عبد اللطيف مجدوب
من الحقائق البديهية التي أضحت واقعا ملموسا أن وسائل التواصل الاجتماعي، أو بالأحرى الميديا الشعبية (Social media)، أصبحت، بين المغاربة على الأقل، مصدر شحن للذاكرة ونبراسا للبحث عن كل ضالة، مهما كان مصدرها، وبغض النظر عما إن كانت صحيحة أو مضللة، سواء تعلق الأمر بوسائط “فيسبوك” و”إنستغرام” أو “تويتر” و”واتساب”.
وفي سياق التواصل عبر هذه المنصات، نجد شرائح اجتماعية بقناعات تختلف وأحيانا تتضارب حول الموضوع الواحد، فما قد تقتنع به هذه الشريحة وتزكيه ترفضه أخرى وتقصيه، تبعا لعوامل كثيرة، تدخل كعناصر للتمويه والتضليل والتحريض والاستئصال، بينما الرأي العام كان، قبل تغول هذه الوسائل واكتساحها المشهد الإعلامي العام، ليس بهذه الفجوة في الانقسام كما أضحى عليه اليوم، بل كان الإعلام العمومي يكاد يكون محصورا في قنوات المذياع أو التلفاز (القنوات الفضائية)، ثم الإعلام المكتوب، وعلى رأسه الجرائد الورقية، وحتى الإعلام الشعبي لم يكن ذا أهمية، لاعتماده موجة الأقوال والإشاعات وتناقلها.
الشعبوية وغزوها للعقول
لغة منصات التواصل الاجتماعي هذه شعبوية حتى النخاع، تتغذى بما يألفه الشارع من ظواهر اجتماعية واقتصادية فجة، تتلون كل وقت وحين فتصبح عادة أو “تيمة” عند الحديث وأساليب الإقناع والمحاججة، يضحى الفرد الناشئ ملزما في تفكيره بالصدور عنها، فتتخذ لنفسها “السمعي البصري” كقناة مفضلة للتواصل والإقناع والترويج، يقبل عليها السواد الأعظم من المغاربة لفرجويّتها وبساطة لغتها وعنصر إثارتها، يستوي في استهلاكها والإقبال عليها كل من الأمي والمتعلم على حد سواء، وخاصة في أوساط الشباب.
وهي، في الوقت ذاته، أضحت المرجعية الأولى والمفضلة في استقصاء الآراء حول قضية ما، لا تستدعي عناء أكثر من “تسميع” السؤال أو كتابته، تبعا لخاصية “الذكاء” التي أصبح الهاتف المحمول يتيحها لحامله، سواء بالعامية أو الفصحى وربما حتى بالأمازيغية، ثم لا تلبث أن تغدق عليه نوافذ لا حصر لها في شكل أشرطة فيديو قصيرة، الواحد منها لا يشبه الآخر، في الصوت واللغة والمحتوى، وتعظم خطورتها كلما كانت استشارات صحية أو غذائية أو عائلية أو ترفيهية مجونية، كما تصبح مضللة ومجانبة للصواب إذا كانت استفتائية في أمور العبادات، لا تميز أحيانا كثيرة بين المذاهب الفقهية ما إن كانت مالكية أو حنفية أو شافعية أو حنبلية، فضلاً عن كونها صادرة في بعض الأحيان من مصادر موغلة في التطرف والتشدد.
اختراق الميديا الشعبية للهوية الوطنية
هناك ركائز تقوم عليها هوية وطن ما، عادة ما تتشكل من اللغة والجغرافيا والتاريخ والعقيدة، لكن وفي ظل الاستهلاك المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، أمكن لهذه الأخيرة اختراق هذه الهوية وثوابتها ومحاولات التشكيك أو الطعن في مرجعياتها، إما للترويج لأجندة سياسية معينة أو لنصرة خطابات تيارات عرقية متطرفة.
ووعيا منها بهذه الخطورة على مستقبل الهوية الوطنية، لجأت السلطات المغربية، في السنوات الأخيرة، إلى سن قوانين بتغريم وتجريم كل من ثبتت في حقه الإساءة، بطريقة أو بأخرى، إلى الرموز الوطنية، مهما كان مصدره، عبر مواقع شبكة الإنترنت أو حسابات لأشخاص أو هيئات عنكبوتية معينة. وبالرغم من “الجيوش الجرارة” التي توظفها الدولة في التصدي لهذا المسخ الهوياتي، فإن بعض المواقع يصعب الوصول إليها، فتكتفي بحذفها أو تجميد حساباتها أو الرد على أضاليلها. لكن، وفي جميع الحالات، يبقي التحدي قائما ومطروحا بحدة أمام الجميع حول “حرية الرأي” ومدى مساحته وإمكانية مصادرته إذا كان يمس بهذا الطرف أو ذاك.