بدون إحالة…

admin
2020-06-27T18:08:58+02:00
كتاب واراء
admin27 يونيو 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
بدون إحالة…

بقلم: بن الطيب يوسف

ملاحظة أولية: كل مشابهة مع الواقع لا علاقة لها بالصدفة

أشير بدايةً إلى أن النقد ليس حلبة صراع مجاني، كما أنه ليس قاعة أفراح تستقطب الهدايا وقُبل التبريكات، وإنما هو أسلوب تقويم وتوجيه وإرشاد، وليس أسلوب تشنيع رخيص يلجأ إليه العاجز والفاشل.

يقول علي زيعور في مقالته “سيكولوجية النقد والناقد”: ” تمر عملية النقد بثلاث مراحل؛ أولاها فهم القطعة، وهو العمل الذاتي. ثم تحليلها بحركة اندراجية متراتبة، وذلك هو العمل الموضوعي نوعا أو الاجتماعي بكلمة أدقّ. وتقوم المرحلة الأخيرة على تقييم البحث؛ أي التمييز بين الغث والسمين، وهو الصلة أو العلاقة التي تقوم بين الناقد وموضوعه (….)

أما الناقد فإنه يبدأ عمله مدفوعا بتوتر داخلي، ينشأ من إرادة الوصول إلى الهدف، الذي هو التقييم؛ فتصادفه صعوبات الفهم وعقبات الشرح، التي تعطي التوتر اندفاعه أو وهنه حسب قوتها. وللتخلص من هذه الحالة النفسية، يبدأ البحث والتنقيب.. هنا – أي في العقبات المذكورة – يكمن سبب العشوائية الظاهرة في أعماق الكثيرين من النقاد؛ فأفعالُهم، مع شدة التوتر والقلق، الناتج – كما رأينا – عن صعوبات الفهم والشرح، تدفعهم للبحث عن مخرج.. عن قشة يتمسكون بها لمهاجمة المؤلف، أو تكرار نقد قطعته؛ فيُؤوّلون، ويشوهون، ويفهمون على فلسفتهم”.

بعد قراءة هذه القولة، تذكرت يومَ كنتُ “حُوشِيا”؛ أبحث في حواشي الكتب، أقلب ذيلها لعلي أصطاد ما يشفي غليلي، ويثبت ضعف الآخرين وقوة ذكائي؛ لإشباع رغبة التفوق والاستعلاء عملا بمقتضى “نظرية السمو” Superiority theory لصاحبها توماس هوبز، الذي ذكر أننا “نضحك إما بسبب شعور مفاجئ بالسعادة لِما أحرزناه من انتصار، أو بسبب تعرض الآخرين للخزي والإهانة. ومن هنا، فنحن نضحك لشعورنا بالسمو على الآخرين؛ لِما في ذلك من إشباع لغرورنا، ومجال للتحرر اللحظي من إحساسنا بالعجز”.

استدركتُ بَعدها أن من شروط الناقد أن يكون هادئا، ذا عقل متزن خالٍ من الأحكام القبلية، وإلا فإنه سيبحث عما يناسب تلك الأحكام المسبّقة فقط؛ فيفشل في مهمته، وأنْ يبتعد عن التجريح، وإلا خرج عن مهمة الناقد الباني، ودخل في مهمة المنتقِم؛ فتسقط أحكامه النقدية جميعها.

وجدت نفسي ناقدا “حوشيا”؛ فلا أنا ناقد روائي ولا قصصي ولا مسرحي… ووجدت نفسي بعيدا عن مستجدّات التكوين الأدبي والحقول المعرفية المتنوعة.

إذا كان من شروط الأحكام النقدية – كما أشار إلى ذلك أحمد بلخيري – أن تتميز بـ”روح أساسُها الموضوعية والتجرد والاحتكام إلى المفاهيم والنصوص وحدها”، فإن من شروط الناقد اتصافَه بالمعيار الخُلُقي؛ حيث يشير فريدريك هيجل إلى أن للفن هدفين؛ الأول تلطيف الهمجية بوجه عامّ، وفوق هذا الهدف يقع هدف تهذيب الأخلاق. والثاني إذا كنا نريد أن نعزو إلى الفن هدفا نهائيا، فإنه لا يمكن أن يكون سوى كشفِ الحقيقة، وتمثيل ما يجيش في النفس البشرية تمثيلا عينيا مشخّصا.

فالهدفُ، إذاً، يكمن في أن نكشف للنفس كلَّ ما هو جوهري وعظيم وسامٍ وجليل وحقيقي كامن فيها. وعلى هذا الأساس، فإن أسمى مقاصد الفن هو ذاك المشترك بينه وبين الدين والفلسفة؛ فهو – كهذين الأخيرين – نمطُ تعبير عن أرفع حاجات الروح، وأسمى مطالبه.

إنّ العلاقةَ بين الناقد والنقد تستوجب اتفاقا مسبقا مبنيا على الممارسة الشرعية، التي تقتضيها تلك العلاقة بعقد ترابطي، بعيدا عن الخيانة ووساوس النفس؛ فتنقاد وراء زنا الممارسة النقدية!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.