيرة منها على سبيل المثال الحالة التي ينصب فها القاضي نفسه مدافعا عن أحد الأطراف فيحكم بما لم يطلب منه و يثير دفعا جديدا في المرحلة الاستينافية لم يسبق للخصم أن أثاره في المرحلة الابتدائية خلافا لمقتضيات المادة 3 من قانون المسطرة المدنية التي تنص صراحة على أنه ” ينبغي على القاضي أن يبت في حدود طلبات الأطراف و لا يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات” كما أن الاجتهاد القضائي يلزم المحكمة بالتقيد بالمقال الاستينافي و لا يجوز للقاضي اثارة الدفع بالتقادم من تلقاء نفسه دون اثارته من طرف أحد الأطراف و من المفروض في القاضي العلم بأن هذا الدفع لا يثار تلقائيا طبقا للمادة  372 من قانون الالتزامات و العقود الذي ينص على أنه: ” ليس للقاضي أن يستند الى التقادم من تلقاء نفسه”.

و في القضايا الجنائية يلاحظ ارتكاب سلسلة من الخروقات الخطيرة للمسطرة الجنائية نذكر منها على سبيل المثال محاكمة متهم بالقتل العمد مع سبق الاصرار والترصد في حالة سراح  و رغم رفضه صراحة الحضورأمام غرفة الجنايات بعد اشعاره تتاح له الفرصة للفرارالى فرنسا بطريقة غير شرعية فتصدرالغرفة الجنائية على اثر ذلك قرارا غيابيا و كأننا أمام قضية جنحية دون تطيق المسطرة الغيابية كما تنص على ذلك المادة 443 من قانون المسطرة الجنائية، و الغريب في الأمر أن المحكمة سلمت للمطالب بالحق المدني نسخة من القرار الجنائي تحمل الصيغة التنفيذية باسم جلالة الملك وعندما تقدم بطلب تنفيذ القرارالاستنينافي الذي يقضي على المتهم الفار من العدالة بالسجن لمدة 20 سنة مع تعويض مدني قدره 200.000 درهم توصل برسالة من النيابة العامة مفادها أن القرارغير نهائي لا يمكن تنفيذه ، هذا خطأ قضائي خطير و تلاعب بالقانون و بحقوق الناس، و ظل المتهم في حالة فرار الى أن  وجه محامي الطرف المدني رسالة الى السيد الوكيل العام للجمهورية الفرنسية في مدينة ” ميلوز” التي يختبئ فيها المتهم فألقي عليه القبض و أحيل على شرطة الأنتربول لأنه مجرم خطير يمكن توظيفه بسهولة في العمليات الارهابية داخل التراب الفرنسي، هذه أخطاء خطيرة لا يمكن للمجلس الأعلى للسلطة القضائية السكوت عنها لأنها تمس سمعة المغرب في المجال الحقوقي خاصة في الوقت الذي تتعرض فيه بلادنا الى انتقادات حادة و هجمات اعلامية خارجية بخصوص وضعية حقوق الانسان ، و هكذا  تستمرالأخطاء القضائية و تضيع حقوق المواطنين و لا أحد يستطيع مساءلة القاضي الذي يظل جاثما في منصبه طوال حياته دون مساءلة و لا مراقبة ولا تفتيش و لا تأديب بحجة “مبدأ الاستقلالية” مع العلم أن هذا المبدأ لا يعني أن القاضي يصدر الأحكام حسب عقليته و هواه و مزاجه و محصن ضد المساءلة و المتابعة لتأديبية بل أنه مقيد برقابة المجلس الأعلى للسلطة القضائية مع العلم أن وزارة العدل لم يعد لها أي دور في هذا المجال فأصبحت مهمتها هي احالة شكايات المواطنين على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، و من الغرائب القانونية التي تتنافى مع مبادئ حقوق الانسان العالمية أن القانون في المغرب يحمل القاضي المسؤولية عن اخلاله بالاستقلالية و التجرد و ليس عن التلاعب بالقانون ، فالقاضي يطالب دائما بالاستقلال لغرض في نفس يعقوب، فاذا كانت الادارة مسؤولة عن الاخطاء التي يرتكبها الموظفون اثناء قيامهم بالأعباء الموكولة اليهم بسبب سلطة الرقابة و التوجيه التي تمارسها الدولة عليهم فان القانون في المغرب مع الأسف يعتبر القضاة مستقلين لا سلطان عليهم في تدبير ملفاتهم، فهذا توجه خاطئ يتنافى مع مبادئ حقوق الانسان التي يتشبت بها المغرب في ديباجة دستوره ، و للأسف لا يجد المواطن المظلوم أي جهة قضائية مستقلة للنظر في شكايته ضد القضاة على غرارالمحكمة الأوروبية لحقوق الانسان التي تتلقى دعاوى المواطنين في الدول الأوروبية  نذكر منها على سبيل المثال الدعوى المشهورة التي رفعتها France Moulin المحامية بمدينة  تولوز الفرنسية ضد الدولة الفرنسية أمام هذه المحكمة على اثر اعتقالها بطريقة تعسفية من طرف النيابة العامة حيث صدر حكم ضد الدولة الفرنسية يدين الاعتقال التعسفي الذي تعرضت له هذه المحامية و يقضي بابطاله مع تعويض مدني لفائدتها قدره 5000 أورو، كما اعتبرت المحكمة أن النيابة العامة ليست سلطة قضائية حتى يمكنها وضع الأشخاص بالسجن دون محاكمة علنية من طرف قضاة الأحكام فهي تتابع و لا تحكم فأصدرت القاعدة المشهورة التي تقول:”النيابة العامة تتابع والقاضي يحكم”

Le procureur poursuit et le juge juge

وأيدت محكمة النقض الفرنسية هذا القرار و كذلك المجلس الدستور،هذه هي الدولة التي يتمتع فيها المواطن فعلا بحقوق الانسان ويشعر فيها بالأمن و الأمان و التي يتساوى فيها المواطن و الدولة أمام القانون .

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.