عبد اللطيف مجدوب
واهم من مازال يعتقد أن تيمة “التاريخ المشترك؛ الدين واللغة؛ والأخوة..” من أواصر التقارب والتعايش بين البلدان العربية، فقد كانت؛ إلى حين؛ الديباجة الأكثر ورودا في الاتفاقيات الثنائية العربية، بيد أن راهنية هذا الواقع العربي المتأزم تشي بشيء آخر؛ قوامه التشظي والتنافر والتخاذل واللاتعاون.. فقد حلت “المصالح المشتركة” وتصدرت العلاقات الدولية في خضم كل النزاعات الإقليمية والمحلية، بغض النظر عن الأيديولوجيات السياسية التي كانت تحكمها إلى حين، هذه العلاقات؛ شيوعية، اشتراكية كانت أو رأسمالية، يمينية أو يسارية.. وأصبح الاقتصاد؛ بمدلوله الاستراتيجي؛ الحكم الفصل بين تعاون دولي وآخر، لذا وجدنا دولا كان العداء مستحكما في علاقاتها، فأصبحت اليوم؛ وفي ظل المفهوم الجديد للعلاقات الدولية؛ مثالا للتعاون الاقتصادي وأنموذجا للتنمية على أكثر من صعيد، “جوار يؤطره التعاون المشترك”.
فرصة تاريخية أمام الجزائر قد لا تتكرر
المغرب حاليا، وكما هو معلوم على المستوى الدولي، منخرط في أوراش ضخمة، استعدادا لاستحقاقات مناسبتين كبيرتين؛ إن على الصعيد القاري أو الدولي، بتنظيم كأس إفريقيا 2025؛ وتنظيم “مونديال 2030″، هذه الأوراش الاقتصادية الكبرى دفعت بعدة شركاء في الدول المجاورة وغيرها، إلى التعبير عن أملها في الحصول على الضوء الأخضر من قبل المغرب بقبولها في تنفيذ مشاريع ذات وزن اقتصادي تنموي كبير، سواء في شق الطرق أو إقامة منشآت رياضية، بما فيها المدن الحاضنة، أو تجديد بنيات تحتية لأوراش رياضية بمواصفات عالمية، فلا غرو أن نجد فرنسا، مثلا والتي كانت إلى الأمس القريب متلكئة في مواقفها تجاه قضية الصحراء المغربية، وبالنظر إلى عامل الاقتصاد والمكاسب التي ستجنيها من تعاونها مع المغرب، سارعت إلى تصحيح مواقفها، وأعلنت اصطفافها إلى دعم القضية الترابية المغربية، بما فيها أقاليمه الصحراوية، ولسان حالها يقول “المكاسب أفضل من النزاع الدائم” ما أربك حسابات الجزائر الاستعمارية القديمة وأغاض حكامها ليسارعوا إلى تعليق علاقاته الديبلوماسية مع باريس، وهو موقف متقادم ومغرق في الشوفينية السياسية التي تقرأ العلاقات السياسية، دوما بمنظار أحادي الجانب، لا يقيم وزنا للجوانب الاقتصادية والتنموية الأخرى، وتكيل عداءها “المجاني الأبدي” لجار؛ كم من مرة مد أياديه لنبذ الخلاف وإقامة علاقات منفتحة على المصالح المشتركة.
وقد أصبحت الجزائر؛ في الأشهر القليلة الماضية؛ ربما واعية بنتائج الحسابات المتهورة الضيقة وتداعياتها الكارثية أحيانا؛ على المنطقة، ولها (الجزائر) في حرب روسيا على أوكرانيا، من جهة وحرب إسرائيل على غزة، من جهة ثانية، أعظم الدروس والعبر التاريخية التي لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد أو متغطرس، كما يجب أن تعي بشكل عميق أن جوارها للمغرب هو السبيل الطبيعي للنهوض بتنميتها الاقتصادية، فلديها قطاعات جد هامة كالوقود والسياحة والتصنيع.. لكنها؛ في معظمها؛ شبه مشلولة، لضيق انفتاحها على الجوار، كالمغرب الذي يمتلك مؤهلات جيوسياسية قادرة على تجسير علاقاته بالجزائر في قطاعات حيوية، كالنقل والتصدير والتبادل التجاري والتسويق، بل يذهب بعض خبراء الاقتصاد إلى أن الجزائر؛ بتبنيها سياسة “الانغلاق” ومعاداة جاره المغرب؛ فوتت على نفسها عقودا عديدة من التنمية المستدامة وفرصا تاريخية على درب التقدم والنماء.
فقد كان؛ ومازال بإمكانها المساهمة في خلق بيئة سياسية منفتحة على حوض البحر الأبيض المتوسط والأطلسي، تحفز أطرافا أوروبية عديدة على البحث عن فرص استثمارات داخل البلدين، والعمل المشترك على الربط القاري بالبوغاز، كجسر يربط أوروبا بدول إفريقيا، وفي آن إحياء أو بالأحرى إعادة إحياء اتفاقية “الاتحاد المغاربي”، علاوة على استكمال مشروع الربط السككي بأجزاء واسعة من دول شمال إفريقيا، وتصريف سلعها عبر الأطلسي بشراكة مع المغرب.
بارقة أمل…
لاحظ الرأي العام؛ في الآونة الأخيرة وبكثير من الارتياح؛ عمليات تبادل السجناء والمعتقلين بين العاصمتين الرباط والجزائر، فضلا عن انخفاض ملحوظ في منسوب التوتر بين البلدين الجارين، يمكن التقاطها كمؤشرات للانفراج وبارقة أمل للذهاب إلى استعادة العلاقات البينية، على أسس متينة من التعاون، إسوة بالعديد من الدول الأوروبية التي كانت سياستها؛ في ما مضى وقبل انخراطها في دول “الاتحاد الأوروبي” متسمة بالتوتر جراء نزاعات جغرافية حدودية.
يبقى على الجزائر؛ وفي استشرافها لآفاق المستقبل؛ أن تضرب قطيعة مع “العداء السياسي” وتقرأ مؤشرات الواقع الراهن بعين استغلال الفرص والانخراط الفعلي في تنمية الجوار الاقتصادي مع جاره المغرب، وحتى لا تفوت الفرصة، عليها أن تضع نصب أعينها المثل الشعبي الجزائري الدارج: (تْفكّر عْظامْ العيد ناضْ ينوّحْ).