د.يحي عمارة يكتب ضمن وشم بالكلمة: الدرجة الصفر للسياسة

admin
2019-12-25T22:10:13+01:00
كتاب واراء
admin25 ديسمبر 2019آخر تحديث : منذ 4 سنوات
د.يحي عمارة يكتب ضمن وشم بالكلمة: الدرجة الصفر للسياسة

يحيى عمارة

لم يكن يدور في خلدي يوما ما ، بأنني سأستعير عنوان رولان بارت الأدبي كما وضعه مبدعنا وناقدنا التنويري محمد برادة أثناء ترجمته للكتاب؛ لكي أتحدث عن السياسة الحالية في بلدي، وهو الحديث الذي سيندهش له حُرَّاسُ الْمَعْبد- الاندهاش هنا بالمعنى البسيط وليس العميق-  الذين كانوا سببا مباشرا في بواعث الحديث. ولن ننسى أن المعبد كان في العصر الإغريقي آية في العمارة، وفضاء تملؤه الموسيقى ليس بمعنى الرقص والنشاط ، بل بدلالة حب الحياة وإبداع الأفكار التي تُخْرِج الإنسان من الظلمات إلى النور، ومن التفكير الأسطوري إلى التفكير العقلاني،  ليتحول عند حُرَّاسِنا إلى كَسَلٍ ذهني لا ينتج الأفكار التي ترفع قيمة السياسة، ولا يوافق على ملفات ثقافية واجتماعية واقتصادية  تخفف من ضربة السكتة القلبية حفظنا الله منها؛ بل تسير في الاتجاه المعاكس للتطور الديمقراطي المنشود .

ونقطة الالتقاء بين المَعْبَدَيْن تكمن في سر نجاحهما، بالرغم من سذاجتهما. فإذا كان الفكر الإغريقي ما قبل السقراطي هو بتعبير نيتشه الأكثر سرا في المعابد الإغريقية، فإن معبدنا السياسي هو الأكثر سرا وغموضا في تاريخ تفوقَ المعابد السياسية.

  إن حراس المعبد لهم سؤال واحد ليس فلسفيا طبعا، يطرحونه في كل لحظة يشمئزون منها،  حينما يحسون بأن المثقف يرغب في التقرب من دوائرها ولِمَ لا من دواليبها خاصة؛ لغرض تجاوز كل عوائق تحديث الخطاب السياسي الذي أضحى شعبويا بامتياز؛ وإنما نتيجة خشيتهم  أن تكون سياستهم هي المقصودة في العنوان. وهنا أتذكر أغنية الفنان الراحل عبد الحليم حافظ التي أَلَّفها خالد بن سعود ولَحَّنها بليغ حمدي ونعتذر لهم ولأصحاب الذوق الرفيع عن تغيير حبيبتهم ب كلمة “حراس المعبد” وهي الأغنية التي تقول:

حراس المعبد حائرون.. يفكرون.. يتساءلون في جنون

 السياسة من تكون.. يفكرون.. يتساءلون.. يتخيلون أشياء وأسماء..

 وأشياء وأشياء.. وتضيع السياسة هباء؟

ليضيف زعيمهم سؤالا ساذجا أَعُدُّه عتبة من  عتبات وصول السياسة إلى درجة الصفر: كيف لكاتب ينتمي إلى عالم الأدب والثقافة أن يطرق باب الحديث عن السياسة وكل الكتاب والفنانين والمبدعين قد قمنا بطردهم من كل الأمكنة والفضاءات، التي تتربى فيها السياسة كما فعل أفلاطون مع الشعراء في جمهوريته؟ فالسياسيون – وليسوا الفلاسفة أو العلماء أو الباحثين- هم الأولى بالحديث عن السياسة، أما المثقفون والكُتَّاب وكل ما له علاقة بالأدب والثقافة والفن فقد اتفقنا سرا وعلانية منذ عقود وعقود من الزمن أن نجعل منهم معتزلة جُدُدًا بالمعنى المعاصر وليس بمعنى العصر العباسي العتيد. ونعمل كذلك على هَزْم أفكارهم وأحلامهم التي لا تناسب طموحاتنا الدفينة، وذلك بنشر الإشاعة بين الناس حول هروبهم من وظائفهم المجتمعية وبأنهم يعيشون بعيدا عن هموم الناس في أبراجهم العاجية، ونشر ثقافة “الْبَلادة” بين صفوف مؤيدي الثقافة حتى يصيبهم النفور مما يكتبون أو يجادلون وحجة حراس المعبد السياسي تقول: إن المقارعة بين السياسيين وصراع الديوك في الساحات العامة تعلو على صوت الثقافة وتهيمن على حضور المثقفين. بَيْدَ أن المتتبع لمقارعتهم وإن كانت فعلا هناك مقارعة، يلاحظ بأنها  تحصيل حاصل ليس إلا. لأنها بعيدة كل البعد عما نسميه  les Grandes Controverses de la philosophie et de La politique كما ورد في مجلة العلوم الإنسانية الفرنسية مؤخرا. حيث لا يسمع جعجعة ولا يرى طحينا باستثناء الميكروفون الذهبي الذي يقول: “شكرا للسيد النائب ، الكلمة للسيد الوزير، شكرا للسيد الوزير، الكلمة للسيد النائب”. وحتى وإن وقعت مقارعة، فَشُرْبُ الشاي في البلدِ يطفئ نار اللهبِ، لتعود السياسة إلى درجة الصفر، ويصوت حراس المعبد الظالمون ضد نمو الثقافة والإبداع والابتكار المرتبطة ارتباطا مباشرا بالبحث العلمي والوجدان الإنساني والبناء الحضاري، ليصبح كما جاء على لسان سقراط برواية تلميذه أفلاطون: “والعادل خاسر بعد ذلك في صلته بالدولة: ففي ضريبة الدخل يدفع العادل قسطا كبيرا والظالم قسطا أقل، عندما يكون لهما نفس الدخل”. فإذا كان الأمر متعلقا بمال يوزع، فإن الظالم ينال الكثير، والعادل لا ينال شيئا. وهذه واحدة من خصائص التميز عند حراس المعبد ، الذين كلما سمعوا مثقفا، أو باحثا، أو مفكرا، أو مبدعا يناقش مفهوم السياسة ذات الكفاءات التي تسعى إلى بناء دولة الحق والقانون بناء صحيحا يرسخ طموح البلد المرجو في تحقيق مشروع حداثي ديمقراطي إلا ويتحسسون ليس مسدساتهم كما قال جوزيف جوبلز وزير الدعاية السياسية المشؤومة في ألمانيا النازية يوما وإنما يتحسسون وثائق العَقاَرِ وَكَرَاسِيَ العار.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.