أحمد عصيد
بعث لي عدد من المواطنين ردودا معقبين على مقالي عن “محنة عباقرة العالم مع المسلمين”، ومضمون ما بعثوا به هو: “كيف نترحّم على من غضب عليهم الله ولعنهم ؟ هذا موجود في عقيدتنا !”. ما يدلّ بدون أدنى شك على أنّ المسلمين يعيشون بالفعل أزمة خانقة في وعيهم ونمط تدينهم وانتمائهم إلى عصرنا. ويمكن للقراء الأعزاء أن يجدوا في المفارقات العجيبة التالية، بعض مظاهر تلك الأزمة:
ـ أن هؤلاء يعتبرون فعلا أن الله يُنزل لعناته على 6 ملايير من البشر ويرضي عنهم وحدهم، فقط لأنهم مسلمون.
ـ أنهم يعتبرون غضب الله على غيرهم جزءا من عقيدتهم لا يستطيعون ألا يؤمنوا بها.
ـ ولكنهم رغم ذلك عندما يتحدث الناس عن التسامح والمحبة والحرية والمساواة بين البشر يقولون إن الإسلام سباق إلى كل هذه القيم !
ـ أنهم عندما يقال لهم إن أحوال المسلمين المتردية لا تدلّ على رضى الله عنهم وتفضيله لهم يردّون بأن السبب هو أن الأمة “لا تطبق الإسلام على حقيقته”.
ـ وعندما نقول لهم ولماذا يعيش غير المسلمين في بحبوحة من العيش والرفاهية وهم لا يطبقون الإسلام يقولون لأن الله يُمهل ولا يُهمل وقد أعطاهم الدنيا ونحن الآخرة.
ـ وعندما نقول لهم إن العباقرة من غير المسلمين هم الذين اخترعوا الكهرباء ولقاحات الأوبئة الفتاكة والمعدات التكنولوجية المتطورة التي يستفيد منها المسلمون يقولون لأن الله “سخرهم لنا”.
ـ وعندما نقول لهم كيف يغضب الله على من فعل أمورا حسنة يردون بأن الله لا ينظر إلى أفعالهم بل إلى إيمانهم وقلوبهم.
ـ وعندما نقول لهم ولماذا تريدون أن ينظر الله إلى قلوبكم وصلواتكم إذا كانت أفعالكم سيئة قالوا لأن الله يغفر الذنوب جميعا للمسلمين.
ـ وعندما نطالبهم بنموذج واحد يطبق الإسلام على حقيقته في زماننا هذا حتى نقتدي به لا يقدمون أي نموذج.
ـ وعندما نذكرهم بـ “داعش” و”طالبان” و”إيران” و”جبهة النصرة” و”أنصار الشريعة” و”بوكو حرام” وكذا “السعودية والسودان” سابقا على أنهم طبقوا نصوص الدين حرفيا يقولون إن هؤلاء “لم يفهموا الإسلام”.
ـ عندما نطالبهم بأن يعطونا مثالا من تاريخ الإسلام كله لِمَن فهم الدين حق الفهم يعودون بنا إلى بداية الإسلام المليئة بالحروب والصراعات والفتن بين المسلمين أنفسهم ويحكون عنها أخبارا متضاربة وغريبة..
عندئذ فقط نفهم لماذا لا يتوقف التطاحن والاقتتال بين المسلمين إلى اليوم،، إنهم يبحثون دائما عن إحياء “النموذج الأول”.
ونفهم لماذا حقق غيرهم نهضته العلمية والحضارية، لأنه يعتبر أن ما كان عليه لم يكن إيجابيا كله، وأن عليه تصحيح أخطائه السابقة حتى يكون مستقبله أفضل من ماضيه، ويكون نموذجه أمامه لا خلف ظهره.
فمن يزعُم أنّ المسلمين ليسوا في أزمة ؟